جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا نكسر تلج ؟ .. بقلم: شوقى محى الدين أبوالريش
نشر في سودانيل يوم 14 - 02 - 2016

قد تلاحظون أن هناك تعبيرات أو مصطلحات دارجية أو شعبية تظهر في السودان بين الفينة والأخرى ثم تختفى ولا تُفهم هذه التعبيرات إلا في السودان أو بين السودانيين الذين يعيشون في الخارج. وهي غالباً قد تكون من إفرازات الظروف السياسية والإجتماعية والاقتصادية المتدهورة. هناك أمثلة كثيرة لهذه المصطلحات أذكر هنا بعض ما عرفته (وهى الشمار..داقى سستم..مُرطب..خوجلى عثمان..رافعه القزاز..قداد.. حنااك.. أخد شاكوش..سكروتا..ركبواالتونسية..دبيب..ضارب سلك..دق جرس..دعوني أعيش.. إتلحس..برااى..حديدة..متجدع ..ضحاكات..). لكن اليومسوف ألقى الضوء على تعبير دارجي أو شعبي ظهر حديثاً وانتشر سريعاً وهي عبارة أو مصطلح "تكسير التلج"والتي تعنى بالمفهوم السودانى المنافقة أو التملق أو المجاملة غير الصادقة لطرف آخر سواءً إرضاءً لغروره أو مكانته بحسب حاجتك إليه أو حسب أهميتة عندك. واختصارا هو إظهار خلاف ما تبطن لطرف اَخر بغية مكسب أو تلبية غرضٍ معينٍ. وإخواننا المصريين يستعملون كلمة "الدهنسة" لنفس المعنى وشعبياً يقولون "مسح جوخ" أو "الأونطجى". والجوخ هو نوع من قماش الصوف وهي كلمة تركية ومصطلح يطلق على خدم السلطان والذين اشتهروا بالتملق للسلطان حتى لا يفقدوا مناصبهم، أما "الأونطة" فهي كلمة أصلها يوناني "أفانتا" بمعنى حيلة و"الأونطجى" هو الشخص الذي لا يملك حيلة إلا النفاق. ولا بد أن نذكر أيضاً إخواننا السوريون فهم يستعملون تعبير "مكولك" لوصف المنافق. وتكسير التلج هو تعبير سوداني لنفس المفهوم لكن لا أدرى أصل التعبير أو ما هي العلاقة بين تكسير التلج وما يعنيه التعبير! يقول البعض هي في الأصل مستخلصة من جلسات الحانات حيث يوجد دوماً شخص يشرف على المشروبات الباردة من كحول وغيره "النديم" وبالتالي فهو يكسر تلج ليشرب الآخرون ويستمتعون.وقد حاولت أن أنسب التعبير إلى اللغة الإنجليزية وهى (Break the ice) لكن ترجمتها الحرفية هي إذابة الجليد وهي تعنى رفع الكُلفة في اللقاء الأول وكسب الود والصداقة، وتسهيل الأشياء أو جعل الشيء مألوفا أو تعنى مجازاً التقارب بعد جفوة خاصة بين دولتين (مثل أمريكا وروسيا)، ولذلك فالتعبير الإنجليزي لا علاقة له بمفهوم تعبير تكسير التلج عندنا. . ومن الطريف أن الصحفية بجريدة "السوداني" الأستاذة شيراز سيف الدين قالت في مقال لها أنها في تنقيبها عن عبارة "تكسير التلج"، لانتشار تلك العبارة وذلك المصطلح في المجتمع السوداني بصورة كبيرة للغاية،التقت بأصحاب مهنة بيع التلج الحقيقيين الذين أفاد ممثلهم بأن هذه العبارة مستفزة لهم جداً إلى الحد البعيد ويُقصد بها الزيف والكذب وهذه ليست من خصال باعة التلج فهم أصحاب مهنة شريفة. وأضاف أن تكسير التلج الذي يقومون به هو من أجل راحة الزبون حتى يسهل عليه حمل التلج، واختتم مطالباً المجتمع تقديم اعتذار لكل بائعي التلجعن هذه العبارة، فهناك الكثيرون ممن يجيدون الأبلسة والدهنسة فما علاقة التلج بذلك الأمر! " وفي صدر المقال المذكور عرّفت الصحفية تكسير التلج بأنها عبارة تعني المجاملة فوق العادة وفي أحايين أخرى (المبالغة) بينما يذهب آخرون إلى أنها عبارة موغلة في النفاق لإرضاء الآخر لتحقيق مصلحة شخصية.. أما الأستاذ عمر عثمان صاحب عامود "شيء ما" في جريدة الصحافة فقد تناول تحت عنوان "تكسير التلج وتبريد المسؤول" : " تكسير التلج .. مصطلح شبابي معاصر وأول ظهور له على ما اعتقد كان قبل عشرة أعوام ... ثم أصبح ثقافة اجتماعية والكسارون بعضهم هواة وبعضهم محترفون وبعضهم أتت به الظروف.. ولكن الشيء المؤكد كلهم حارقو بخور وبائعو معسول الكلام..