= ارتبط الابداع عند عامة الناس بالفن . و يصعب عليهم ان يجدوا علاقة للابداع مع صاحب البقالة او بائع اللبن مثلا . مع أن الابداع يمكن ان يرتبط بالممارسات الحياتية اليومية مثل البيع و التجارة و الزراعة و الصناعة أشد الارتباط . و مثلما يرتبط الابداع بالفن يمكن ان يرتبط بالعلوم الطبيعية و الرياضيات و الهندسة و غيرها . و من ناحية أخرى عامة الناس يخلطون بين الابداع و بين الاتقان و التجويد . فالذي يتقن أو يجود عمله اعتمد على التقليد الدقيق و التطبيق المحكم للخطوات و المواصفات و ما يسمى باسرار المهنة . بينما الابداع في اصله خروج على التقليد و عن طقس المالوف و دخول لاجواء الجديد اللامحدود . و تشهد الحياة أن التغيير يحدث فيها ليل نهار بسبب اولئك الذين يبدعون الحياة . و حتى لا يتوقف التغيير أو يتباطأ كان لابد من ضمان استدامة الابداع . و اقوى الضمانات هي أن نجعل الابداع ركنا اساسيا في التعليم . و هذا بالضبط ما اقترحته مجموعة علماء التربية التابعين للمجلس الثقافي البريطاني الذي جعله ضمن برنامجه التعليمي الرائد المسمي (ربط الفصول الدراسية) و الذي دخل به في شراكة مع وزارة التربية و التعليم في السودان اثمرت عن قيام ورش تدريبية العام الماضي غطت من المدن اربعة عشرة مدينة و من المعلمين ما يقترب من الالفين . المادة التدريبية تشمل عدد ستة مهارات تسمى مهارات التعلم للقرن الحادي و العشرين و التي من بينها مهارة الابداع و الخيال . أهم الفئات التي شملها التدريب على مهارة الابداع و الخيال (1)المركز القومي للمناهج و البحث العلمي , (2)و كلية التربية بجامعة الخرطوم , (3)و كلية التربية بجامعة بحري . ان الهدف الموضوع للبرنامج هو مساعدة المعلمين على تبني استراتجيات تنقل تركيز التدريس من الاستاذ الى الطالب , و من التلقين الى انشاء المعرفة , و من تخزين المعرفة للمستقبل الى التفكر و العمل من اجل الحاضر . ان المستقبل القادم استحوذت التكنولوجيا فيه على الكثير من مفاصل الحياة بقيامها بكل ما هو تقليدي و روتيني و معروف . و لم يتبقى للانسان سوى أن يشمر عن قدراته و يبدع الحياة بابتكار المناهج و الطرق و الوسائل و الحلول الضرورية للعيش و التعلم و العمل . و من أجل ذلك المستقبل كان لابد من رفع سقف التوعية باهمية الابداع و الخيال في صياغة الحياة الفاضلة . = الابداع في عبارة بسيطة هو نشاط يقوم على استعمال الخيال من اجل الوصول لغايات فريدة و مفيدة . و من المهم ان نتوقف قليلا عند مفردة الخيال لنقدم له التحية باعتباره أهم الادوات التي وهبتنا لها الطبيعة , و باعتباره الاب الشرعي للابداع . الخيال يعمل في صمت و بعيدا عن عيون الناس . و في الخيال تمت ولادة اجمل الصور و اروع الالحان و أفضل الافكار . و بصورة طبيعية يستعمل الطفل خياله بشكل كامل حتى سن السادسة حين يجد نفسه في المدرسة التقليدية . و لسوء حظ الطفل فان المناهج و طرائق التدريس التقليدية تنشر على الفور فيروساتها القاتلة في عقل الطفل الذي يبدأ رويدا رويدا في التخلي عن استعمال الخيال و في آخر المطاف تتم برمجته بشكل مرعب ليكون مسخا مشوها نصفه انسان عاجز و النصف الآخر آلة معطوبة . = أما و قد توجب علينا احترام الخيال و التعامل مع الابداع في كافة المؤسسات التعليمية فلابد أن نشير الى أن الابداع المطلوب التعامل معه يجب ان نرى فيه الخصائص التالية : (1)الفعالية – التي تتحقق فيها اهداف جمالية / روحية / مادية . (2)الاخلاقية – فكلمة (ابداع) لا تستعمل لوصف اشياء سالبة مثل : الانانية و التدمير و الجرائم و الحروب . (3)الجدة (من الجديد) – التي تخالف المألوف .. و المعروف و التقليدي . = ان تمليك الطلاب للابداع