تحليل سياسي فى احتفال للحركة بذكري تأسيسها الثامن والعشرين بمدينة بورتسودان شرقي السودان منتصف الأسبوع الماضي قال ياسر عرمان (ان الحركة الشعبية وبعد 28 عاماً تمشي على قدمين فى شمال السودان)! وأضاف (ستظل الحركة للمحرومين ومهمشى المدينة وفقراء المدن) ، وكعادته فقد جري لسانه بالعديد من التخريجات ذات الطابع الهتافي الذى ينقضي عادة بانقضاء و انفضاض المناسبة. ولعلنا هنا نقف عند عبارة ان الحركة (تمشي على قدمين) ، وهي عبارة ربما أراد بها عرمان (تعزية وتسلية نفسه وبقية رفقائه) وقد تلقت حركتهم للتو ضربة سياسية موجعة فى جنوب كردفان ، وهى منطقة ظلت الحركة دائماً تحدث الناس عن كونها معقلاً سياسياً مسلحاً وحصيناً لها، بل ربما كان عرمان يقصد ان جنوب كردفان (إحدي قدمي الحركة) ، إذ افترضنا أن القدم الأولي - بحسب تفكيره - منطقة النيل الأزرق . ان هاتين القدمين اللتين تحدث عنهما عرمان لا وجود لهما على ارض الواقع، فلو كانت جنوب كردفان قدماً (قوية) لاكتسحت الحركة كافة دوائرها الجغرافية على الأقل على اعتبار ان المنطقة مقفولة لها، ولكن ما جاءت به النتائج الأولية المعلنة رسمياً من قبل المفوضية ان الحركة لم يتجاوز ما أحرزته - رغم كل الأساليب التى مارستها - ال10 مقاعد من جملة 32 مقعداً ليأخذ الوطني بقية ال22 مقعد . و بالطبع لم يتسن لعرمان الخوض فى أسباب الفشل والإخفاق المريع هذا إذ أنه و حتى ولو مارس الوطني اى أساليب فاسدة، فقد كان حرياً بالحركة - والملعب على أرضها - بل والمباراة تجري فى دارها ان تحول دون هذه الأساليب إن كان حقاً هنالك أساليب فاسدة . عرمان ايضاً لم يتسن له التشكيك فى تقارير و تصريحات المراقبين الدوليين الذين أشادوا بنزاهة العملية و ندرة الخروقات فيها، إذ ان الأممالمتحدة نفسها أشادت بسلامة العملية الانتخابية. ان الحركة الشعبية لو كانت بالفعل (تمشي على قدمين) فى شمال السودان لاجتاحت الانتخابات العامة (ووقفت على قدميها) وأصبحت رقماً سياسياً محترماً ، ولكن هذا لم يحدث ، ويعلم عرمان علم اليقين كيف تقطعت بالقطاع الذى يترأسه السبل و سادت الخلافات و مزقته النزعات منذ ست سنوات و وصلت الى حد الضرب و العراك بالأيدي و الذهاب الى أقسام الشرطة . لقد كان عرمان – وحركته تعيش مفترق طرق رهيب – يحاول تجميل واقعها ، بعد ما رحلت الحركة الأم لإقليمها تاركة أبنائها من الشمال لرحمة الحزب الشيوعي الذى آلمته توجهات الحركة الانفصالية أيما ألم ، ولكنه يداري ألمه ، و يحتفل بذكري تأسيس حركة لم تفعل شيئاً للمهمشين المزعومين و لا في خاطرها شئ لأهل إقليمها الجنوبي الذى يعيش صراعاً دامياً هذه الأيام ربما يعرقل قيام الدولة الجديدة نفسها ؛ فالحركة حتى فى جنوبها لا تمشي الآن على قدمين ، دعك من الشمال !