وكسار التلج يُعرف بأنه لماح وذكي ولا يَعرف الحياء طالما لديه مصلحة ويمص دم ضحيته حتى اذا جفت تحول إلى غيرها. ... وكسارو التلج يجتمعون في مجموعات متباغضة متنافرة... وعلى قدر مخالبك في التكسير تُقّدر قوتك... وتصبح قائداً عظيماً للكسارين والمنبطحين... وإذا وقع أحدهم نهشوه، فالمسألة هي كيف يخطف الأضواء والاحلال أي أن يحل محله من هو أقوى. وعلى ما اعتقد أو أظن أنه حصل تغير نوعي في المجتمع فصار مثل هؤلاء قدوة لبعضهم فانتشر الوباء.. خصوصاً بعد أن ارتفع قدرهم المادي وانخفض رصيدهم الأخلاقي. وأعراض مكسري التلج هي انتفاخ ونفخة كاذبة عليك أو على أي شخص ليس لديهم عنده مصلحة أو شخص غير مهم. أما في حضرة الشخصيات المهمة فإنهم مبتسمون ضاحكون ودمهم خفيف وأصحاب حكمة ونكتة وجاهزون للدفاع والفداء حتى تحسب أنك في معركة من معارك الفتوحات الإسلامية، وممثلون بارعون في الضحك والبكاء حسب الحاجة والموقف. وكله باللسان والكلام طبعاً.. طالما هم عند حضرة المسؤول.. بعضهم صغير يكسر لأي شخص وبعضهم كبير أصحاب مكنات كبيرة لا يكسرون إلا للكبار جداً وهو قطار من الأصغر يكسر للأعلى منه والأعلى للأعلى منه وهكذا.. وفي الشدائد والمصائب ينسّلون كما تنسل الشعرة من العجين أو كما تنسل الروح من الجسد. هذا ما كان من أمر تكسير التلج."
ليست مسألة تكسير التلج جديدة في معناها، ففي التاريخ القديم هناك أمثلة كثيرة لنوعية البشر الذين يتملقون أو يكسرون التلج، لكن يقال إن الشاعر الكبير أبوالطيب المتنبي لم يكن إلا مرتزقاً من الطراز الأول، فحياته التي تنقل فيها ما بين الشام ومصر والعراق وفارس لم يكن له هدف غير انتقاء الولاة والاتصال بهم ثم مدحهم حيث مكنته موهبته الشعرية من ذلك طمعاً في كسب المال والجاه والقُرب من الولاة. ومما يؤكد ذلك هو مدحه الذي فاق الوصف لكافور الإخشيدي في قصيدته "أغالب فيك الشوقَ والشوقُ أغلبُ" حين قال فيه :
وأخلاق كافور إذا شئت مدحه ... وإن لم أشأ تملى علىّ وأكتب
إذا ترك الإنسان أهلاً وراءه ..... ويمم كافوراً فما يتغرب
فتىً يملأ الأفعال رأياً وحكمة..... ونادرةً أحيانَ يرضى ويغضب
إذا ضربت في الحرب بالسيف كفه تبينت أن الكف بالسيف يُضرب
إلى أن فاض به الانتظار ونفذ صبره فأظهر ما يبطنه وطلب صراحة من كافور أنه يريد المال والسلطان ويكون والياً مثله متل كافور حين واصل في قصيدته متوسلاً كافور قائلاً له:
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله فإني أغنى منذ حين وتشرب
وهبت على مقدار كفى زماننا... ونفسي على مقدار كفيك تطلب
إذا لم تَنُطْ بي ضَيْعَة أو ولاية .. فجودك يكسوني وشغلك يسلب
أحن إلى أهلي وأهوى لقاءهم وأين من المشتاق عنقاء مُغْرِبُ
فإن لم يكن إلا أبو المسك أوْ هُمُ فإنك أحلى في فؤادي وأعذب
ورغم كل تلك الصراحة والتوسل، لم يجد مبتغاه من الجاه والسلطان عند كافور الإخشيدي فانقلب عليه وهجاه بأقذع ما أملته عليه موهبته الشعرية من هجاء في يوم عرفة وهو يغادر أرض مصر في قصيدته "عيد بأية حال" حين قال فيه:
عيد بأية حال عدت يا عيد... بما مضى أم بأمر فيك تجديد
أكلما اغتال عبد السوء سيده .. أو خانه فله في مصر تمهيد
صار الخصى إمام الآبقين بها.. فالحر مستبعد والعبد معبود
لا تشتر العبد إلا والعصى معه.. إن العبيد لأنجاس مناكيد
من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه السود
أم أذنه في يد النخاس دامية ... أم قدره وهو بالفلسين مردود
وهكذا تناقض المتنبي بين مدحه وهجائه لكافور. فقد أفاض في "تكسير التلج" لكافور طمعاً فلما لم يجد مبتغاه، لأن كافور بذكائه كان قد فهم مقصده، يئس منه وأدار له ظهره ثم هجاه بشعره الرصين مر الهجاء وأفظعه.
