شعار براؤن يصل يورو 2024 روديغر لاعب منتخب المانيا يقلد المصباح ابو زيد والاتحاد الأوروبي يتدخل    برمة: لا سبيل لمخرج آمن للبلاد إلا بالحوار الذي يفضي إلى إيقاف الحرب    تونس تفتح أبوابها لإيران.. ماذا يريد قيس سعيّد؟    رأسية بيلينجهام تكفي إنجلترا للفوز أمام صربيا    يورو 2024: تعادل أول وتراجع بمعدل التسجيل 17 يونيو، 2024    مناوي: حرب 15 أبريل حربُ من أجل الحرب ولا أهداف سياسية أو رؤية وطنية    حكومة دارفور: نحذر جميع قادة مليشيات قوات الدعم السريع في النزاع من مغبة جرائمهم واحترام القانون الدولي    جبريل: سائلاً المولى عز و جلّ أن يحقق لبلادنا العزيزة نصراً عاجلاً غير آجل على المليشيا الآثمة و على مرتزقتها و داعميها    بالأرقام.. السعودية تكشف أعداد و"تصنيفات" الحجاج في 2024    شاهد بالصور.. الحسناء السودانية "لوشي" تبهر المتابعين بإطلالة مثيرة في ليلة العيد والجمهور يتغزل: (بنت سمحة زي تجديد الإقامة)    بعثة المريخ تصل مطار دار السلام    شاهد بالفيديو.. سودانيون في بريطانيا يحاصرون الناشط البارز بالدعم السريع الربيع عبد المنعم داخل إحدى المحلات ويوجهون له هجوم عنيف والأخير يفقد أعصابه ويحاول الإعتداء عليهم بالعصا    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. حسناء سودانية تستعرض مفاتنها بوصلة رقص تثير بها غضب الجمهور    المريخ يتعاقد مع السنغالي مباي وبعثته تصل تنزانيا    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    مواصلة لبرامجها للإهتمام بالصغار والإكاديميات..بحضور وزير الشباب والرياضة سنار افتتاح اكاديميتي ود هاشم سنار والزهرة مايرنو    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرمان والدعوة لمشروع وطني جديد .. بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 13 - 08 - 2016

قال السيد ياسر عرمان رئيس وفد التفاوض للحركة الشعبية في المؤتمر الصحفي الذي عقده بأديس أبابا في فندق "راديسون بلو" قال إن البلاد في حاجة إلي مشروع وطني جديد و إن الحركة الإسلامية القابضة علي السلطة، و غيرها من غير المشاركين فيها، جميعهم يجب أن يسهموا في صياغة مشروع وطني جديد، و أيضا نحن معهم لآن مشروعهم القديم قد فشل. هذا ما قاله عرمان. و اعتقد إن جميع المشاريع الأخرى أيضا قد فشلت لأسباب تتعلق بمرجعيات تلك القوي....!
و الحديث عن مشروع وطني جديد، لا يمكن أن يتم، إلا إذا و صلت القوي السياسية المطالبة بتأسيسه أن تقدم نقدا لمشروعها القديم، لمعرفة الأسباب التي أدت لفشل مشروعها، الذي كانت قد بشرت به منذ تأسيسها، و العملية النقدية لا يمكن أن تتم أيضا، إلا إذا حدث تغيير في طريقة التفكير، و الخروج من جلباب الذاتية و الحزبية إلي الوطنية، و المشروع الوطني لا تبنيه قوي سياسية لوحدها، فالمشاريع الوطنية هي مشاركة جماعية تؤسس علي توافق وطني، من قبل كل القوي السياسية و منظمات المجتمع المدني و المثقفين و المفكرين و أهل الرأي و الفنانين و الأدباء و غيرهم من فئات الشعب المختلفة القادرين علي العطاء، فالنقد للمشروع ضروري لأنه يثبت إن النخبة قد بدأت في تغيير تصوراتها حول قضية الديمقراطية، و النقد لا تقدم عليه النخب إلا إذا وصلت إلي قناعة إن مشروعها القائم قد فشل، و لابد من العودة إلي منصة التأسيس كما كان يدعو محمد أبو القاسم حاج حمد، و أيضا إذا كانت تريد بالفعل أن تغير مسار العملية السياسية في البلاد.
