والأمل بيوم جدل وعمل لاقتسام البترول مع الأمريكيين [email protected] أفضل ما في سياسة السودان الخارجية، أنه ليس في قادتها دبلوماسيون خونة، ولا ضعاف نفوس، يمكن أن يبيعوا الوطن بسعر مرتخص أو غال. فالكل أنوف ذوو أرب مجيد، وشرف رفيع، وعز وحس وطني ملتزم متقد. ولهؤلاء القادة السياسيين، مع ذلك، وبعد ذلك، من المعرفة بالشؤون العالمية قدر جيد، ولديهم من خلق الاتزان والمرونة قدر مناسب. وهم بالتالي خير مؤتمن، وخير مرتجى لمعالجة مشاكل بلادنا، مع متمرديها، ومع الجهات الأجنبية، التي تثير هذه المشاكل، وترعى الفتن، وتدعم حركات العنف، معالجة حكيمة جادة. ليس أداء فوق النقد: وليس معنى هذا أن أداء وزارة الخارجية السودانية، أداء فوق النقد، أو أنه أداء مرْضْيٌ عنه تماما. فالأداء البيروقراطي لهذه الوزارة أداء غير مقبول من قبل الكثيرين من السودانيين، حتى من قبل مؤيدي الإنقاذ، وتصرفات بعض دبلوماسييها وموظفيها مع السودانيين في الخارج، ليست محمودة دائما، ويقال أحيانا إن طمعهم (المؤسسي) في أموال السودانيين بالخارج ليس له حدود. ولكن ليس هذا موضوعنا الذي نتحدث عنه اليوم. إنما نتحدث اليوم عن الدبلوماسية الوطنية العليا، التي قد لا ترعاها وزارة الخارجية بالضرورة، وقد يقودها دبلوماسيون من رجال الصف الأول في النظام، من أمثال من حققوا إنجاز نيفاشا، وقادوا الاتصالات بالدول الأجنبية، وتحاوروا معها بالحسنى. وأظهروا مع حزمهم الوطني الشديد، فضائل أريحية، ومزايا عقلانية، وتوجهات عملية، كانت محل تقدير المراقبين الموضوعيين المنصفين، كما كانت مثار تحير الأعداء العاطفيين المرجفين، الذين انطبع في خيالهم، وقرَّ في أوهامهم، خاطر متوجس يقول بأن الإسلاميين السودانيين قوم أصوليون متشنجون على شاكلة متشددي (طالبان)، يتعذر التعامل معهم، ويصعب عليهم أن يتعاملوا بخطط التساوم وأنصاف الحلول، كما يفعل البشر الراشدون. مساومون لا (طالبانيون): وهؤلاء إنما جهلوا أو تجاهلوا أن مثقفي الحركة الإسلامية السودانية، من قادة نظام الإنقاذ، قوم عصريون، من نتاج المدارس الحديثة. وأنهم قوم يفهمون حقائق الحياة المعاصرة، كما يفهمون الإسلام، ويغلِِّبون دواعي السلم، والدبلوماسية، والتفاوض، والتساوم، متى ما كان ذلك ممكنا، على كل دواعي التجاذب والتعارك والقتال. وأنهم دبلوماسيون متمرسون يخوضون جولات التفاوض في صبر وأناة، ويصدرون عن معرفة تامة بحقيقة الدبلوماسية، وفلسفتها، ونوع الحلول الوسطى التي يمكن أن تتمخض عنها. ويدركون جيدا أن الحلول الدبلوماسية التي يتوخون الوصول إليها، تختلف كثيرا عن الحلول العنيفة التي يفرزها الصدام. إنهم يدركون جيدا أن هذه الحلول الدبلوماسية، المرنة، المبتغاة، تختلف كثيرا عن الحلول العنيفة التي تنتجها الحرب، وهي لا تختلف عنها في التجرد