في السودان ساد هذا التعبير كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب كثرة التملق والذي هو كما ذكرنا نتاج للتدهور الاقتصاديوالسياسي، وقد قال أحد الساخرين: "أن برودة الجو الآن في السودان سببها تكسير التلج الكتيرالحاصل". هذا التكسير جاء نتيجة للحرمان الذي يعيشه الأغلبية من الناس لوجود طبقات قليلة حاكمة أو من ضمن البطانة الحاكمةتسيطر على أهم موارد البلاد وتُبر الآخرين من هم أكثر تملقاً وهم ناس (دعوني أعيش)، ولذلك فقد تحتاج إلى تكسير تلج كثير لكي تقضى بعض أعمالك وحوائجك الأسرية اليومية وغيرها، وربما قد آن الأوان أن نغير المثل الشهير"الخواف ربّى عيالو" إلى "كسار التلج ربّى عيالو".
وفي ظروف التدهور السياسي والاقتصادي الشديد للدولة تجد ذلك التملق على مستوى الحكام والرؤساء، فعندماأرسل السودان جنوده طواعية إلى اليمن لمحاربة اليمنيين الحوثيين بدون مبرر وطني وفى مشاكل داخلية وأصبحوا مرتزقة، قيل إن الرئيس البشير كسر تلج للملك سلمان ملك السعودية حتى يتحصل على عون مادي سريع لتسيير دولابالعمل في الدولة. وقد سخر أحد الصحفيين اليمنيين من ذلك حين كتب أن الرئيس البشير خانه التعبير حين قال:"سوف نحارب الحوثيين حتى اّخر برميل في السعودية.." (بدلاً من حتى آخر جندي سوداني).
وفى نفس السياق عندما قطعت السعودية علاقاتها مع طهران وطردت السفير الإيراني من المملكة بسبب مظاهرات الشغب أمام السفارة السعودية في إيران والتعدي عليها الشهر الماضي حذا السودان حذو المملكة وطرد السفير الإيراني في الخرطوم وهنا قيل إن الرئيس البشير كسر تلج للملك سلمان للمرة الثانية حتى يتحصل على القسط الثاني من الريالات السعودية.
ودائما نجد حول رئيس الدولة والوزراء وحتى مديري المصالح في السودان بطانة وهذه البطانة التي درجت علىتكسيرالتلج للرؤساء والوزراء والمديرين لضمان إستمراريتهم وحفاظاً على مصالحهم حتى أصبح النفاق واجب مهنيومن أدبيات العمل..وأضرب لكم مثال لذلك بفقرات من مقال الصحفي المعروف طارق ساتي أمس في صحيفة الراكوبةبعنوان "غير صالح للطبخ" وذلك تعليقاً على زيادة سعر الغاز الأسبوع الماضي والذى أقتبس لكم منه هذه الفقراتالثلاث:
( في مثل هذا الشهر قبل عام، غادر وزير الصحة بولاية الخرطوم قاعة المجلس التشريعي غاضباً ورافضاً عرض تقريره على نواب المجلس التشريعي عندما وصفوه بالمتكبر والمسيء للمجلس التشريعي والمستخف بعقول نوابه..وكان النواب قد اعترضوا في تلك الجلسة الساخنة - بالضجيج الجماعي – ردود الوزير وتعقيبه على نقاشهم ، فخاطبهم غاضباً : (لو أصلاً ما عندي سُلطة تعقيب على كلامكم، إتكلم معاكم ليه؟)، وغادر القاعة.. وفكر بعض النواب في مساءلته وسحب الثقة عنه ما لم يعتذر ..!!
