ورد في آخر أخبار الانتخابات السودانية أن المفوضية القومية للانتخابات في السودان قد اشترطت أن يكون المرشح لمنصب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب والوالي سودانياً وألا يقل عمره عن أربعين سنة وأن يكون سليم العقل! ومن الملاحظ أن شرط سودانية المرشح وعمره الأربيعني شرطان سهلان فلن يتقدم زعيم أوربي أو آسيوي لحكم السودان المحاصر ولا يُوجد زعيم سياسي سوداني عمره أقل من ثمانين سنة ولكن شرط سلامة العقل هو من أصعب الشروط والسؤال هو من يملك القول الفصل في تحديد سلامة العقل أو الرشد السياسي ، هل هم أعضاء ورئيس المفوضية القومية للانتخابات أم الشعب السوداني ، وما المقصود أصلاً بسلامة العقل؟! هل المقصود سلامة العقل بالمعني الطبي الذي يحدده الأطباء أم بالمعني القانوني الذي تحدده المحكمة أم بالمعني السياسي الذي يحدده المراقبون السياسيون المحايدون (إن وُجدوا)! ولعل شرط سلامة العقل يدعو للتأمل السياسي وغير السياسي في ذات الوقت، فشرط سلامة العقل هو شرط التكليف في العبادات وهو شرط صحة ونفاذ المعاملات وهو شرط صحة الزيجات والطلاقات وإن كان زواج أو طلاق المجنون يُباح أحياناً على أساس الضرورات التي تبيح المحظورات ويبدو كذلك أن شرط سلامة العقل هو مناط التكليف في تولي رئاسة الحكومات والولايات حتى لو تكاثرت المشكلات وتفاقمت المحاصرات وانعدمت الانجازات! ويبدو كذلك أن شرط سلامة العقل قد لا يتوفر في الحكام في بعض الأحيان ولعل جولة تاريخية سريعة تكشف لنا أن بعض حكام الدول قد تولوا الحكم وهم مجانين أو أصيبوا بالجنون أثناء الحكم ومنهم نيرون الذي أحرق مدينة روما على رؤوس ساكنيها ثم راح يغني ويرقص مخموراً على وهج المدينة المحترقة! أما كتب تاريخ الشرق الأدنى فتخبرنا أن أحد سلاطين الدولة العثمانية قد كان مصاباً بالجنون المطبق ولكن لحسن حظ المسلمين آنذاك أن جنونه كان من النوع الهاديء والصامت الأمر الذي مكن السيدة والدته ، التي لا يعرف مؤهلاتها القيادية أحد ، من حكم الإمبراطورية العثمانية الهائلة التي كان السودان أحد اقطاعياتها الميمونة! والسؤال هو هل هناك زعماء سياسيون راشدون في السودان في الوقت الراهن؟! ولعل الإجابة على هذا السؤال تستدعي التأمل في الإعلان الذي أصدره قبل فترة رجل الأعمال السوداني محمد فتحي إبراهيم راعي جائزة الحكم الرشيد في أفريقيا التي تبلغ قيمتها خمسة ملايين دولار ومفاده حجب جائزة الحكم الرشيد في أفريقيا لعام 2009! وإذا كان ذلك صحيحاً ولم يكن في أفريقيا زعماء سياسيون راشدون في الوقت الراهن فكيف يضمن الشعب السوداني توفر مرشحين راشدين سياسياً ليقوده إلى بر الأمان في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ السودان؟! ولعل من علامات نقص الرشد السياسي أن يقوم البرنامج الانتخابي لأحد المرشحين على مناصرة مسلمي الإيقور ويتجاهل مناصرة مسلمي دارفور، فمثل هذا المرشح لن يفوز ولو كان منافسه عجب الدور! وليس هناك حزب يتمتع برشد سياسي إذا كان مرشحه قد حكم البلاد فيما مضى خمسين مرة وبوظ اعصاب العباد مئة مرة وما زال يجد الفرح والمسرة في الترشح للرئاسة ألف مرة وتاني مرة! لقد أورد موقع سودانايل ، الذي يعتبر أقدم وأشهر موقع إلكتروني سوداني ، استطلاعاً إلكترونياً ، ما زال التصويت يجري في صندوقه الإلكتروني على قدم وساق حتى هذه اللحظة، والسؤال المطروح هو: هل الأجواء السائدة في السودان تساعد على قيام انتخابات نزيهة؟ مجموع المصوتين حتى الساعة التاسعة من مساء الثلاثاء الموافق 29 ديسمبر 2009 هو 1883 صوتاً أما النتيجة الحالية للتصويت فهي أن 93.8 % (1766 صوت من ضمنهم صوت العبد لله) قد أجابوا بلا وأن 6.2 % (117 صوتاً) قد أجابوا بنعم! بعبارة أخرى أن أغلبية المصوتين الكيبورديين يرون أن الانتخابات السودانية القادمة لن تكون نزيهة بأي حال من الأحوال! وحتى لا يهدر السودان المليارات في انتخابات شكلية تُعرف نتائجها سلفاً حتى قبل إجرائها ولو راقبها كل مراقبي انتخابات العالم فإن سلامة العقل تقتضي على الأقل أن يقوم المؤتمر الوطني الذي يهيمن على الثروة والسلطة والجيش والأمن والشرطة والاعلام بضمان نزاهة الانتخابات القادمة بالأفعال لا بالأقوال وذلك عبر تمكين منافسيه السياسيين من أحزاب المعارضة السودانية من الحصول على الدعم المادي لحملاتهم الانتخابية ومن الظهور الإعلامي وإلا فإن مرشحي المؤتمر الوطني (حايحتلو الدارة براهم ويغنو براهم ويرقصو براهم ويشيلو الشبال من رقبتم) وهذا المسلك لعمري يعد قمة انعدام الرشد السياسي إن لم يرق إلى مستوى الجنون السياسي المطبق! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر