أقول ما ظللتُ أقوله دائماً:- يجب أن يكون السودان أولاً.. و يستفزني لدرجة الوجع، و الله العظيم، ذاك السوداني الذي يقدم اسم أي دولة على اسم السودان في أي موضوع يدور حول السودان و أي دولة.. و كم تستفزني يافطة ذاك المصرف المكتوب عليها ( المصرف السعودي السوداني.. و كم يزعجني بعض السودانيين على الأثير أو على القنوات التلفزيونية و هم يؤخرون اسم السودان و يقدمون اسم مصر، عند الحديث عن العلاقة بين البلدين.. و هي علاقة حب ( حقيقي) لكن من طرف واحد.. . للسودان تاريخ عظيم يا ناس.. و يجب أن يكون السودان أولاً، و في جميع الأوقات، من فضلكم، و لا داعي إلى التقليل من شأن الذات! . توجهت ضمن أعضاء جمعية التاريخ بمدرسة خورطقت الثانوية في رحلة إلى المديرية الشمالية في ديسمبر عام 1960 طفنا خلالها مواقع الآثار التاريخية هناك.. ذُهلتُ مما شاهدتُ من آثار جعلتني متعلقاً بها إلى الأبد.. . و لا تزال الغرفة المنحوتة داخل جبل البركل ( منحوتة) في ذاكرتي، حتى الآن.. و لا زلت، حتى الآن، أنزل مع زملاء الرحلة المباركة تلك إلى داخل أحد أهرامات الكرو.. و لا زالت رياح شتاء الشمالية القارس تهب علي وجهي و أنا أتأمل أهرامات نوري في انشداه و خشوع.. و لا يزال ( تهراقا) يخاطبني تمثاله و أنا أصغي إليه، بأدب جم، في متحف مروي.. و لا تزال كنيسة دنقلا العجوز ترحب بي.. و التاريخ الجميل يطاردني فأطارد كل ما يكتب أو يقال عنه.. . لم يسعفنا زمن العطلة الشتوية بمساحة إضافية لمشاهدة المزيد و المزيد في كرمة حيث ( الدفوفة) و لا سمح لنا بالتوجه إلى ما بعد دنقلا العجوز.. و لا .. و لا.. و لا.. و لا سمح لنا بمشاهدة أهرامات البجراوية إلا من على البعد.. لكن الرحلة رسخت يقيني بأن بدايات الحضارة الحالية كانت هناك.. و هذا ما كان يقوله لنا أستاذ التاريخ بمدرسة ملكال الوسطى.. . الشيخة موزا بنت ناصر، أطال الله عمرها و أبقاها ذخراً للخير مظهراً و مخبراً، أيقظَت السودانيين، شيباً و شباباً، من سباتهم العميق.. و دفعتهم للبحث و التنقيب عن تاريخهم ( المضاع).. و كأن الإفاقة كانت على إيقاع خطوات الشيخة موزا المباركة- بإذن الله- أمام أهرامات البجراوية.. و كأن شاعرنا العظيم الفيتوري كان شاهداً على صحوة السودانيين حين كتب:-" الملايين أفاقت من كراها.. ما تراها ملأ الأفق صداها؟ بدأت تبحث عن تاريخها.. بعد أن تاهت على الأرض و تاها".. . نعم، لقد ربح تاريخ السودان.. إذ اندفع الناس ينقبون عنه في الكتب.. و يتعمقون في مغزى الآيات القرآنية الدالة على أن فرعون موسى تحدث عن أن الأنهار تجري داخل مملكته في السودان حيث تجري الأنهار المعروفة و هي نهر القاش و الأتبراوي و النيلين الأبيض و الأزرق و نهر النيل و نهر ستيت.. و ليس في مصر التي لا تملك من الأنهار سوى نهر واحد هو نهر النيل الذي قيل أنها هِبَتُه.. . و خسرت مصر حين سخر كتابها من أهرامات السودان.. و كالوا من الشتائم ما لم يكن في الحسبان.. خسرت مصرُ الشبابَ السوداني خسارة لن لا تُعوض.. و سوف تُضار مصالحها عند التعاطي مع الأجيال القادمة التي عرفت مصر أكثر من جيلي و الأجيال السابقة .. شباب لا تمر عليه الفهلوة المصرية.. . لقد ( صنع) الاعلام المصري أعداءً أشد ضراوة و عناداً مما قد يخطر بباله.. و يقول مثل من أمثال أهلنا في دارفور:- ( ما تسوي عدو!) و المصريون قد فعلوا ما نهى عنه أهلنا الدارفوريون.. . و يضطرنا