ولكن بعد أسابيع، كان الحدث بكافوري تدشين مجمع إسلامي، وفيه مدح رئيس الجمهورية وزير الصحة بالخرطوم، وخاطبه أمام الحشد الرسمي و الشعبي : (أقول لأخونا مامون حميدة إنت بلدوزر، وأنا جبتك عشان توصل الخدمة العلاجية والصحية للمواطنين في مواقع سكنهم، وما تسمع أصوات الناس الآخرين، ولا (البكوركو ديل)..هكذا كانت الرسالة الرئاسية - واضحة جداً- لمن أغضبوا مأمون حميدة وفكروا في مساءلته أو سحب الثقة عنه ..!!
وصلت الرسالة الرئاسية - بسرعة البرق - لمن يهمهم الأمر، أي ( للناس البكوركو ديل) .. ولذلك، كانت الجلسة التالية للمدح الرئاسي بالمجلس التشريعي ضاجة بالمدح والثناء للوزير حميدة..شكروه ومدحوه، وطالبوا رئيس الجمهورية بمنحه (وسام الجمهورية)..بل، بلغ المدح والثناء بحميدة مقاماً قال فيه أحد النواب بالنص : (في الحج بلغني أحد الأطباء بأنه رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه قائلاً : بلغ سلامي لمأمون حميدة)..هكذا.. خلال أسابيع، تحول نواب التشريعي (180 درجة)، وحولوا مأمون حميدة من وزير مهدد بالإقالة إلى أحد أولياء الله الصالحين الذين يختصهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسلام عبر المنام ..!)..انتهى الاقتباس.
واضح جداً أن الناس (البكوركو ديل) انقلبوا بين ليلة وضحاها وحولوا (كواريكهم) إلى تكسير تلج سواءً للوزير مأمون حميدة أو للرئيس البشير أو الإثنين معاً.
إذا نظرنا لشعوب العالم العربي من حولنا مثل إخواننا المصريين أو اللبنانيين وطريقة مخاطبة بعضهم البعض نجد أن في أسلوبهم وطريقتهم كثير من الاحترام والترفيع والرقة لكنه لا يصل إلى درجة التملق أو تكسير التلج. وهذا يذكرنيبواقعة حقيقية حصلت في ثمانينات القرن الماضي حين كان المدير التنفيذي الجديد لأحد البنوك العريقة في دولة الإمارات العربية المتحدة في جولة تعريفية داخل البنك بصحبة المدير العام، وعندما دخل أحد المكاتب التي يشغلها عشرة موظفين وقف منهم ثمانية موظفين احتراما للمدير التنفيذي الجديد إلا أن الموظفين الإثنين المتبقيين ظلا جالسين بل واصلا عملهما في صمت وكأن شيئاً لم يكن. وكان هذان الموظفان من الجنسية السودانية. وبعد أن انتهت الجولة استدعاهما المدير العام في مكتبه وقال لهما : " أن هناك خط رفيع كالشعرة يفصل فيما بين الاحترام والتملق. وقد لاحظت أن عدداً من السودانيين يخلطون الأمرين لعدم التقدير الصحيح.." وشكرهما على أداء عملهما إلا أنها كانت رسالة واضحة بأنهما وقعا في المحظور لخطأ في تقدير الموقف. ولا أدرى سبباً واضحاً لذلك الخلط بين الاحتراموالتملق فربما لأن حياة السودانيين جافة ولغة الحديث والمخاطبة فيما بيننا تنقصها كثير من المحسنات، وهذا لا يعني انهم خالون من الود والتقدير وانما شهامتهم التي جُبلوا عليها تملي عليهم أن لا شكر على واجب، وبقية المواقف الأخرى. ولذلك نُصنف أي حديث رقيق أو فعل فيه احترام وإطراء بأنه يقع في خانة التملق أو بمصطلحنا العاميتكسير تلج. وهذا يذكرني بموقف طريف رواه الكاتب الظريف والفكاهي المرح د. محمد عبد الله الريح (حساس محمد حساس) بأن اثنين من السودانيين في أحد شوارع لندن سألا أحد الخواجات أن يصف لهما المكان الذي يقصدانه فقام الخواجة بالوصف على أكمل وجه وبكل دقة مما اخذ منه زمناً. فذهب السودانيان دون أن يشكراه، ولكنهما عادا الى الخواجة بعد أن سمعاه يتمتم ببعض الكلمات فاعتقدا انه استدرك شيئاً فاته في الوصف، فسألاه ماذا قلت؟ فقال لهما: فقط كنت أشكر نفسي (I was just thanking myself)، فقالا باستنكار "الزول ده مجنون ولّا شنو؟ عاوزنا نشكره عشان وصف لينا مكان" !
