لا يزال الوضع في العراق يواجه صعوبات أمنية وسياسية، لا تمكنه من الانتقال من حالته الراهنة إلى مرحلة الهدوء النسبي، وتعكس حالة الصراع الجارية تقلبات جذرية في موقف الشارع العراقي، والذي بدأ يشعر بالحنين للعهد الصدامي بكل مساوئه. وقد عكست مرحلة إقرار قانون الانتخابات البرلمانية وموعدها، حالة من القلق لدى العديد من الأطياف السياسية العراقية، من إمكانية عودة حزب البعث إلى الحياة السياسية عبر انصاره. ويبدو واضحا أن قرار تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية إلى مارس المقبل، يمثل تسوية مثالية بين مختلف القوى السياسية العراقية. فالانتخابات البرلمانية التي كان يفترض أن تجرى في الفترة من 18 إلى 23 يناير المقبل، تمثل نقطة فاصلة في تاريخ الديمقراطية الوليدة في العراق، في الوقت الذي تنهض فيه البلاد من العنف والسيطرة الأميركية، لكن الخلاف حول توزيع المقاعد البرلمانية فتح مجددا الانقسامات الطائفية والعرقية العميقة. ويسود أعتقاد في موسكو بأن تأجيل الانتخابات، يشكل خطرا على خطة أميركية لإنهاء العمليات القتالية في عام 2010 وانسحاب القوات الأميركية من العراق قبل نهاية 2011. فقد أعرب رئيس غرفة التجارة والصناعة يفغيني بريماكوف، عن قناعته بأن خروج القوات الأميركية من العراق المرتقب بعد عام، لن يؤدي إلى تحقيق الاستقرار في هذا البلد، بسبب الخلافات الحادة بين الطوائف الكردية والعربية والسنية والشيعية في العراق، اضافة للتوتر داخل المعسكر الشيعي. ما يعني أن العراق اصبح يواجه مخاطر التشدد الديني التي يمكن أن تؤدي لانقسامه، في حال احتدام الصراع بين القوى السياسية في هذا البلد. وتبرز محاولة بريطانية جديدة لتحميل روسيا مسؤولية الأزمة السياسية والاجتماعية التي يمر بها العراق، اذ أن رئيس مكتب الاستخبارات البريطانية «م آي-6» جون سويرس، ادلى بتصريحات وجه فيها اتهاما لروسيا بانها أعاقت الحل السلمي للنزاع العراقي، مما أدى في نهاية المطاف للتدخل العسكري في العراق، باعتبار أن روسيا هي المسؤولة عن فشل تطبيق نظام «العقوبات الذكية»، ضد نظام صدام حسين في عام 2001، والتي كان من شأنها تجنب التدخل العسكري. ولا شك أن رد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أندري نيستيرينكو، كان موضوعيا ودبلوماسيا. فقد أشار فيه إلى أن «العقوبات الذكية» التي اقترحتها بريطانيا في صيف عام 2001، لم تؤد إلى أية نتيجة ملموسة من شأنها أن تحسن الوضع الكارثي الذي كان يعيشه الشعب العراقي، باستثناء انها كانت مبنية على أساس عقوبات طويلة الأمد، تحت حجة أن العراق مستمر في تنفيذ برنامجه لتصنيع أسلحة دمار شامل. ولم يشر إلى الدور البريطاني في تصعيد الأزمة مع العراق، والنتائج المدمرة لسياسة التحالف الغربي ضد الشعب العراقي، التي يحصد العراق اليوم نتائجها ويواجه بسببها أزمات متتالية يصعب عليه حلها. ويتجاهل المسؤول البريطاني تصريحات تيم دوز، الذي كان يترأس دائرة وزارة الخارجية البريطانية الخاصة بقضايا منع انتشار الأسلحة النووية في الفترة 2001 2003، والتي أعلن فيها أنه «لا يوجد ما كان يشير إلى علاقات معينة بين العراقيين والقاعدة. وفي الحقيقة لم يكونوا حلفاء». وما كشف عنه المدير السابق لمكتب الأمن الدولي في وزارة الخارجية البريطانية ويليام ايرمان، من أنه وفق تقارير من المخابرات قبل 10 أيام من بدء العملية العسكرية، كانت الأسلحة الكيماوية مفككة وأن صدام حسين لم يأمر بعد بإعادة جمعها، وكانت تفتقر إلى الرؤوس الحربية. بالإضافة لتصريحات مسؤولين بريطانيين تفيد بأن العراق دمر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي كانت ي حوزته، ولربما لا توجد لديه ذخيرة لتسليمها. على أية حال، حتى لو افترضنا أن مجرد امتلاك العراق لهذه الأسلحة من حيث المبدأ، يمكن أن يكون مبررا لفرض الحصار عليه لإجباره على تسليمها، فإن هذا الواقع لا يبرر تصريحات توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق بعد لقائه مع بوش الابن في مزرعة كروفورد عام 2002، والتي وصف فيها صدام حسين بأنه «خطر للغاية»، ودعا إلى تغيير النظام في العراق. إن الوضع الراهن في العراق ما هو إلا نتيجة لحسابات الغرب الخاطئة، التي لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب العراقي والمجتمع الدولي، وإنما كان الهم الأساسي بالنسبة لها هو مصالح النخب السياسية والاقتصادية في بلادها. نقلاً عن البيان الاماراتية 28/12/2009م