الأمريكيون والإسرائيليون يقولون إن مصر(الكنانة) تقيم بمساعدة كبيرة من الجانب الأمريكي جداراً طوله عدة كيلومترات وبعمق 18 متراً ومن الفولاذ الخالص علي حدودها مع غزة ، هذا هو الخبر الذي عمدت جهات غربية أمريكية واسرائيلية علي بثه في اجهزتها الاعلامية الواسعة. من الجانب المصري لم يتأكد ذلك صراحة وإنما تأكد ضمناً وهذا يكفي لكشف الامر لانه لو لم يكن حقيقة لتحدت مصر الرسمية مروجي الاشاعات ولقالت بالصوت الجهور دونكم أرض مصر ياأهل الاسلام ويا أهل يعرب ودونكم معبر رفح وها قد فتحته علي مصراعيه حتي يتمكن أهل غزة الأشراف الفرار من الهلاك ولكن مصر الرسمية أخذت تبرر فعلتها وتسوق بضاعة مزجاة لم يقبلها منها الحلفاء الامريكيون ولا الاصدقاء الاسرائيليون بل وراحوا يهيمون بفضح النوايا المصرية في العلن ولو نفذت لهم مصر ما أرادو ،وأما أسباب بناء الجدار كما أوضحها المصريون فهي منع التهريب بين مصر وغزة، أما حق مصر في بناء الجدار داخل أراضيها فقد أوضحه وزير الخارجية المصري السيد أحمد ابو الغيط وقال إنه قرار (سيادي) يعود إلى مصر وأمنها القومي أوكما قال . وأود في هذه المقالة أن أوضح وبهدوء هذه الأقوال من وجهة نظر قانونية خالصة. كما هو معروف فان من حق أي دولة أن تفعل ما تشاء داخل حدودها لتأمين نفسها من جيرانها، ولكن القاعدة المستقرة والمعلومة في القانون الدولي هي أن حق هذه الدولة مقيد بالتزام عدم الإضرار- فضلا عن القاعدة الفقهيه في شرعنا نحن المسلمين (لاضر ولاضرار) - بشكل غير مشروع بالدولة المجاورة أو الإقليم المجاور. وفي تحليل عن الجدار سوف أنحي تماماً المقولات والأوصاف التي تطلق من مصر أو صوب مصر حول التضامن العربي، أو أن فلسطين في كبد كل مصري وعربي أو مسلم أو أن الفلسطينيين مسلمون ويجب إنقاذهم، لأنها أوصاف لم تعد تلامس الواقع بل تستفز القارئ ولكي أركز فقط على (حق )مصر الذي أشارت اليه في خطابها الرسمي الذي صرحت به بشأن الجدار. وحسب معلومات ومصادر عديدة فإن الجهات الغربية التي أعدت فكرة الجدار الفولاذي وقدمت له التمويل الكامل هدفت لان يحقق الجدار أهدافا عدة تتمثل في أن (بريما) للحفر (بالتشديد) يتراوح طولها بين 7 - 8 أمتار لعمل ثقبٍ في الأرض بشكلٍ لولبيٍّ، ثم تقوم رافعة بإنزال ماسورة مثقبة باتجاه الجانب الفلسطيني بعمق 20 - 30 مترًا. ويتولَّى العمل على الآليات الموجودة هناك عمال مصريون؛ أغلبهم يتبعون شركة (المقاولون العرب) بالإضافة إلى وجود أجانب بسيارات (جي إم سي) في المكان. ووفقًا لمصادر مطلعة فإن ماسورة رئيسية ضخمة تمتد من البحر غربًا بطول عشرة كيلومترات باتجاه الشرق؛ يتفرع منها مواسير في باطن الأرض مثقبة باتجاه الجانب الفلسطيني؛ يفصل بين الماسورة والأخرى 30 أو 40 مترًا؛ حيث تضخ المياه في الماسورة الرئيسية من البحر مباشرة ثم إلى المواسير الفرعية في باطن الأرض، وكون المواسير مثقبة باتجاه الجانب الفلسطيني فإن المطلوب من هذه المواسير الفرعية إحداث تصدُّعات وانهيارات تؤثر في عمل الأنفاق على طول الحدود. وأوضحت المصادر أن مهمَّة تلك المواسير التي ستجري فيها المياه هي إغراق كل من يحاول النجاح في عمل نفقٍ؛ بسبب تدفُّق المياه منها إلى النفق، بالإضافة إلى إحداث تصدُّعات في النفق؛ ما يجعله يتهاوى في أية لحظة. وأشارت المصادر إلى أن خلف شبكة المواسير هذه يتمدَّد في باطن الأرض جدرانٌ فولاذية بعمق 30 - 35 مترًا في باطن الأرض، وعلاوة على وظيفة هذا الجدار في كبح جماح الأنفاق إلى جانب أنابيب المياه، فإنه يحافظ على التربة باتجاه الجانب المصري وعلى تماسكها، في حين تكون الأضرار البيئية والانهيارات في الجانب الفلسطيني في الجهة الأمامية لهذه الجدران. عندما يتعلق الأمر بغزة التي يحدها شمالاً البحر المحاصر، وعلى طول حدودها الشرقية والجنوبية إسرائيل التي تحمل مشروعاً صهيونياً هدفه القضاء على الشعب الفلسطيني والتربص الدائم بغزة وإعلانه إقليماً