Mohamed fageer [[email protected]] أما المجموعة الثانية أي الإسلاسياسيون فتتلبسهم كابوس إسمه الحزب الشيوعي ، أصابهم منه رعب وإرتعاد قبل عشرات الأعوام ، لم يستطيعوا منه شفاءً حتي الآن ، ففي إنتخابات عام 1965 فأجأهم الحزب الشيوعي بإكتساح دوائر الخريجين ، وجاؤوا إلي البرلمان بصحبة أول إمرأة تنتخب إلي برلمان في الشرق الأوسط ، فأمتلأوا حقداً وضغينة ، وهم يعلمون علم اليقين أن نواب الحزب الشيوعي هم الأكثر معرفة وثقافة ، وأنهم الأكثر مقدرة علي الكلام ، وأنهم الأقوي منطقاً لكسب الجماهير ، فأضمروا ما أضمروا من سوء ، وفي سابقة غير معهودة تلقفوا جملة واحدة نطق بها طالب في معهد المعلمين ، فقاد ساحرهم الميكافللي حملة جائرة شعواء ضد الشيوعيين ، فدعا إلى تعديل مادة الحريات الأساسية في الدستور (الديمقراطي) ، ليتسنى حل الحزب الشيوعي وطرد النواب الشيوعيين من البرلمان (الديمقراطي)، وحتي يتم لهم الأمر كان لا بد من أن يكسبوا مساندة الحزبين التقليديين ، والحزبان التقليديان من المؤلفة قلوبهم في السياسة السودانية ، يتعاملون مع الشيوعيين وكأنهم راضون عن مشاركة الحزب لهم في اللعبة الديمقراطية ، وأنهم يؤمنون بالديمقراطية التعددية حتي لو جاءت بالشيوعيين إلي الحكم ، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، ثم إذا خلو إلي إخوانهم المسلمين يقولون إنا معكم إنما نحن مستئزؤون ، وقد تمكن الساحر الميكافللي من اللعب بورقة الإسلام ، فجاء بفيليْ الطائفية مجرورة من أذنابها القصيرة ، فتم العدوان الثلاثي السافر علي الدستور (الديمقراطي) ، وأدي التعديل إلي حل الحزب الشيوعي وطرد النواب الشيوعيين من البرلمان ، إجتمع النواب المنتخبون من الأحزاب الثلاثة (الأمة) ، (الإتحاي) ، (الميثاق الإسلامي) وطردوا النواب الشيوعيين المنتخبين من نفس الشعب الذي إنتخبهم ، ثم إنقلبوا إلي أهلهم فكهين ، ولم يعلموا أنهم بذلك كانوا قد قوضوا الديمقراطية التي أوصلتهم إلي قاعة الجمعية التأسيسية ، وأنهم قالوا للشعب السوداني (ظز) ، فكان ما كان من عهود التخبط والعشوائية التي أوصلتنا إلي ما نحن فيه اليوم ، وليس من ضمان أن يحدث نفس المأساة مرة أخري ، فالسادة الكرام في الحزبين التقليديين يتحدثون الآن عن تلك الحادثة في حياء شديد ، ويقولون أن حادثة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان يجب أن ينظر اليها في (سياقها التاريخي) ، ويأكدون أن مواقف أحزابهم اليوم ، مغايرة تماما عنها في الستينات ، من حيث ايمانها بحرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم السياسي والحزبي التي يكفلها الدستور ، ويصعب علي عابري السبيل من أمثالنا أن يفهموا ما معني (السياق التاريخي) المقصود ، كما أنّ سؤالاً ملحاً يصر علي أذهانهم ، ألم يكن (حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم السياسي والحزبي ) يكفلها الدستور في عام 1965 ، إن ماركة التسجيل السوداء التي وشمت الحزبين التقليديين لن تنمحي ، ولن تتنسي ، فللتاريخ عين لا تلتبس عليها الرؤي ، وللتاريخ ذاكرة لا تَنسي ، ثم أن هذا الحديث يعني فيما يعني أنهم لم يكونوا ناضجين ديمقراطياً في ذلك الوقت ، وكأنهم نضجوا الآن ، والحقيقة أن جلد الشعب السوداني هو الذي ينضج كل مرة من نار الخذلان والخيبة التي تحترق بها خلاياه ، فيستبدل جلداً بعد جلد ، ثم ينتظر ، ويطول الإنتظار ، ويتكرر الفلم ، فقد جربنا هذه الأحزاب بعد كارثة عام 65 ، وأوصلناها إلي الحكم ديمقراطياً ، فوجدنا أنها لم تتعلم جديداً ، وأنها كانت علي إستعداد لإرتكاب نفس الجريمة الشنعاء ، فإذا جاء إقتراح بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان مرة أخري ، لوقفت الأحزاب التقليدية مع المتآمر ، فهي لا تستطيع التخلص من عقدة الحزب الشيوعي ، وكان علي الإسلاسياسيين وتابعيهم من المؤلفة قلوبهم ديمقراطياً أن يحددوا موقفهم من مشاركة الحزب الشيوعي في الإنتخابات منذ البداية ، بالإنسحاب إحتجاجاً علي مشاركة الحزب ، أو بعدم السماح للحزب بالمشاركة ، أمّا أن يُسمح للحزب بالمشاركة ، ثم يقوم فئات من الشعب بإنتخاب ممثليين لهم من مرشحي الحزب ، ثم يتم التآمر عليهم بذلك الشكل الهمجي ، فهو أساءة للشعب قبل أن يكون إساءة للنواب ، ولكن هل كان للشعب حظ من إحترام ؟، إن الحزب الشيوعي لم يقم بأي عمل عدائي للدين ، ورغم العمل علي توسيع عضويته بين قطاعات كبيرة من الشعب إلاّ أنه لم يمارس أي نشاط مناهض للإسلام ، ولم يعمل علي نشر أي افكار إلحادية ، بل إنحصرت برامجه علي توعية الناس للأخذ بحقوقهم ، والتحرر من الإستعباد ، أي كان ، وكان في ذلك يمارس ماركسية معدلة إلي نسخة سودانية ، وعشرات الشيوعيين الذين نعرفهم أشخاص في منتهي الإحترام ، والإلتزام الأخلاقي ، والتماسك الأسري ، وعفة اليد واللسان ، فبأي شيئ إستحقوا المحاربة والتكفير ، ثم أن الحزب يحسب له العمل علي نشر الثقافة والأدب بصورة عامة ، حتي أن الناس عندما يتلمسون بعض الوعي والمعرفة الثقافية في أحد ، يصنفونه تلقائياً في خانة الشيوعي ، والجميع في هذا السودان يعجب بإنتاج أعضاء الحزب الأدبي والشعري والغنائي ، ومن يخالفونهم من الأدباء والشعراء والكتاب لا يخرجون في إبداعهم من الرد علي إنتاج أعضاء الحزب ، والناس ، رغم إعجابهم المتملك ، إلاّ أنهم عند (الحارة) يتملصون من كل علاقة بالحزب حتي ذلك الإعجاب الفني المتغلغل فيهم ، إذ يسيطر عليهم الخوف من الوقوع في المحظور ، وهوتأييد الحزب الملحد ، فلا ينفكون من إعجاب وإستنكار ، إنها العقدة ، عقدة الحزب الشيوعي.