عيسى إبراهيم * هذه هي الحلقة الخامسة – قبل الأخيرة - من سلسلة ردودنا التي خصصناها في الرد على ناقد الفكرة الجمهورية – حسب وصف د. عارف الركابي له - محمد الزبير محمود، المستضاف من قبل د. عارف في عموده بصحيفة الانتباهة (الأربعاء 11 يناير 2017 صفحة 6): محمد "رسول الله" هو الباب * "الشهادة المثنية هي: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"..والشهادة المفردةهي: "لا إله إلا الله".. وهذه شهادة "توحيد"..وتلك شهادة "تصديق"..وشهادة التصديق تجب مرة في العمر..وتوجب الاتباع "وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا!!واتقوا الله..إن الله شديد العقاب " هذا سند الاتباع من القرآن..وسنده من الحديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي"..وفي بابه أيضاً "خذوا مناسككم عني"..هذان في أمر الصلاة، والحج ..وهما ينطبقان على سائر أعمال العبادات والطاعات..وأما شهادة التوحيد فهي لن تنفك تقال، في الحياة الدنيا، وفي الآخرة..فهي خير ذكر أهل الدنيا، في الدنيا،وهي خير ذكر أهل البرزخ، في البرزخ، وهي خير ذكر أهل الجنة، في الجنة، وهي خير ذكر أهل النار، في النار..وانما يبتغي الذاكرون من ذكرها أن يحققوها، في حياتهم حتى ينتقل قولها بلسان المقال فيصبح قولاً بلسان المقال، ولسان الحال معاً، وذلك حين تتم، بفضل الله ثم بفضل تجويدها، وحدة البنية البشرية، في كل نفس بشرية.."، هذا هو حديث الأستاذ محمود عن الشهادة المثنية، والشهادة المفردة، في كتابه: طريق محمد (الطبعة الثامنة – المقدمة - صفحة 2)، ويقول عن الشهادة المثنية: "فقولك "محمد رسول الله" مدخل على قولك "لا إله إلا الله"..هي الباب، وليس بغيرها دخول في الحضرة..وبتطبيقها، وهو ما أسميناه تجويد التقليد، يكون السير في مراقي التوحيد – السير في تحقيق، "لا إله إلا الله"،..."، (المصد: طريق محمد – مصدر سابق - صفحة 3)، فبربك عزيزي القارئ هل هناك أدنى مقارنة بين ما أوردناه هنا عن الشهادتين المثنية والمفردة أي علاقة تذكر مع قول محمد الزبير "المستضاف" الذي يقول – بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير - : "أما شهادة الاسلام المعروفة فتصير عنده "لا إله إلا الله" مجردة من "محمد رسول الله" لأنه لا يحتاج لتقليد النبي. فالأصيل كالنبي له عباداته الخاصة "، اقرأ وتأمل وقارن عزيزي القارئ!!.. الشهادة المفردة "وسند الشهادة المفردة من القرآن: "فاعلم أنه لا إله إلا الله !! واستغفر لذنبك، وللمؤمنين، والمؤمنات .. والله يعلم متقلبكم ومثواكم".. وسندها من الحديث: "خير ما جئت به، أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله".. وبين الشهادة "المثنية" – "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" – والشهادة "المفردة" – "لا إله إلا الله" - اختلاف مقدار .. فالشهادة المثنية هي القاعدة، في الأرض، والشهادة المفردة هي القمة، في الإطلاق (...) فقمة الشهادة المفردة في الإطلاق، عند الله، حيث شهد بذاته، لذاته، بالتفرد بالأحدية .. وقاعدتها في القيد، في الأرض، عند المؤمنين بها، وتلك هي الشهادة المثنية : "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".. فقولك: "محمد رسول الله" مدخل على قولك : "لا إله إلا الله" .. هي الباب، وليس بغيره دخول في الحضرة .. وبتطبيقها، وهو ما أسميناه تجويد