صحيح ان النيل يجري من الجنوب للشمال ويشق ارض السودان قبل ارض الكنانة لكن بالعكس لتيار النيل يجري نيل أخر من مصر هابطا جنوبا يحمل كل معامل القوة الناعمة المصرية من ثقافة وعلم وأدب وتيارات سياسية ،فمصر هيللعرب والسودان من ضمنهم هي عصب التأثير وطوال وقائع الثورة المصرية الأخيرة ظل الترقب والصمت يلف الجميع في السودان ومما رسخ من تقاليد الدبلوماسية السودانية الحذر ،في تناول شؤون ثلاثة أقطار لها تأثير هائل علي السودان وهي أثيوبيا والمملكة العربية السعودية ومصر وبعد انتهاء ثورتها بتحقيق شعارها الذي صك سمع العالم (الشعب يريد إسقاط النظام )حق لنا ان نتساءل كيف ستنعكس ثورة مصر علي السودان ؟والانعكاس الذي نقصده ليس هو الذي يدور في أذهان الكثيرين من ان يتبع السودانيون أشقاءهم المصريين في السعي لإسقاط نظام البشير لكن ما نقصده هو كيف ستبلور مصر ما بعد الثورة رؤيتها للسودان ولأوضاعه .المعروف ان واحدة من الأسباب التي أدت لتفجر ثورة مصر هو شعور المصريين بتقزم دور بلادهم تحت حكم مبارك وانزوائها وانكفائها علي ذاتها ،ولم تعد تلعب سوي دور النادل ،وفقدت دورها كموجه للأحداث في محيطها كما كانت علي أيام الحقبة الناصرية ،فمصر لم تنكفئ فقط عن لعب دور محوري في ساحة القضية الفلسطينية بعد ان أخرجتها كامب ديفيد من حلبة صراعها بل ان حالة الانكفاء المصري وصلت لحد تجاهل تطورات الأحداث في السودان حيث دارت مصر في دائرة رد الفعل إزاء السودان وما يجري فيه ،فمصر كانت بعيدة عن معادلة الشمال والجنوب وشهدت كأي شهود آخرين مثل النرويج وايطاليا اتفاقية نيفاشا وهي تقرر فصل الجنوب بموجب تقرير المصير ،كما لم تنشغل بحريق دارفور الا بعد ان انشغل به صيادو الدببة في سهوب سيبريا .لم تكن أجندة الثورة المصرية هي العيش الحاف والهدمة النظيفة كما يقول المصريون في عاميتهم كانت كرامة مصر ومكانتها واستعادة قدرتها علي التأثير في محيطها علي رأس تلك الأجندة .علي الساحة السودانية ستلعب مصر أدوارا مختلفة عن تلك التي اتبعتها علي عهد مبارك فربما تتخلي عن سياسة الوقوف علي مسافة واحدة من الفرقاء السودانيين ستكون اقرب لمن هو قريب من مصالحها الإستراتيجية ستعمل علي مساندة الشمال في وجه الجنوب في حال التعثر في حل القضايا العالقة ستعمل علي فرض السلام في دارفور أما عبر التفاوض او غيره ،بمعني ان مصر بعد الثورة ستكون اقرب لمساندة حكم البشير ليس لأنه صالح بالنسبة لها ولكن الاستهداف الغربي له والدعم اللامحدود من اللوبيهات الصهيونية للجنوب ولمتمردي دارفور تجعل مصر بعد الثورة في توجس من دولة الجنوب ومن حركات دارفور .لكن هل تملك مصر تأثيرا وقدرة علي فعل ذلك ؟؟والإجابة نعم فمصر بعد الثورة سينظر إليها الأمريكيون والإسرائيليون بعين الوجل والحذر وسيعملون تحت وطأة السعي للحفاظ علي اتفاقية كامب ديفيد ولجرها بعيدا عن سوريا وإيران علي إرضائها والتعامل معها كفاعل صاحب تأثير كبير وليس كتابع لهما كما ظلت طوال حكم مبارك وستكف الولاياتالمتحدة وإسرائيل عن محاولات العبث في ما هو استراتيجي لمصر فمصر طوال تاريخها ظلت تتلقي الغزوات والأخطار من شرقها من الهكسوس والحيثيين الي المغول وأخيرا الإسرائيليين لكنها لم تتعود علي ان يأتيها الخطر من تلقاء جنوبها حيث يأتيها النيل الذي وهبها الحياة نقلا عن صحيفة التيار بتاريخ 14/2/2011م