جاء فى الصحف السودانية التى صدرت خلال الاسبوع الاول من ديسمبر 2016 إن الرئيس عمر حسن أحمد البشير قد قال ان حكومته تريد تحقيق (الرضا والاستقرار فى السودان).وقال القيادى بحزب المؤتمر الوطنى الدكتور محمد خير الزبير فى منتدى جمعية خريجى كلية الاقتصاد والدراسات الاجتماعية بجامعة الخرطوم مساء السبت الثالث من ديسمبر 2016،قال فى اجابة على سؤال طرحه هو نفسه حول لماذا تأخر السودان وتقدمت الدول الاخرى التى كانت اقل تقدما اقتصاديا من السودان، قال أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لتخلف السودان؛ أولها الحروب وثانيها عدم الاستقرار السياسى وثالثها عدم وجود دستور دائم.وسوف احاول الرد فى هذا المقال على سؤال رئيسى هو لماذا عانى السودان ولا زال يعانى من الحروب وعدم الاستقرار ؟ نظام جديد للحكم : قلت فى مقالى بعنوان :(التحزم والتلزم مطلوب فى كل الأحوال) الذى نشر فى صحيفتى الجريدة وايلاف يومى الثلاثاء والأربعاء السادس والسابع من ديسمبر 2016 ، كما نشر فى الصحف الالكترونية السودانية الراكوبة وسودان نايل وسودانيز أونلاين قلت ان انتشال السودان من مستنقع الضعف والفقر والهوان والنهوض به يتطلب ثلاثة امور اساسية اولها نظام جديد للحكم وثانيها اطلاق الطاقات الانتاجية لكل السودانيين وثالثها استثمار كبير جدا لبناء القدرات الانتاجية. كيف نظام الحكم المستقر والفاعل ؟ وقلت ان نظام الحكم المستقر والقادر على التصدى لتحديات الواقع السودانى يقوم بالضرورة على اولاً الحرية والعدل والاعتبار ومشاركة كل السودانيين رجالاً ونساء فى ادارة بلدهم بدون استبداد او وصاية من فرد أو جماعة.ويقوم ثانياَ على الشفافية أو علانية تصرفات الحكومة حتى يعرف المواطن العادى مدى تصرف الحكومة بنزاهة وعدل وفاعلية وكفاءة . ويقوم ثالثاً على محاسبة كل المسؤولين الحكوميين وفى كل المستويات على الفساد وعلى قصور الأداء. ولكن لماذا العصيان والتمرد ؟ ان اكبر تجليات عدم الاستقرار السياسى فى ايه بلد هى العصيان والتمرد على السلطة ومحاربتها الذى ينتج عن وجود واحد أو أكثر من أربعة اسباب اساسية هى: اولاً الاستبداد وثانياً الظلم وثالثاً الحقارة (عدم الإعتبار) ورابعاً الخذلان.فعندما تقوم ايه سلطة بمصادرة حريات الناس الاساسية وخاصة حرية الاعتقاد أو حرية التعبير أو حرية التنظيم أو حرية الحركة أو حرية العمل والتكسب (طلب الرزق) فأنها تفتح ابواب عدم الاستقرار لأن الناس لا يقبلون عادة بمصادرة حرياتهم التى ذكرتها اعلاه.وعندما تقوم الحكومة بالانتصار لقطاع من الناس على حساب قطاعات أخرى عن طريق التمكين والمحسوبية والمحاباة الحزبية أو القبلية أو الجهوية أو الدينية فأنها تدفع الناس للتمرد وحمل السلاح.وعندما تمارس الحقارة (عدم الاعتبار) والتهميش الظاهر لبعض الناس حتى لو كان ذلك عن غفلة وبدون قصد فأنها تفتح أبواب التمرد وعندما تخذل الحكومة الناس ولا يرتقى أداؤها للمستوى المطلوب لمخاطبة هموم وتطلعات الناس فى الحياة الكريمة فإنها تشجع التمرد. الانكار والمكابرة والإستخفاف: ان الاستبداد والظلم وعدم الاعتبار (الحقارة) والخذلان تفتح ابواب العصيان والتمرد ولكنها لا تؤدى بالضرورة الى قيام الناس بالعصيان والتمرد.وعادة ما يعبر الناس عن عدم رضائهم بطرق مختلفة ولكن الذى يوصلهم الى العصيان والتمرد هو انكار الحكومة ومكابرتها و إستخفافها بردة فعل الناس وإصرارها على السلوك غير المقبول سواء كان استبداداً أو ظلماً أو حقارة أو خذلان .وهذا هو بالضبط ما أدى الى الحرب فى جنوب الوطن القديم حتى ذهب لحاله وأدى الى الحرب فى غرب السودان وفى شرقه.و أدى إلى ثورتى أكتوبر 1964 و أبريل 1985 شماعة قوى الاستكبار : ومن أكبر الخطل (المنطق الفاسد المضطرب) الذى يتسبب فى الكثير من مشاكلنا واخفاقاتنا الميل الى نسبة تلك المشاكل والاخفاقات الى قوى خارجية (قوى الاستكبار) تعمل على اضعاف السودان وتفكيكه.