التقليد، يكون السير في مراقي التوحيد - السير في تحقيق "لا إله إلا الله"، من مستوى ما يقال في الأرض، عند المؤمنين، وعند أولي العلم، وعند الملائكة، إلى مستوى ما يقال في السموات، عند الملائكة، وملائكة الملأ الأعلى، ثم إلى مستوى ما يقال في الإطلاق، عند الذات، وهيهات !! هيهات !! فإن هذا أمر يحصل تحقيقه، كل يوم جديد، ولا يقع الفراغ منه، فالسير فيه سير في السرمد، وبحسب أولي العلم منه أن يعلموا أن تحقيقهم ل "لا إله إلا الله"، بالغاً ما بلغ، ليس بشئ إذا ما قورن بتوحيد الله لذاته في قوله تعالى : "شهد الله أنه لا إله إلا هو" (المصدر: طريق محمد – الطبعة الثامنة – صفحة 3).. دائرتان ينتج، لدى التفصيل، مما تقدم إجماله دائرتان - دائرة داخلية، ودائرة خارجية .. ولكل من الدائرتين "مركز"، أو قل : "قلب"، إن شئت .. ولكل من الدائرتين مدخل، أو قل : باب يؤدي من هيكلها إلي داخلها - إلى قلبها- .. أما الدائرة الخارجية فهيكلها قولك : "محمد رسول الله"، وهو شطر الشهادة المثنية .. وباب هذه الدائرة محمد، وبه الدخول إلى قلبها .. وقلبها إنما هو قولك : "لا إله إلا الله" وهو الشطر الآخر من الشهادة المثنية .. وأما الدائرة الداخلية فهيكلها "لا إله إلا الله"، وقلبها "الله"، وبابها "الإله".. فكأن محمدا باب الدخول على جملة "لا إله إلا الله"، و"الإله" باب الدخول على خلاصتها .. وبين جملتها وخلاصتها أمد ما بين العبادة والعبودية، وهو أمد تطير فيه القلوب، بأجنحة بغير ريش، طيرانها السرمدي .. وإلى هذا الطيران السرمدي الإشارة بقوله تعالى : "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.. ولعلهم يتفكرون" .. فالشهادة "المثنية" ليست بشهادة توحيد، وإنما هي شهادة "تثنية".. و"التثنية" أدنى منازل التعدد من منزلة "التوحيد".. وفي السير منها إلى منزلة التوحيد يقع "التجريد".. والتجريد هو معرفة مكانة "الله" من مكانة "محمد" .. ولا يتم "التجريد" إلا لمن أتقن "التقليد" (...) والشهادة "المفردة" ليست بشهادة "توحيد" أيضا إلا إذا وقع "التفريد"، والتفريد هو معرفة مكانة "الإله" من مكانة "الله"، وتلك معرفة محجبة، وممتنعة .. يقع شميمها، ولا يتم تحقيقها (...) وإنما لم تكن الشهادة المفردة شهادة توحيد لأنها إنما تقوم على نفي وإثبات .. فهي حركة بين طرفين، يمر الفكر أثناءها بخط الاستقامة، وفي لحظة مروره تلك يتم له التوحيد، ذلك بأنه في خط الاستقامة يجد الله (...) وشهادة التوحيد، في شهادة التفريد، هي حظ "الله" وحده .. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : "قل الله !! ثم ذرهم في خوضهم يلعبون".. على أن يكون القول بلسان الحال، وههنا يتوحد الفكر، والقول، والعمل .. فكأن "قل الله" هنا هي "كن الله".. وتحقيق هذه الكينونة هي وظيفة الكلمة : "لا إله إلا الله" مدعومة بالعمل الصالح، وأعلاه الصلاة الذكية .. