بعد أيام من تعهد أوباما، وكاميرون، بتصعيد الضغط العسكري على القذافي وإحكام الخناق عليه لحسم المعركة ودفعه إلى التنحي، وافقت الحكومة البريطانية على استخدام مروحيات "الأباتشي" في المعركة الدائرة بليبيا. ولكن في الوقت الذي تستطيع فيه تلك الطائرات كسر حالة الجمود المخيمة على الوضع العسكري في ليبيا، إلا أنها أثارت أيضاً مخاوف البعض من احتمال توسيع إطار المهمة في ليبيا التي يرى عدد من المراقبين أنها تحولت من حماية المدنيين إلى محاولة الإطاحة بالنظام. ومع أن قوات حلف شمال الأطلسي نجحت إلى حد كبير في منع قوات القذافي من سفك دماء المدنيين بعد محاصرتها للثوار في شهر مارس الماضي وزحفها على بنغازي مع ما كان سيخلفه ذلك من قتل مئات المدنيين، ما اضطر فرنسا وبعدها بريطانيا للتدخل والحصول على تفويض من الأممالمتحدة، إلا أن الصراع وصل اليوم إلى حالة من الجمود وانعدام التقدم. ومن شأن الخطوة الجديدة التي وافقت عليها فرنسا وبريطانيا بإرسال مروحيات إلى ليبيا تغيير المعادلة وكسر المراوحة في المكان، بحيث من المتوقع أن تقترب قوات التحالف أكثر من الأرض وتضرب أهدافها بدقة أكبر. هذا بالإضافة إلى ما ستحققه الطائرات من امتياز عسكري لقوات التحالف تستطيع بموجبه الاقتراب من المناطق السكنية وتوجيه ضربات مباشرة ودقيقة إلى كتائب القذافي مع تفادي إسقاط المدنيين مثلما يحدث عادة في القصف الجوي بالطائرات الحربية. ولكن مع ذلك يحمل استخدام المروحيات في ليبيا مخاطر جديدة بالنسبة للطيارين الذين يقتربون أكثر من الأرض ويتحركون ببطء ما قد يعرضهم لنيران قوات القذافي. وكان تقرير لوكالة "رويترز" قد أفاد بأن "الناتو" سيبدأ قريباً في استخدام المروحيات ما أن تصبح مستعدة لذلك. ويشي إرسال فرنسا وبريطانيا للطائرات المروحية للمشاركة في القتال ضد كتائب القذافي بدرجة من الإحباط إزاء الوضع الحالي والاستراتيجية العسكرية التي انتهجها إلى حد الآن حلف شمال الأطلسي، تلك الاستراتيجية القائمة أساساً على القصف الجوي الذي يبدو أنه لم يسرع بإنهاء الصراع وحسم المعركة. ويبدو أن استخدام المروحيات حل وسط بين الاستمرار في القصف الجوي البعيد عن الأرض وبين التدخل البري وإرسال قوات إلى أرض المعركة يعارضها الجميع بدءاً من الثوار الليبيين أنفسهم وليس انتهاء بالدول الأوروبية، أو الأممالمتحدة التي لم ترخص بذلك. كما أن قرار إرسال المروحيات على رغم خطورة ذلك على الطيارين هو إقرار واضح بعدم كفاية الضربات الجوية من علو 15 ألف قدم لحماية المدنيين الذين ما زالوا يعانون من هجمات قوات القذافي بالصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة. وهذا الحل الوسط الذي لجأ إليه حلف شمال الأطلسي لتحريك الوضع يقربه أكثر إلى الأرض في ظل تأكيده عدم نيته إرسال قوات إلى ليبيا. وقد سارع وزير الخارجية الفرنسي، آلان جوبيه، إلى الرد على أي اتهام بأن حلف شمال الأطلسي بدأ يتجاوز حدود التفويض الأممي في ليبيا بقوله "لن تُستخدم المروحيات التي تقرر إرسالها في نشر قوات برية على الأرض، كما أن استخدامها في الحرب لا يخرق قرار الأممالمتحدة الذي يفوض قواتنا بحماية المدنيين في ليبيا". ولكن قرار اللجوء إلى المروحيات في ليبيا أثار جدلاً واسعاً في بريطانيا، فعندما أعلنت فرنسا في وقت سابق إرسال البلدين لطائرات مروحية قامت بذلك قبل إخبار بريطانيا لرأيها العام وقبل طلب موافقة الحكومة، وأضافت صحيفة "الجارديان" في 24 مايو الجاري أن النقاش حول استخدام الطائرات المروحية في ليبيا كان القضية الأولى التي أثارت الخلاف بين الحزبين المشاركين في الحكومة الائتلافية حول مجمل التدخل البريطاني في ليبيا، ودفعت أعضاء في البرلمان إلى الجهر بانشغالات أخرى ظلت كامنة إلى حد الساعة من بينها أن الهدف اليوم صار تغيير النظام وليس حماية المدنيين، وأن التدخل تحول بالفعل إلى تمديد في المهمة وخروجها عن إطارها الأول. هذا فيما أكد العديد من مسؤولي الدفاع في بريطانيا أن استخدام الطائرات المروحية لن يغير المهمة في شيء، وهو ما عبر عنه وزير القوات المسلحة "نك هارفي" قائلاً: "لن يؤدي استخدام المروحيات إلى تصعيد في الصراع، ولن يغير من مهمتنا الأساسية في حماية المدنيين". وفي الوقت نفسه أكد مسؤولو الاستخبارات البريطانية أن القذافي بات أكثر خوفاً وارتعاباً مما يحدث وبدأ يختبئ في المستشفيات ويتنقل باستمرار. هذا بالإضافة إلى صعوبة التواصل بين كبار ضباطه، وقد كان لافتاً في هذا السياق رفض الولاياتالمتحدة لطلب النظام الليبي وقف إطلاق النار، معتبرة أن الوقت حان لإكمال المهمة، وهو ما لن يتحقق دون تنحي القذافي، فقد أوضح أوباما على هامش قمة مجموعة "الثماني" في مدينة دوفيل الفرنسية أن "تقدماً أحرز في ليبيا ولكن مهمة حماية المدنيين ستبقى متعذرة إذا ظل القذافي في البلاد". عضو هيئة تحرير «كريستيان ساينس مونيتور» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» المصدر: الاتحاد 31/5/2011