د. كمال موافي: "تناقض سودانين، وتناقض منصور خالد" محمد بشير حامد: "بين مطرقة الحركة وسندان المؤتمر" محمد علي صالح: "منصور خالد انتقد أخرين، ولم ينتقد نفسه" --------------------------- واشنطن: محمد علي صالح ناقش نادي الكتاب السوداني الشهرى كتاب "تناقض سودانين: اتفاقية السلام الشامل والطريق نحو التقسيم"، الذي اصدره، في السنة الماضية باللغة الانجليزية، د. منصور خالد، وزير الثقافة والشباب، ثم الخارجية، ثم التربية، في عهد الرئيس جعفر نميرى. ثم مستشار جون قرنق، مؤسس وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان. ثم مستشار الرئيس عمر البشير. هذا كتاب عملاق. يتكون من 545 صفحة، منها 11 صفحة مراجع. قال عنه ثابو امبيكي، الرئيس السابق لجنوب افريقيا، والوسيط الدولى للسودان: "ربما لا يوجد سوداني افضل من منصور خالد ليقدم تقييما موضوعيا لمفاوضات اتفاقية السلام الشامل، ولتنفيذها." وقال عنه د. تويين فالولا، استاذ الانسانيات في جامعة تكساس، ورئيس جمعية الدراسات الافريقية: "يقدم منصور خالد انتاجا ثقافيا، وتجربة عملية، في تاريخ السودان المعقد، دار وثائق كاملة ... هذا انجاز عملاق، سيظل، الى الابد، مرجعا هاما في فهم افريقيا الحديثة." ------------------------- "خيار الوحدة بين مطرقة الحركة، وسندان المؤتمر": محمد بشير حامد، رئيس سابق لشعبة العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، ووزير الاعلام في حكومة انتقاضة سنة 1985، وخبير سابق مع الاممالمتحدة: "يستمد الكتاب أهميته القصوى ليس فقط من خبرة مؤلفه د. منصور خالد كسياسى ودبلوماسى محنك، ومن سمعته الواسعة والمستحقة كباحث فى الشأن السودانى، بل أيضا من حضوره داخل الاحداث التى يكتب عنها، إن لم يكن فعلا من صانعيها. وتلك ميزة للكاتب أو المؤرخ لا يتسنى للكثيرين مثلها. لكن، وفى الوقت نفسه، لهذه الميزة الفريدة – بحكم تفردها – ما ينتقص من أهميتها إذا تعارضت، مثلا، ولو بطريقة عفوية، مع المتطلبات الأساسية للحيدة العلمية والدقة التاريخية. فى تقديرى، يحسب لدكتور منصور خالد مقدرته لحد كبير التعامل بمهنية مع هذه المعادلة الصعبة، بدون أن يخفى مع أى جانب تكمن عواطفه، وبدون أن يمنع ذلك – بقصد أو بغير قصد – أن تطفو بعض مظاهرها إلى السطح من حين لآخر. وسأقتصر حديثى هنا باختصار شديد على احدى هذه الظواهر، وبالتحديد مدى التزام الحركة الشعبية بالعمل على جعل خيار الوحدة جاذبا. إن الفرضية الأساسية للكتاب تقوم على أن اتفاقية السلام الشامل وضعت طريقا للسلام الدائم والوحدة الوطنية. وهى فى رأيى فرضية لم يكن هناك الكثير مما يدفع للاقتناع بها، إذا أخذنا فى الاعتبار طبيعة النظام الحاكم فى الخرطوم، والتغيرات التى حدثت فى أجندة وتوجهات الحركة الشعبية، قبل وبعد رحيل جون قرنق. لذلك قد يبدو غريبا الادعاء بأن فشل الاتفاقية الذى قاد للانفصال مصدره تقاعس حزب المؤتمر الوطنى عن تنفيذ بنودها، وكأن التاريخ المخزى للحكومات السودانية المتعاقبة فى خرق وعودها للجنوبيين (والذى يخوض فيه د.