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" .. وكل إنسان من الناس، بالغا ما بلغ من الرفعة، له "إله" غير "الله" ذلك "الإله" هو تصوره هو "لله".. وما من تصور "لله" إلا و "الله" من حيث ذاته العلية، بخلافه، فوقعت الشقة بين التصور والحقيقة .. وكل العباد إنما محاولتهم أن ينطبق تصورهم على الحقيقة، ليكون "إلههم" "الله"، وهيهات !! وإلى ذلك المطلب الرفيع الإشارة بقوله تعالى : "وأقيموا الوزن بالقسط، ولا تخسروا الميزان" فكأن في إحدى كفتي الميزان "الله" – "الحقيقة"، وفي الكفة الأخرى "الإله".. وفكرة الإله تبدأ من "الباطل" وتدخل مداخل "الحق".. وإنما يطلب الحق "الحقيقة".. يطلب الحق أن ينطبق على الحقيقة تمام الانطباق .. "فالإله"، بمعنى آخر، هو تصورنا "لله"، وهو تصور، مهما بلغ من الكمال، قاصر قصوراً مزرياً حتى أن النبي الكريم قد قال : "أعلم عالم، بجانب الله، أحمق من بعير" .. بإيجاز، من الناحية العملية، والتطبيقية، فإن "إله" كل إنسان إنما هو "نفسه".. ولما كانت نفوسنا هي حجبنا الناهضة بين عقولنا وبين الحقيقة – "الله"، فقد قال المعصوم عنها : "إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك".. وقال أحد العارفين : "وجودك ذنب لا يقاس به ذنب".. وهذه النفس إنما هي النفس "السفلى"، وقد سميت بالنفس "الأمارة"، وهي تنزل من النفس "الكاملة" - نسبية الكمال - وهي نفس "الإنسان الكامل".. وهذه، بدورها، إنما هي تنزل عن النفس "الكاملة" - مطلقة الكمال - وهي نفس "الله".. وإنما سير العباد كله مجاهدة للارتقاء من النفس "الأمارة" إلى النفس "الكاملة" - إلى نفس الله .. وهذا سير سرمدي، يقع البدء فيه، ولا يتفق الفراغ منه .. وإلى هذا السير المجيد الإشارة بالآية الكريمة : "قل يا أيها الناس !! قد جاءكم الحق من ربكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما أنا عليكم بوكيل".. من اهتدى فإنما يهتدي إلى نفسه "العليا" – "الكاملة" - ومن ضل فإنما يضل في متاهات نفسه "السفلى" – "الأمارة".. وطريق محمد إنما هو "السنة".. هو سنة "محمد" في أوليات السير، ثم هو سنة "الله" في أخرياته .. وهذه السنة إنما هي السراط المستقيم، الممدود، رأسياً، بين النفس السفلى في القاعدة، والنفس العليا في القمة، والمتمثل، أفقياً، في نقطة التقاء طرفي الإفراط، والتفريط، أثناء تأرجح "النفس السفلى" - ( اقرأ هنا "النفس اللوامة" بخاصة، والأمارة موجودة ) بين هذين النقيضين .. نقطة التقاء هذين النقيضين، في هذه القاعدة، هي "الحق" .. والحق يتطور يطلب الحقيقة .. وإلى هذه السنّة النبوية الإشارة بقوله تعالى : "قد جاءكم الحق من ربكم".. وروح هذه الآية إنما هي في الفاصلة، وهي قوله تعالى: "وما أنا عليكم بوكيل" .. وإنما كانت هذه الفاصلة روح الآية لعظيم مكانتها في التأديب - تأديب النبي، وتأديب أفراد الأمة - تأديب "المربي"، وتأديب "المتربي"، ذلك بأن بها يقع على "المتربي" تحمل مسئولية عمله في مضمار سيره إلى تحقيق فرديته، ويقع على "المربي" إخراج نفسه من بين "العبيد" و "ربهم" حتى لا يكون قاطعاً لطريق الرب، وحتى تكتمل له هو عبوديته، فلا تكون له رائحة ربوبية على أحد من الخلق .. وفي هذا التأديب من لطف التأتي إلى رياضة النفوس البشرية ما يلحق بحد الإعجاز .. بل إنه لهو إعجاز القرآن الحقيقي .. في هذه الفاصلة إيجاز معجز لتفصيل ورد في آيتين شهيرتين، طالما تحدثنا عنهما في عديد المواضع من كتبنا، هما "فذكر !! إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر" يحسن أن نذكر هنا أن الفاصلة إنما هي سنة "الله" في حين : "قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم" هي سنة "النبي".. وما يعقلها إلا العالمون (المصدر: طريق محمد – الطبعة الثامنة – الصفحات 3، 4، 5، 6).. * عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.