و قبل الدخول في عملية حوار حول المشروع الوطني الجديد، لابد أن يطرح سؤال واحد فقط؛ يؤسس عليه المشروع الوطني الجديد: ما هي الدولة التي نريد تأسيسها و نظام حكمها؟
إن الخلاف القائم في البلاد بين القوي السياسية جميعها حول الإجابة علي هذا السؤال المركزي، باعتبار إن هناك قوي سياسية قابلة أن تعيش مع الأخر من خلال نظام ديمقراطي تعددي، تصل فيه القوي السياسية للسلطة عبر الانتخابات النزيهة الشفافة من خلال صناديق الاقتراع. و هناك قوي سياسية ليست في أجندتها التعددية السياسية. إنما هي تريد أن تحكم و علي الآخرين الانصياع و قبول المشاركة بالكيفية التي تحددها تلك القوي، هذا خلال جوهري بين مرجعيتين مختلفتين لا يمكن التوافق بينهما، لأنهما منهجين متوازيين، إلا إذا حصل تحول حقيقي في طبيعة تفكير العقلية الشمولية، و مشكلة القوي القابضة علي الدولة، أصاب البعض منهم، و هم أهل المصالح الخاصة ضمور في الفكر السياسي، هؤلاء لا ينظرون أبعد من دائرة المصالح الخاصة، و بالتالي يرفضون الحديث عن قضية الديمقراطية و الدخول في جدلها، لأنهم لا يريدون الدخول في امتحانات تكون الجماهير حكما فيها. لذلك يحاولون إسقاط الاتهام علي الكل في الحركة الإسلامية رغم إن هناك اجتهادات قدمت من حركات إسلامية استطاعت أن تعالج إشكالية الديمقراطية، و تجد طريق للتصالح معها، مثالا حركة النهضة في تونس، و أطروحة فصل القطاع الدعوي عن السياسي في مؤتمرها العاشر، فهي قد وضعت الحركات الإسلامية جميعها أمام خيار جديد لابد من التفكير فيه بحكمة و ليس بردة فعل سياسية.
إن إشكالية تغيير أنماط التفكير السائدة في البلاد، ليست قاصرة فقط علي القوي السياسية الإسلامية، بل كل القوي السياسية علي مختلف تياراتها الفكرية دون استثناء، إذا كانت بالفعل تريد أن تخرج البلاد من أزماتها، و كل قوي سياسية ترفع شعارات الديمقراطية تكتيكيا، البعض يضمر الفكر الشمولي، و البعض الأخر يهرب من العملية النقدية، و الآخرين يتخوفون من الإصلاح.
الحركة الإسلامية السودانية:-
إن الحركة الإسلامية السودانية التي جاءت إلي السلطة عن طريق انقلاب عسكري ضد النظام الديمقراطي، إن أداة الوصول للسلطة تبين إنها قوي سياسية لا يؤسس مشروعها السياسي علي الحرية و الديمقراطية، إنما علي احتكارية السلطة، و أنها في سبيل الاحتفاظ بالسلطة تلجأ إلي استخدام كل وسائل العنف لتحقيق ذلك، و هي حالة التجنيد العسكري التي أحدثتها في المجتمع، و الشعارات التي أطلقتها، إلي جانب الانقسامات التي أحدثتها في القوي السياسية، و علو الأجندة الأمنية علي الأجندة السياسية. و رغم فشل مشروعها السياسي، فشلت في نقد تجربتها القائمة لكي تعلم هي قبل غيرها ما هي الأسباب التي أدت لفشل مشروعها، و حتى نكون موضوعيين إن بعض النقد قد قدم من قبل الدكتور حسن الترابي حول فشل المشروع، و إن كان لم تكتمل دائرته النقدية، و حتى الدكتور الترابي لم يقدم رؤيته الواضحة حول قضية الديمقراطية، إنما حاول أن يقدم رؤية سياسية " النظام الخالف " مع الحديث عن توسيع دائرة الحريات و مشاركة القوي السياسية و تجميع أهل القبلة، و لكنه لم يتحدث مباشرة عن التعددية السياسية " النظام الديمقراطي التعددي" الأمر الذي يجعل الشك يساور البعض، إن القوي الإسلامية عاجزة أن تخرج من دائرة نظام الحزب الواحد، و حتى النخب الفكرية ذات المرجعية الإسلامية، و الذين هم خارج دائرة البناء التنظيمي، تقدم اجتهادات بعيدة عن ملامسة الديمقراطية، و هي مطالبة أن تجيب علي السؤال بشكل واضح ليس فيه لبس، فالاجتهادات الفكرية السياسية وسط الإسلاميين ضعيفة، و عجزوا أن يقدموا أطروحات سياسية جديدة حول الديمقراطية، مما يؤكد أنهم عاجزين عن تغيير تصوراتهم السابقة، لأنهم ما يزالون ينقبوا في التراث الذي يتحكم فيهم، أو إن الحركة تفتقد للعناصر التي تشتغل بالفكر.