منصور بإسهاب) لم يكن سببا وجيها وملحا للتحفظ هذه المرة. للإنصاف، يلقى د. منصور باللائمة أيضا على الحركة الشعبية، ولكن بقدر غير متساو من المسئولية. فهو يلومها بطريقة لا تخلو من التبرير لتساهلها وضعفها فى مواجهة انتهاكات حزب المؤتمر وتكتيكاته التعويقية (خاصة فيما يختص بموضوع الاستفتاء). ولتنامى الشعور وسط بعض قادتها بأن تحقيق التحول الديمقراطى ليس مهما للوصول لهدفهم فى الإنفصال. ولكن، فى حين يبدو مفهوما لجوء حزب المؤتمر الوطنى للمماطلة والتعطيل، التحول الديمقراطي المنشود كان يعنى بالضرورة زوال احتكاره للسلطة. إلا أن الغموض لا يزال يكتنف موقف الحركة الشعبية من قضية الوحدة رغم أن د. منصور نجح فى القاء الضوء على بعض التناقضات والتعقيدات خاصة التى برزت بعد رحيل قرنق. فيذكر مثلا، باستنكار، محاولة الحركة فى نهاية الفترة الانتقالية التملص من التزاماتها نحو حلفائها فى الشمال وينتقد بشدة من أسماهم الانفصاليين الجدد الذين برزوا فى قيادة الحركة عشية الاستفتاء. وتبرز هنا بعض الاسئلة: هل كان مبدأ تقرير المصير الذى أنتزعه قرنق من حلفائه فى التجمع الوطنى (أسمرا 1995) قبل أن يفرضه على خصومه الاسلاميين (مشاكوس 2002) تدبيرا سياسيا لإعطاء فرصة اخيرة لتحقيق الوحدة كملاذ أخير كما يذكر د. منصور؟ أم كان، بتعبير آخر، بمثابة بوليصة إعادة التأمين التى أراد قرنق أن يحتاط بها فى حالة فشل مشروعه الوحدوى؟ هل كان تقرير المصير هو الثمن السياسى الذى دفعه قرنق على حساب مشروع (السودان الجديد) لجمع شمل الحركة بعد انقسامات انفصاليى (الناصر)؟ هل دق رحيل قرنق المفاجئ المسمار الأخير فى نعش المشروع الوحدوى بفتحه المجال لحزب المؤتمر ليتمدد على حساب قيادة الحركة الجديدة التى أصبح شاغلها العد التنازلى لموعد استفتاء تقرير المصير؟ تبقى هذه الأسئلة بطبيعتها مشروعة فى مجال التنظير والبحث العلمى من غير إجابة قاطعة على أىٍ منها. وأخيرا فان د. منصور خالد يذكر موقفا قد لا يكون للكثيرين معرفة به، وهو ان الإدارة الأمريكية، فى بداية مفاوضات السلام، كان لها تصور مختلف لمبدأ تقرير المصير يقوم على "حق الجنوبيين فى حكومة تحترم دينهم وثقافتهم"، ولكن لا يشمل خيار الانفصال، والذى وصفه مبعوثهم (دانفورث) بأنه "صعب التحقيق للغاية" مع تخوف غير معلن بأن الانفصال سيصبح "مصدرا لعدم الاستقرار فى السودان وشرق أفريقيا." فإذا كان ذلك التخوف يمثل بعد نظر، وتوقع أمريكى، لما سيؤول إليه الحال الراهن فى السودان ودولة جنوب السودان فان فى ذلك فى حد ذاته مفارقة جديدة تضاف لسجل المفارقات الذى يحفل به تاريخ السودان الحديث." -------------------------- "تناقض سودانين، وتناقض منصور خالد": د. كمال موافي، استاذ سابق في كلية الزراعة في جامعة الخرطوم "يستحق هذا الكتاب القراءة لان كاتبه تقلب في كثير من المناصب، وكان