بخصائصه المشار اليها اعلاه يعني ان تنموا عندهم مجموعة من القدرات تمكنهم من دخول المستقبل في قوة و جرأة و ثقة و تضمن لهم مكانا لائقا بهم وسط الناس و الالات في المستقبل القريب أو البعيد . و القدرات هي : (1)طرح الاسئلة الجريئة مثل لماذا و كيف و ماذا لو و كافة أنواع الاسئلة غير المالوفة . (2)اجراء الارتباطات و رؤية العلاقات بين الاشياء التي تمكن الطالب من ان يفسر و يطبق ما تعلمه في سياقات جديدة . (3)تصور ما قد يكون و تصور شكل البدائل و الرؤية السباقة للاحتمالات و المشاكل و التحديات . (4)استكشاف الافكار و ترك الخيارات مفتوحة و تجريب المناهج و البدائل الجديدة و الثقة في الحدس و استخدامه . (5)التعامل بعقلانية مع الافكار و الاحداث و النتائج و الاعتناء بالتغذية الراجعة و تقديم ما هو بناء من تعليقات و افكار و تفسيرات . = فاذا تمت تنمية تلك القدرات في طلابنا بالمدارس و الجامعات فانها كفيلة بأن تخلق لنا الطالب المبدع الذي سنرى فيه حينئذ بعض أو كل الصفات التالية : (1)باحث لانه يتفكر و يسأل – يستكشف و يحقق – يراجع الثوابت . (2)مثابر لانه يقاوم المصاعب – يجرؤ أن يكون مختلفا – يتعامل مع حالات عدم الوضوح. (3)واسع الخيال لانه يحسب الاحتمالات – يربط بين الافكار – له حدس سليم . (4)متعاون لانه يشارك الاخرين أفكاره – يشارك نتائج تجاربه – يعمل مع الاخرين. (5)منضبط لانه ينمي تقنيات العمل و التفكير – يفكر بعقلانية – ينشئ و يطور. = و السؤال المهم الان هو : كيف ندرس الابداع ؟ و لاشك أن الباب مفتوح على مصراعيه للتفكر في الطرق المناسبة لتدريس الابداع , فهناك عدد كبير من تلك الطرق . و لكن خبراء التربية لدي المجلس الثقافي البريطاني يقترحون أن تدور طرق التدريس حول المواضيع التالية: (1)اثارة الخيال و البحث و الحوار و ذلك بطرح الاسئلة التي تشجع الحوار و الاستكشاف مثل / ماذا لو / لماذا / كيف / ماذا يحدث لو /. (2)التعامل مع الطلاب كشركاء في التدريس . فمعلم الابداع يعرف متى يتدخل و متى يبقي متفرجا تاركا الطلاب وحدهم يبحثون و يستكشفون . (3)توضيح ان المعلم لا يعرف كل شئ و ذلك بان يخبر المعلم الطلاب بالحالات التي واجه فيها صعوبات و غموض و عدم وضوح للرؤية و بذلك يدرك الطلاب الجانب الاخر للإبداع . (4)الدخول بالطلاب في مخاطرة و لكن .. محسوبة عند المعلم . تدريس الابداع يتضمن القيام باعمال تنطوي على نتائج غير معروفة او محسوبة . على المعلم ان يترك الطلاب يخطئون احيانا ليتعلموا من اخطائهم . (5)العمل على تحقيق هدف ذي قيمة . (6)غرس قيم الصرامة و بذل الجهد (الجدية) . = اذا عزمنا على اصطحاب الابداع في العملية التعليمية يجب ان نفهم أن هناك أشياء يجب التخلي عنها . يجب التخلي عن التدريس غير الملهم و القائم على التكرار .. و يجب التخلي عن الاختبارات و الامتحانات غير الملهمة التي تقتل الابداع . و أن نستبدل كل ذلك بالتعليم العميق الذي يعطي الطالب مهارات و قدرات يطبقها في اي سياق و اي موقف . كما يجب التخلي عن مناهج التلقين و الوعظ و التوجيه المباشر و نجعل الطالب هو المحور الذي يدور حوله التدريس و يتم به التعلم . نقول قولنا هذا و نحن نعلم أن بعض المعلمين يرون أن طرق التدريس المالوفة لديهم يصعب الفكاك منها . و لكننا نقول ان الامر أمر تغيير قد حان أوانه . أن الطفل الوليد يعتاش على الحليب من ثديي أمه . و انه يكبر يوما بعد آخر جراء ذلك . و لكن , عندما يحين أوان التغيير يجبر الوليد الحبيب على الفطام . فالمستقبل الذي ينتظره أكبر من الحليب و اقوى من الفطام . الابداع و الخيال لجودة التعليم – بقلم / نوري حمدون عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.