الحزب الشيوعي السوداني:-
إن قضية الديمقراطية المركزية المنصوص عليها في اللائحة الداخلية للحزب، ثبت تماما إنها هي تعيق أية عملية للبناء الديمقراطي للحزب، و تجعل اللجنة المركزية وحدها هي التي تتمتع بالحرية و الديمقراطية، و تفرض احتكارية التفكير في العمل السياسي، و أيضا تمنع الاجتهادات الفكرية و تقديم التصورات المخالفة داخل الحزب، الأمر الذي يمنع من التطور الفكري و الثقافي لعضوية الحزب، الذين يتحولون لمصفقين فقط،، و الأحداث الأخيرة التي حدثت داخل الحزب و أدت إلي إبعاد عناصر قيادية، تؤكد إن قضية الحرية و الديمقراطية تواجه أزمة حقيقة داخل هذه المؤسسة العريقة، و مادام الحزب فشل في تحقيق الحرية و الديمقراطية داخل المؤسسة السياسية، لا يستطيع أن ينجح خارجها، و لا يستطيع أن يسهم في البناء الديمقراطي في البلاد كما يقول المثل " فاقد الشيء لا يعطيه".
القضية الثانية و الأكثر أهمية قضية " ديكتاتورية البوليتاريا" التي يؤسس عليها الفكر الماركسي "الأورثوذوكسي" الذي يتمسك به الاستالينيون في الحزب الشيوعي السوداني، باعتبار إن ديكتاتورية البوليتاريا يقوم علي يديها المجتمع الاشتراكي، المرحلة الضرورية لقيام المجتمع الشيوعي، و البوليتاريا تتخذ من العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، لكي تقضي علي بقية الطبقات و خاصة البرجوازية لكي تسيطر علي وسائل الإنتاج، ثم تفرض بعدها شروطها الثقافية " البناء الفوقي للمجتمع" الذي يؤسس علي هدي ديكاتورية البوليتاريا، و حرفية التمسك بالماركسية سوف يجعل الحزب الشيوعي من القوي السياسية الداعية للعنف كوسيلة لتحقيق مقاصدها، و قد حدث ذلك في انقلابين عسكريين " 25 مايو 1969 و 19 يوليو 1971" مما يؤكد إن شعارات الديمقراطية التي يرفعها الحزب مسألة تكتيكية، و كل ما أتيحت إليه الفرصة سوف ينقلب علي الديمقراطية لتحقيق سطوة البوليتاريا، فإذا كان الحزب حقيقة مع الديمقراطية لابد أن يقدم دراسة نقدية كما فعلت أحزاب أوروبا الغربية، و تخلت عن ديكاتورية البوليتاريا، و رضيت باللعبة الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع بالوسائل السلمية، فهل الحزب الشيوعي سوف يتخلي عن ديكاتورية البوليتاريا أم إنه سوف يتمسك بها و بالتالي لا يكون جزءا من اللعبة الديمقراطية.
الحركات المسلحة:-
إن الحركة الشعبية لتحرير السودان " شمال" مطالبة أن تقدم دراسة نقدية، لماذا تخلت الحركة الرئيسية عن الوحدة و ذهبت في طريق الانفصال؟ رغم إن منفستو الحركة كان يؤسس برنامجه السياسي علي الوحدة، إلي جانب إن الحركة حتى الآن، لم تقدم تصوراتها الفكرية بعد عملية الانفصال، و تبين العلاقة بينها و الحركة الأم، و علاقتها بالوسائل السلمية الديمقراطية، بعيدا عن شعارات الهامش الداعية إلي التجنيد القائم علي الفكرة العسكرية، و قضية الديمقراطية داخل الكيان حيث أن تقليص مساحة الحرية و البعد عن الإجراءات الديمقراطية تعد سببا رئيسيا لعملية الانقسامات التي تحدث فيها.
و أيضا قضية الحركات الأخرى حركة تحرير السودان بشقيها و العدل و المساواة إن حالات التشقق التي أصابتها و ما تزال مستمر، تؤكد إن قضية الحرية و الديمقراطية غير ممارسة واقعيا داخل هذه المؤسسات، إنما هي مصطلحات تحاول قياداتها ترفعها في وجه الآخرين، دون أن يكون لها واقع في ممارساتهم، و تقديم أطروحاتهم حول ملامح مشروعهم السياسي، قبل الدخول في المشاريع التحالفية، إلي جانب تقديم إجاباتهم علي السؤال المركزي.