معادياً تجيزو(تبيح) فيه كل ما يحظره ويحرمه ويجرمه القانون الدولي والشرائع الدينية بما فيها اليهودية، فإن الحد الغربي لغزة وهو مصر يصبح هو محط الأمل من الناحية النفسية ليس فقط لإنقاذ غزة من وحش صهيوني كاسر ولكن لإمداد غزة بكل مايلزم من ضرورات البقاء علي الحياة ، وهي في الظروف العادية مسألة اقتصادية إذا حسنت النوايا وهي مصدر للربح بالنسبة للجانب المصري. ولكن لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها في هذا السياق رأت مصر أن تقيم عازلاً (صلباً) بينها وبين هؤلاء (الأعداء)الذين يتربصون بها الدوائر كما تقول ويغيرون عليها من حين لآخر ويسببون لها (الإحراج) مع إسرائيل، ومصر تظن أن هذا القرار مصدره الشعور المصري الخالص دون إملاء من أحد بهذه المخاطر. لكن على الجانب الآخر، فإنه لما كان القانون الدولي يعتبر غزة أرضاً محتلة وأن حصارها، من الجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية لسكانها، فضلاً عن كونه جرائم حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، فقد أوجب القانون الدولي على الدول أطراف المعاهدات التي تجرم هذا العمل أن تسعى إلى فك هذا الحصار وإنقاذ السكان وكفالة الحد الأدنى من الظروف الإنسانية لبقائهم. أما بالنسبة لمصر، وبسبب وضعها كمنفذ وحيد على الجانب الآخر لغزة فقد رتب القانون الدولي عليها التزامات أقسى وهي ضرورة فتح معبر رفح وكافة منافذ الحدود الأخرى لإنقاذ غزة من مخطط الإبادة الذي تنفذه اسرائيل. فقد أدي إحكام الحصار عن طريق إغلاق رفض تمرير المساعدات اللازمة إلى إنشاء الأنفاق وهي منافذ للنجاة من هذا المخطط ، فيكون إغلاقها هي الأخرى، ومنع الهواء من المرور إلى غزة عن طريق جدار فولاذي تفننت إسرائيل والولايات المتحدة في صناعته لينقل حدود إسرائيل مع غزة شرقاً وتحل محل حدود مصر مع غزة غرباً بأيدي مصرية وبأمن مصري، فهو عمل – بعيد عن الأوصاف العاطفية التي لم يعد لها معنى مع مصر الرسمية في هذه المرحلة الخطيرة من حياة مصر - يجعل بناء الجدار جريمة مركبة بامتياز. فالهدف المعلن هو الإمعان في خنق سكان غزة، ومعاقبتهم لذنب لم يرتكبوه وإرهابهم إلى حد الموت لقاء تمسكهم بنظام أحبوه أو كرهوه، اختاروه أو فرض عليهم ليس لأحد التدخل فيه مهما كان رأيه فيه من الناحية السياسية. فالهدف السياسي لا قيمة له لأن القانون يعول على النية الإجرامية وهي إبادة السكان بغض النظر عن الدوافع. كما أن الجدار نفسه يعني أن مصر تخلت عن التزاماتها القانونية الدولية لصالح سكان غزة المحاصرين، وتعاونت مع المجرم على إحكام واتمام الجريمة بامعان. وقد سبق للسيد ريتشارد فولك مقرر مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان للأراضي المحتلة أن أشار في تقريره حول محرقة غزة إلى جريمة حرمان أهل غزة من حق (الفرار) من الهلاك ويجب أن يسآءل من حرمهم ذلك الحق وعني بذلك مصر الرسمية، فما بالنا وأن الجدار يجعل الهلاك محققاً ويزيل كل احتمال لتحقيقه. إن مشاركة مصر مع إسرائيل والولايات المتحدة في إبادة سكان غزة مهما كانت مبرراته لدى كل هذه الأطراف يضع مصر تماماً في دائرة التجريم، ناهيك عن أن هذه المشاركة هي امتثال مصري لاتفاق أمريكي إسرائيلي سبق لمصر أن اعتبرته تدخلاً سافراً في شؤونها وغضبت لأنه ينفذ على أراضيها دون مشاركتها، ويبدو أن زوال بوش، ومشاركة مصر قد صحح هذا الموقف الذي لن يغفره التاريخ أبداً، كما أن له ما له يوم يقوم الحساب. لقد نظرت مصر إلى جانب واحد وغابت عنها كل و أهم الجوانب، خاصة وأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. تلك رؤية قانونية خالصة لا أثر فيها للجوانب الإنسانية أو القومية أو الدينية أو الأمن القومي المدعي، ويكفي أنها أكبر خدمة تقدم بكل إجلال للمشروع الصهيوأمريكي سيدفع ثمنها أجيال مصر في عصور لاحقة ولن ينساها المسلمون والعرب بل والانسانية جمعاء. mamoun osman [[email protected]]