عن استخدام مفاهيم القوة والضغط، وإنما في طبيعة العلاقة الناعمة والخشنة في الوقت نفسه بين المتفاوضين، أي في تنازع الدوافع المختلفة، واختلاط الحزم مع الرغبة العميقة الصادقة المخلصة في التفاهم، والتراضي، وضبط النفس، من أجل الوصول إلى نتائج، غير مثالية لأي طرف من أطراف السجال. وهذه هي ملامح الخطة الدبلوماسية الإنقاذية مع الخصوم، وهذه هي ثمارها ونتائجها اليانعة، وهذا ما يرجوه الإنقاذيون دوما، ويأملون فيه، ويرغبون في التوصل إليه، لا انبعاثا عن ضعف، وإنما انقيادا مع إحساس إنساني عميق متأصل بالمسؤولية الوطنية، وتجمل وتصبر وتربص وتحمل للأخطاء حتى تلك التي يرتكبها الغير. خيرات تعم وتفيض: وقد تبدى هذا الإحساس الوطني المسؤول في سلوك المفاوضين الإنقاذيين، في كل جولات التفاوض مع خصومهم، الذين نالوا كل أنواع التنازلات، وليس أكثر هؤلاء حظا هم الذين فاوضوا في نيفاشا، فخيرات الوطن كثيرة زاخرة، يمكن أن تعم الجميع، ويمكن لكل من شاء أن يأخذ كل منها بأوفى نصيب، ثم يبقى منها بعد ذلك وفر يفيض. وكما قال زعيم الأمة البشير، فإن الأمة السودانية أمة سلم ووفاق، وهي على استعداد للتفاوض، والتساوم، والتراضي، في أمر ثرواتها وذخائرها، حتى مع الأمريكيين، هذا إن كان البترول هو السبب الذي من أجله يحاربون بلادنا، ويساندون كل متمرد مخرب يثور على حكم الإنقاذ المستقر المتمكن فيها. والرئيس البشير هو خير من يعبر عن دبلوماسية الإنقاذ، وهو صادق فيما قال، وفعاله تدل على صدق هذا المقال، فإن الإنقاذ التي رضيت باقتسام عائدات البترول مع حركة التمرد، لا يمكن أن تستنكف عن الوصول إلى حل مماثل لمطامع شركات البترول الأمريكية، التي تحاول أن تزعزع حكم الإنقاذ، حتى لا يتمكن الصينيون وحدهم من بترول السودان. وإن يَجهلوا عَظُم الجهلُ: وهذا القول الذي فاه به البشير ينبغي على خصوم الأمة أن يتأملوه ويتدبره ويعوه، فهو الخط الراشد الصادق الموجه للدبلوماسية السودانية في كل طبقاتها للتعامل مع الجميع. وهو ليس بقول مراوغ خب ولا مستضعف أو ضعيف. وهذه هي خلاصة الأمر وعبرته. فأهل الإنقاذ قوم سلام يجنحون إلى الدبلوماسية مع كل من يجنح لها، ويرضى بحكمها. وإما إن شاء شقي، من أهل الهوى والشقاق، أن يسلك درب للعناد، ويتصدى لبلادنا بالتعدي والحرب والفساد، فإن أهل الإنقاذ له بالمرصاد، ولصده ودحره على استعداد. فهم القادرون بحول الله تعالى، وطوله، كما قال البشير ذات مرة، وهو في غاية الحدة والجد، على (مساواة) كل متكبر متجبر طاغ بحد الحسام. وما أهل الإنقاذ إلا كالقوم الشمِّ العرانين الذين مدحهم قيسُ بن ثعلبة من آل شيبان، قومٌ: عليهم وقارُ الحِلمِ حتى كأنما وليدُهمُ من أجلِ هيبته كهْلُ إن استُجْهِلُوا لم يَعْزُبُ الحِلمُ عنهمُ وإن آثروا أن يجهلوا عَظُم الجهْلُ!