من الأشياء المضحكة والمبكية معاً يقال إن أحد كبار مقدمي البرامج التلفزيونية المشهورة في مصر قال في مقابلة على الهواء: " أن الرئيس السيسي يبكي يومياٌ خشوعاً عند سماعه آيات القرآن الكريم في صلاة الظهر"! فرد أحد علماء الدين في مصر: "حد من الابتدائية يكلم هذا الجهلول المنافق أن صلاة الظهر سرية"!
ونجد دائماً عندنا في صفوف المعارضة من يتحولوا فجأة إلى مؤيدين لغرض ما في نفس يعقوب، فقد قيل إن أحدمعارضي الحكومة قال لزوجته: أن الرئيس صرح : " أي زول يتزوج مثنى وثلاث ورباع حتى نحارب العنوسة المتفشية " فردت عليه زوجته على التو: وانت رأيك شنو يا عبد المحسن؟ رد عليها مستشهداً بالآية الكريمة فيما معناه أطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم... قالت له والغيظ يتملكها : " 27 سنة معارض صامد جاي تبقى مع الحكومة هسه (وتكسر تلج) عشان تعرس !! حسبي الله ونعم الوكيل عليكم."
أياً كانت الأسباب والدوافع، تكسير التلج هي عادة ذميمة ولا يستسيغها معظم الناس إلا من يُكسر لهم التلجليُرضوا غرورهم ويزهون كالطاؤوس بين الناس... بيد أن تكسير الرجل التلج للمرأة أو المرأة للرجل يكون مستساغا بل مطلوباً بما لا يزيد عن حده لأنه يكون نتاج إعجاب حقيقي نابع من صميم الفؤاد تجاه الآخر وتكون أهدافه ومقاصدهنبيلة في الغالب الأعم. لكن أحياناً تتدخل ظروف أخرى ويؤدى تكسير التلج إلى نتيجة عكسية تعصف بالعلاقة الموجودة. هذه التجربة المؤلمة حصلت لزميل عمل أحب زميلته وأعجب بها أيما إعجاب حتى قال فيها نثراً وشعراً لم يقله قيس بن الملوح في محبوبته ليلى العامرية.. هذا الحب والإعجاب والشعر لم يتوقف عند زميلته بل طال كل اسرتهامن أب وأم وأخوات وإخوة، ولشدة غرامه وتعلقه بها ما كان يستطيع أن يبتعد عنها فصار يتبع خطاها حتى دارها كل يوم ويبقى بقرب الدار مثله مثل قيس الذي قال في محبوبته ليلى :
أمر على الديار ديار ليلى أٌقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
وكما فعل قيس أذاع الزميل قصة حبه وإعجابه بمحاسنها في نثره وشعره ثم "تفشى الخبر وذاع وعم القرى والحضر"، لكن فُجع الزميل بالرفض القاطع من أهلها عندما تقدم لخطبتها لأنهم أهل بادية حريصون ألا يذيع سرهم أياً كان، وتزوجت محبوبته من ابن عمتها فهام على وجهه في الأرض تماماً كما فعل قيس إلى أن مات متيماً بها. الشاهد هنا أن الزميل، طيب الله ثراه، كان يقول ما يجيش بصدره من حب وغرام وكله حقيقة دون نفاق إلا أنه فشل في الحصول على مبتغاه لمجرد أن ملكته الشعرية خذلته وأذاعت له تلك الحقيقة، لقد كان سهم الحب الذي ارتد إليه وأصابه في مقتل في حين أن كسارى التلج في هذا الزمان يكذبون جهاراً نهاراً وبكذبهم ينالون ما يبتغون. لقد انعكست الآية تماماً.. فهل أجبنا على السؤال لماذا نكسر تلج؟
شوقى محى الدين أبوالريش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.