فاعلا في كثير منها. واهله هذا لكتابة هذا الكتاب. لكن، جاء الكتاب في لغة الفرنجة، ويحتاج القارئ لاستعمال القاموس كثيرا. خاصة اذا كان اكاديميا مثلى، ويحب ان يتعلم طول الوقت. لا اعرف هل فات على منصور خالد ان الدستور الذي جاء على اعتاب اتفاقية السلام الشامل كان دستورا غريبا. كانت فيه مادة تقول ان القوانين التي تتعارض مع الدستور تظل سارية المفعول حتى تعدل. للاسف، كانت هذه القوانين كثيرة. من بينها: قانون تاسيس النقابات، وقانون امن الدولة. كانت هذه القوانين تتعارض مع اي محاولة لتاسيس نظام ديمقراطي. لكن، اعتقد ان منصور خالد ما كان يهمه النظام الديمقراطى. وذلك لانه كان، عبر تاريخه الطويل، سياسيا يعمل مع العسكريين. يوجد دليل على ان منصور خالد لم يهتم بعدم تطابق تلك القوانين مع الدستور، بل لم يهتم بالدستور نفسه، وذلك لانه لم يشر اليه في الكتاب. ناهيك على انه عين مستشارا لرئيس الجمهورية، في وظيفة كان يجب ان يقدر فيها على قول الحقيقة. اعتقد ان الخطا الاساسي في اراء منصور خالد هو انه لا يؤمن بالديمقراطية: اولا: لم يكن، ابدا، جزءا من نظام ديمقراطي. ثانيا: كان عرابه هو عبد الله خليل، زعيم حزب الامة، ورئيس الوزراء الذي سلم النظام الديمقراطي الى الفريق عبود (سنة 1958). ثالثا: كان مستشار الاتحاد الاشتراكي السوداني، الحزب الواحد، تحت قيادة نميرى. وانعكست هذه الميول المعادية للديمقراطية في كتاباته التي لم ينتقد فيها عدم ديمقراطية نميرى، وعدم ديمقراطية قرنق، وعدم ديمقراطية البشير. يدعو للاسف ان منصور خالد ليس وحده في قائمة المثقفين السودانيين الذين تعاونوا مع الحكام العسكريين. وليس وحده في قائمة المثقفين الذين فشلوا في حكم السودان، سواء سودان واحد، او سودانين. (مثلا: الصادق المهدي، وحسن الترابي). ويدعو للاسف ان منصور خالد لم يتحدث عن اخطائه، ناهيك عن ان يعتذر عنها. لكن، مرة اخرى، ليس هو وحده في هذه القائمة وسط الصفوة السودانية. طبعا، لا يمكن انكار الجهد الكبير الذي بذله منصور خالد في كتابة هذا الكتاب. لكن، ماذا عن مصداقيته؟ ماذا عن سجله في الماضي؟ ماذا عن انبهاره بالعقيد جون قرنق؟ رغم كل ما قال عن قرنق، ورغم الهالة العملاقة التى وضعها حوله، لا يبدو ان قرنق كان شخصية خراقية وخارقة. ثم انه كان عسكريا. لكن، لا باس، يحب منصور خالد، ولسبب ما، ان يعمل تحت عسكريين، يامرونه يمينا ويسارا. ----------------------- "منصور خالد انتقد آخرين، ولم ينتقد نفسه": محمد علي صالح، مراسل صحافي في واشنطن "كتب منصور خالد الاتي في بداية الكتاب: "يقدم هذا الكتاب خفايا هامة عن المفاوضات التي ادت الى اتفاقية السلام الشامل، عام 2005. عن الوسطاء، واللاعبين الرئيسيين. وعن فشلها في تحقيق سودان موحد. " وكتب الاتي في بداية الكتاب، ايضا: "الاهداء: الى ذكرى جون قرنق دي مابيور، القائد السياسي الذي جعل حياتنا اكثر معنى. ومحارب التحرير الذي ناضل في سبيل قضايا