لعل جميع حيوانات الغابة كانت حائرة في إبن عرس ، ذلك المخلوق الانسيابي الجسم السريع الحركة والذي يجيد المراوغة بصورة مدهشة، لأن إبن عرس قد ترك لها ظاهر الأرض واختار العيش والتنقل في باطنها عبر شبكة من الانفاق الطويلة المعقدة التي لا يستطيع أبرع المهندسين تخيل كيفية بنائها الفذ المتعدد الجيوب والطبقات والمتنوع المداخل والمخارج! ومع أن الغابة تبدو كمساحة حرة من على البعد ، إلا أن الواقع الوحشي الذي يفرض وجوده على الجميع يثبت دائماً أن الغابة مقسمة بالفعل إلى مناطق نفوذ للحيوانات الوحشية بحيث يصبح التجول الحر فيها خطراً مميتاً على أي حيوان غافل! وحده إبن عرس كان لا يعترف بمناطق النفوذ في أرض الغابة لأنه كان يتمتع منفرداً بحرية الحركة تحتها وممارسة أعراسه البهيجة في داخلها فهو متخصص في كسر الخطوط الحمراء وعبور المعابر الشائكة وتخطي الحواجز المسلحة بالأنياب الحادة والمخالب القاطعة ويمارس هواية التجول في الخطوط الخلفية لأعدائه الطبيعيين وغير الطبيعيين ويتقن فن الظهور والاختفاء المفاجيء في أي مكان في الغابة حتى في عرين ملك الغابة نفسه غير مبال بأي مخاطر أياً كان مصدرها أو نوعها! ذات يوم قررت قبيلة الذئاب أن تصادر حرية إبن عرس ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل لأن العيون الحادة التي تبصر أي شكل والآذان المرهفة التي تلتقط أي صوت والأنوف الحساسة التي تصطاد أي رائحة لا يمكنها الغوص تحت الأرض المظلمة وتتبع حركة إبن عرس ذلك العدو اللدود الذي يدوخ الذئاب ويقاسمها فرائسها رغم أنفها ثم يرقص رقصة النصر التي يشتهر بها دون سائر مخلوقات الغابة! أخيراً لجأت قبيلة الذئاب إلى قبيلة الثعالب رغم الود المفقود بينهما ثم استعانت القبيلتان بأجهزة مخابرات الغابة التي أخذت تحك رأسها ليل نهار بحثاً عن أي خطة تمكنها من إحباط تلك التحركات الأرضية المريبة التي يقوم بها إبن عرس من داخل ملاذاته الأرضية الآمنة التي لا يطولها أحد! فجأة خطرت لأحد الثعالب خطة ماكرة مفادها محاصرة إبن عرس في أضيق نطاق عبر بناء جدران سميكة في باطن الأرض حول موطنه المفترض ومن ثم انهمك الثعلب في الرقص مع الذئاب في فرح وهو يكشف تفاصيل تلك الخطة التي ستنال أخيراً من ذلك المهندس الأرضي الذي تزعج حركته الجميع ! في تلك اللحظة بالذات ، وفي ذلك الوكر الخفي الذي يسمح بالمراقبة اللصيقة من على البعد، هز النمس رأسه في امتعاض وكأن لسان حاله يقول: متى تفهم الذئاب والثعالب أن مخلوقات الغابة ، من أصغر نملة إلى أكبر فيل، تتمتع بحريات طبيعية مقدسة وأن حرية حركة مخلوقات الغابة لن تحدها أي جدران ولو تطاولت إلى عنان السماء أو غاصت إلى أعماق الأرض؟! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر