يوم الاثنين الماضي دخل برج دبي التاريخ كأعلى برج في العالم. هذا الصرح المُنيف الذي تكلف بناؤه ملياراً ونصف المليار من الدولارات ويشمخ بمقدار نصف ميل في السماء، يباهي بطوابقه التي بلغت 169 طابقاً، ويفاخر باحتضانه أعلى حوض سباحة في العالم وأعلى دار للعبادة في العالم واعلى جبل لانكار الواقع في العالم. لقد شُيّد برج دبي في غضون ركود اقتصادي عالمي توفرت فيه العمالة الرخيصة وانتفشت فيه أحلام أرباب الطموح والثراء. وسط جو الصحراء الملتهب أقيم برج دبي. شادته سواعد عمال مهاجرين، اغلبهم هنود وباسكتانيون، تقاضوا أجوراً بخسة تتراوح ما بين 5 إلى 20 دولار في اليوم. (الاجابة عن السؤال القائل: كم من هؤلاء العمال قضى نحبه أثناء عملية البناء؟ ستبقى سرا من أسرار الدولة). الشركة التي تولت تنفيذ مشروع البرج (مملوكة لحكومة دبي) والتي تجاهلت مطالب العاملين بالبرج وحظرت على العمال تكوين نقابات لتدافع عن حقوقهم، هي نفسها التي أنفقت المبالغ الطائلة في الترويج للبرج ودغدغة مشاعر زبائنه المستقبليين. يشتمل البرج على 144 شقة سكنية، وبه فندق تولى تصميمه المصمم الايطالي المعروف جيورجيو آرماني. هذا البرج الفخيم يُمكِّن نزلائه المُترفين من الاقامة والاسترخاء وقضاء الاجازات دون أن يضطروا إلى مغادرة المبنى. حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد ومسئولو الشركة الهندسية الأمريكية التي تولت تصميم البرج تباروا في كيل المديح لمُنجَزِهم المهول والذي عدّوه رمزاً لعظمة البشرية وطموحاتها التي لا تعرف الحدود. لكن، وعلى ذمة صحيفة صنداي تايمز، هناك مشكلة وحيدة تتمثل في أن نظام التكييف بالبرج سيتطلب مستقبلاً صهر ما يعادل 28 مليون رطل من الثلج يومياً، هذا بالاضافة إلى مليارات الجالونات من المياه المُحلاة التي سيستهلكها المبنى، كل ذلك في مدينة تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث نصيب الفرد من النفايا الكربونية. تشعر وأنت تمتطي المصعد أن الطقس في البرج يختلف من مستوى إلى آخر. درجة الحرارة مرتفعة جدا في الطوابق الدنيا. منهدسو البرج يبذلون كلما في وسعهم لمعاندة قوانين الفيزياء، وقد نجحوا حتى الآن في مسعاهم هذا. إلا أن حرارةً من نوع آخر أصابت المكان في شكل ازمة اقتصادية. وفي خطوة تحكي عن تسليم غير طوعي بحكم الواقع، وفي الدقائق الاخيرة قبل افتتاح البرج، اتخذ الشيخ بن راشد قراراً بتغيير اسم برج دبي إلى: برج خليفة. حاكم امارة ابو ظبي المجاورة الغنية بالنفط الذي أُطلِق اسمه على البرج، الشيخ خليفة، ظل في الفترة الأخيرة يسارع مرّة تلو أخرى لاستنقاذ امارة دبي من فك الانهيار المالي، وكانت آخر هذه الاغاثات قد حدثت قبل ثلاثة أسابيع وذلك حين تبيّن أن امارة دبي ستعجز عن سداد اقساط مالية مستحقة لدائنيها. رغم أنه من الصعب القول بأن البرج يُعدُّ مكسباً للواقفين عند سفحه الملتهب، إلا أنه بحق نجاح كبير لقادة امارة دبي الذين تتلبسهم رغبة عارمة في المنافسة والتميّز. فلْيَهْنَهم برج الديْن إذن، ومرحبا بكم سادتي في العقد الجديد. *المقال الأصلى كتبته الصحفية لورا فلاندرس ونشره الموقع الاليكتروني: كاونتربنش ahmed dafa alla [[email protected]]