الأحزاب التقليدية أو " الطائفية"
رغم الاجتهادات التي يقوم بها السيد الصادق المهدي، و أطروحاته لقضية الحرية و الديمقراطية، لكن تظل تلك الأحزاب لم تستطيع أن تخرج من الدائرة الأسرية، باعتبارها أحزاب لا يستطيع الوصول لقمة هرمها المواطنون من هم خارج دائرة الأسرتين، و هي تظل معضلة أمام أطروحات الحرية و الديمقراطية، و إن كان في الحزب الاتحادي اختلاف بعض الشيء، إن الطائفية قد سطت علي الحزب بعد سنة من الانتفاضة، عندما دب الخلاف بين النخب الاتحادية، و لأول مرة في التاريخ السياسي السوداني تحدث قاعدة للتوريث في الحزب، الذي يعد من طلائع القوي الديمقراطية الليبرالية، حيث خلف الحسن محمد عثمان الميرغني والده في قيادة الحزب، بعيدا عن أية إجراءات لائحية أو ديمقراطية، و ظلت في حزب الأمة، قمة الحزب محتكرة لأسرة المهدي، الأمر الذي يشكك باكتمال الإجراءات الديمقراطية، و إن كان السيد الصادق المهدي يقول دائما أنني جئت لرئاسة الحزب عبر انتخابات نزيهة و شفافة، و المعضلة إن طبيعة الثقافة القائمة و العرف أن يكون علي قمة الحزب واحدا من أسرة المهدي. لكن القضية المبشرة أطروحة السيد الصادق في خطاب العيد فصل كيان الأنصار عن الدائرة السياسية، و هي قضية تحتاج إلي اجتهاد فكري.
أحزاب البعث العربي الاشتراكي" عراق و سوريا":-
تظل أحزاب البعث العربي الاشتراكي التي تدين بالولاء لصدام حسين الذي رحل، و التي قلبها مع بشار الأسد في سوريا، هي أحزاب تعاني من حالة انفصام شديد، هي تؤيد نظم ديكتاتورية خارج البلاد، و تحتفظ بشعاراتها الديمقراطية داخل السودان، الأمر الذي يؤكد إنها ليست لها علاقة بقضية الديمقراطية، حيث وصل البعث في كل من العراق و سوريا إلي السلطة، و لم نشهد نظاما ديمقراطيا قد طبق، بل نظم ديكتاتورية تمارس كل انتهاكات حقوق الإنسان في أبشع صورها و الاغتيالات، و لا تتردد في ذلك، و لم نسمع من الرفاق البعثيين ما يستنكر و يدين تلك الممارسة و ينقد التجربة، مما يؤكد تأييدهم لهذه الأفعال. و نستثني من ذلك حزب البعث السوداني، الذي قدم نقدا و أطروحة فكرية حول قضية الديمقراطية من خلال كتاب عن " الديمقراطية" لرئيسه الراحل محمد علي جادين، و لذلك غير الاسم إلي حزب " البعث السوداني" و اعتبر إن النظم البعثية التي قامت في كل من العراق و سوريا هي نظم غير ديمقراطية، و يجب نقدها.
إذا دعوة السيد ياسر عرمان " لمشروع وطني جديد" دعوة جيدة و مقبولة من حيث المبدأ، لكن تعترضها العديد من الإشكاليات التي ذكرنها أعلاه، و هي تحتاج من القوي السياسية أن تراجع أطروحاتها الفكرية بصورة أعمق و اشمل، و تجيب علي السؤال، هل تقبل أن تؤسس الدولة علي نظام ديمقراطي تعددي؟ إن قبول القوي السياسية لديمقراطية الدولة، سوف يسهل الوصول إلي توافق وطني، باعتبار إن كل الحوار سوف يدور حول الأسس التي تشييد عليها الديمقراطية، و إذا استطاع صاحب الفكرة السيد عرمان أن يخرجها من دائرتها السياسية إلي الدائرة الفكرية، و يقدم أطروحته حولها، بالفعل سوف ينقل الحوار إلي مربعات جديدة، باعتبار إن السياسية تعيد تكرار الأشياء الماثلة و تعتمد علي الثقافة القائمة الآن، و هي أشياء مصابة بعطب لا يسمح بخروجها عن بيئتها الحالية. لكن الفكر يستطيع أن يغير الأنماط القائمة، و يستبدلها بأخرى و يفكك البناء القائم و يعيد تركيبه من جديد لكي يسمح بمقاربات بين الكيانات الموجودة، و يطرح من الأسئلة ما يغير طابع الأسئلة المطروحة حاليا، إلي أسئلة جديدة تغير طبيعة التفكير القائمة، و ينقلها من الذاتية إلي التفكير المفتوح علي رحاب الوطن، كما إن تغيير الأسئلة التقليدية و أنماط الثقافة، سوف يدفع بكثيرين من المثقفين و المفكرين للدخول في دائرة الجدل و الحوار الوطني. فالفكرة لا غبار عليها و لكن تحتاج إلي شغل فكري كبير، فهل نتوقع أن يخرج السيد عرمان من غرفة السياسة إلي قاعة الفكر و يقدم اجتهاده حول المشروع الوطني الجديد. و نسأل الله حسن البصيرة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.