ومع اننى أقر بأن تلك القوى موجودة ولكنها تستغل عوامل من صنعنا نحن لتحاربنا بها.وكما قلت فى مقالى بعنوان (المحرش ما بدواوس) فأن الذى يدفع الناس الى العصيان والتمرد على الحكومة يكون دائما شعور داخلى قوى جدا بالاستبداد أو الظلم أو الحقارة أو الخذلان وليس مجدر محراش لان المحراش (التحريض) لا يدفع الشخص لتعريض نفسه لخطر الموت. ما زالت هناك فرصة : واذا كان الرئيس عمر البشير جاد فعلا فى حديثه عن تحقيق الرضا والاسستقرار فى السودان فأن عليه أن يبحث أولا عن العوامل التى تسبب عدم الرضا وعدم الاستقرار ومخاطبها مخاطبة مباشرة.وتلك المهمة لن تكون سهلة ولكنها ليست مستحيلة.وقد قلت أعلاه أن نظام الحكم الجديد المستقر والقادر على التصدى لتحديات الواقع السودانى يجب أن يقوم بالضرورة على الحرية والعدل والاعتبار والمشاركة والشفافية والمحاسبة على الفساد وعلى قصور الأداء.ولكن هناك مراكز قوة ومصالح تجارية ومالية لن تقبل بأن يقوم مثل ذلك النظام حفاظا على مصالحها هى ولا يهمها وقوع السودان فى الجحيم.ولن يستطيع عمر البشير تحقيق الاستقرار الا بعد ان يوجه ضربة قاضية لتلك القوى وقبل ان تقوم هى بتوجيه ضربتها. مخاطر العودة الى المربع رقم (1) : وربما يعرف القارئ الكريم اننى قد قلت فى مقالات سابقة إن على كل من قبل بالدستور الانتقالى لعام 2005 وقانون الانتخابات القومية لسنة 2008 ان يقبل ويحترم ايه ترتيبات سياسية تبنى عليهما ومن ذلك الانتخابات التى جرت فى العام2010 والعام 2015.وان لم يفعل فهو مجرد بلطجى لا يحترم سيادة القانون.وقلت فى مقالى بعنوان : (هل سيكون عهدا جديدا حقا ؟) الذى نشر فى جريدة ايلاف الاسبوعية عدد الاربعاء 17 يونيو 2015 ان المسؤولية عن تطوير نظام الحكم الحالى وتحويله الى نظام يقوم على الحرية والعدل والاعتبار والمشاركة والشفافية والمحاسبة تقع على الجميع وخاصة الشباب عن طريق : أولاً التمسك بالتطبيق الصارم للدستور وخاصة وثيقة الحقوق (المواد 27 الى 45).وعلى الشباب ان يحول النصوص الى حقائق على الارض عن طريق ممارسة الحقوق التى ينص عليها الدستور والاصرار على ممارستها والاكثار والمداومة على ممارستها وخاصة حقوق التعبير والتجمع والتنظيم والانتقال والعمل. وثانياً تجديد وتطوير الاحزاب القائمة أو هدمها وبناء أحزاب على انقاضها لان وجود احزاب قادرة على الحكم وقادرة على المعارضة ضرورى جدا لعافية النظام السياسى. وثالثاً مطالبة االرئيس عمر البشير بتنظيف جهاز الدولة المناط به انفاذ القانون وخاصة القضاء والشرطة من الذين حشروا فيه من منطلقات قبلية وحزبية صرفة وبدون ايه مراعاة لمطلوبات النزاهة (الامانة والصدق والعدل) والجدارة المهنية. ورابعاً الاشراف على اداء الحكومة وابتدار مشاريع القوانين بدل إنتظار الإشراف و إبتدار مشاريع القوانين من الاجهزة التشريعية التى اثبتت تجربة السنين الماضية انها (تأكل بلاش) على قول المرحوم مكى على بلابل. ولكن ألاحظ اليوم ان هناك من يعمل على هدم نظام الحكم الحالى بدل العمل على تطويره.وربما لا يدرك هؤلاء المخاطر التى ينطوى عليها ما يقومون به فهناك اليوم مجموعات مسلحة بعضها نظامى واخر غير نظامى.ومنها من يحرس نظام الحكم الحالى ومنهم من يسعى إلى إزالته.والله وحده يعلم بالكوارث التى قد تحل بالسودان اذا ما وقع صدام بين تلك المجموعات أو افلح بعضها فى الانفراد بالحكم. ولكن الشئ شبه المؤكد هو اننا سوف نرجع الى مربع الانقاذ رقم (1) فى 30 يونيو 1989 (استبداد مطلق ومآلاته من ظلم مطلق وفساد مطلق وحقارة مطلقة.)ويستطيع الرئيس عمر البشير ان يجنب السودان ذلك المصير المظلم عن طريق بسط الحريات واقامة العدل واعطاء الاعتبار لكل سودانى وسودانية ومشاركة الجميع فى الحكم والشفافية والمساءلة على قصور الأداء و على الفساد والمخاطبة الجادة لهموم الناس وتطلعاتهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.