بعض الصحفيين السودانيين إلى الشك في وطنيتهم حين يطالبوننا بالمهادنة في الرد على هجوم الاعلام المصري الوقح على السودان إنساناً و تاريخاً و مجتمعاً.. . في اعتقادي أن كل سوداني يتحدث عن اللِّين مع سفهاء مصر، في هذا الظرف، سوداني خائن يحاول التدثر بثياب الحكمة و الموعظة الحسنة.. أو ربما يكون طيباً لدرجة الخيابة فحسب.. . قال الشاعر:- " حكِّم سيوفَك في رقابَ العزَّل.. و إذا نزلت بدار ذلٍّ فارحلِ... و لئن بُليت بجاهلٍ كن جاهلاً و لئن لقيت ذوي الجهالةِ فاجهلِ... و لئن نهاك جبانُ يوم كريهةٍ خوفاً عليك من ازدحامِ الجحفلِ... فاعصِ مقالتَه و لا تحفل بها و اقدم إذا حقّ اللقا في الأولِ"! . ياخي! . ما سعينا لإلحاق الأذى بمصر يوماً.. لكنهم يسعون كل يوم لإيذائنا.. و لا يكتفون بالسخرية منا بل يتباهون بأهرامات ليسوا هم بناتها.. . و أعجبني مقال للكاتب تاج السر الحسين بجريدة الراكوبة بتاريخ 03-19-2017، أقتطف منه التالي ( بتصرف) :- ( قال أنيس منصور أن حسنى مبارك أخذ القذافى فى مشوار سياحى.. و وقف به أمام الأهرامات فى منطقة الجيزة، مزهوا كطاؤوس مختال. ففاجأه القذافى قائلا .. "هذه الأهرامات، بناها السودانيون". فظن حسنى مبارك، أن – المجنون – يمزح كعادته و لذلك قال للقذافي بنات هذه الاهرامات هم المصريون" لكن القذافى "اصر على معلومته وأن بناة "الأهرامات" هم السودانيون. ودلل على ذلك أن السودان فيه العديد من الأهرامات و أن الأمر الطبيعى أن من يبدأ فى تنفيذ فكرة ما، يبدأ بنموذج صغير ثم يطوره ويقدمه فى صورة اكبر لا العكس.!).. . طبعاً القذافي كان قارئاً متعمقاً في تاريخ أفريقيا بينما مبارك مسطِّحاً فوق لأهرامات الجيزة.. . ما سعينا لإلحاق الأذى بمصر يوماً.. لكنهم يسعون كل يوم لإيذائنا.. و لا أنسى احتجاج أحد الكتاب المصريين، قبل سنوات قليلة، على قيام سد مروي باعتبار أن السودان سوف يستفيد من نصيبه ( بلا خجل، يستكثر على السودان أن يستفيد من نصيبه!!) من المياه التي كانت تذهب إلى مصر! فتخيلوا إلى أي مدى يطمع ذاك المصري في مياهنا.. و تخيلوا كاتباً مصرياً آخر يحتج على تعلية خزان الروصيرص لنفس السبب.. . في الأعوام 2009-2011 ، كان الخليجيون يأتون في مجموعات للاستثمار في بعض المناطق بالسودان.. و من ضمنها منطقة النيل الأزرق.. فثارت ثائرة المصريين حينها خوفاً من أن ( تنقص) الاستثمارات الخليجية كمية المياه المهدرة من نصيب السودان.. و هي مياه تستفيد منها مصر.. و قد كتبتُ وقتها مقالاً بجريدة ( التيار) الغراء رداً على ( طمع) المصريين في مياهنا,, و رحبت بالاستثمارات الخليجية شريطة أن تكون على أساس الكل يكسب win-win-game .. . نعم، ما سعينا لإلحاق الأذى بمصر يوماً.. لكنهم يسعون دائماً لإيذائنا.. و للتنمية و الازدهار على حسابنا.. و احتقارنا.... و لا ينفكون يوسعوننا سباب و شتائم.. هذا ديدنهم.. لكن ما بال بعض صحفيينا يطالبوننا بالتهدئة؟ ما بالهم؟! . إن المطالبة بالتهدئة مع المصريين تذكرني بمطالبة أحد معلمي مدرسة واو الأولية لتلميذ من أقربائي ضربه المعلم ضرباً مبرحاً أبكى التلميذ.. فطلب منه المعلم أن يكف عن البكاء، فرد عليه التلميذ:- " تقونا تقولوا ما نكوروكو؟!" أي تضربوننا و تطلبون منا ألا نبكي؟! . لا مهادنة مع سفهاء مصر.. . بلا مصر يا أخت بلادي يا شقيقة و لا مسخرة! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.