الشعب، بشجاعة ملعونة. والمفكر السياسى الذي تركت رؤياه علامات لن تزول على رمال الزمن." وكتب الأتي في نهاية الكتاب: "كان هناك هدفان لاتفاقية السلام الشامل: انهاء الحرب المدمرة في جنوب السودان. وتاسيس سودان متعدد وموحد ... لكن، لم يحدث هذا ... وكان السبب هو ان الجانبين لم يعتبرا الاتفاقية ملزمة سياسيا وقانونيا ..." كان السبب، كما اعترف منصور خالد، هو عدم التزام الجانبين بالحل الديمقراطي: في جانب: حزب المؤتمر الوطني: "اهمل شرارة الحياة في الاتفاقية: التحول الديمقراطى." في جانب: الحركة الشعبية: "تخلت عن التحول الديمقراطي ... مباشرة بعد وفاة جون قرنق." هكذا، لخص منصور خالد الوضع. لكنه: اولا: لم ينتقد معبوده الجنرال قرنق. ثانيا: انتقد حكومة الرئيس البشير، لانها تعاونت مع جنوبيين كانوا يرون ان الهدف من المفاوضات هو استقلال جنوب السودان. ثالثا: انتقد هؤلاء الجنوبيين. ووصفهم بانهم جبناء. وقال انهم "لم يتجرأوا على تحدي قائدهم (قرنق)." هكذا، برأ منصور خالد نفسه من مسئولية عدم "تاسيس سودان موحد ومتعدد." وزاد الطين بلا بان تارجح بين وصف ما حدث: احيانا هو "تقسيم السودان"، واحيانا هو "انفصال الجنوب"، واحيانا هو"استقلال الجنوب" (وكان الجنوب استقل من الاستعمار). من المفارقات ان منصور خالد قال ان قادة الاسلاميين في الشمال "كانوا ماهرين في قسوة" لتحقيق اهدافهم في السودان. وان بعضهم "تعلم في احسن الجامعات الاروبية والامريكية. وليس في ايران او افغانستان." ربط منصور خالد بين الذكاء السياسي والتكتيكي وبين التعليم في الجامعات الغربية. واشار الى حسن الترابي، زعيم الاسلاميين في ذلك الوقت. لكنه نسى نفسه. نافق حسن الترابي عندما تنكر لسنوات الحرية التي قضاها في الغرب، ولم يطبقها عندما عاد الى وطنه. ونافق منصور خالد عندما فعل نفس الشئ. نافق كل واحد مع عسكريين اثنين: تعاون حسن الترابي مع العسكرى نميرى. ومع العسكرى البشير. وتعاون منصور خالد مع العسكرى نميرى. ومع العسكرى قرنق. لكن، لم يتارجح حسن الترابي. كرر (في برنامج "شاهد على العصر" في تلفزيون "الجزيرة")، وفي تصميم واضح، ان اسلمة السودان كانت غايته. وان "راية الاسلام تعلو على حرية الغرب." وان الغاية بررت الوسيلة: التعاون مع اي عسكرى. لكن، يظل منصور خالد يتارجح: 1. استمتع بالديمقراطية الاولى (عبد الله خليل). 2. لم يقاوم النظام العسكرى الاول (ترك السودان). 3. استمتع بالديمقراطية الثانية ("حوار مع الصفوة"). 4. تعاون مع النظام العسكرى الثاني (وزير تحت نميرى). 5. لم يواجه الديمقراطية الثانية (ترك السودان). 6. تعاون مع الحركة الشعبية العسكرية في الجنوب (مستشار قرنق). بل زاد على الترابي بالتعاون مع عسكرى ثالث: البشير (مستشاره في القصر الجمهوري، ربما حتى الان). ============== Email:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. Website: MohammadAliSalih.com Facebook: Mohammad Ali Salih