دون أدني شك هي المرة الأولي بالنسبة للسودان في تاريخه السياسي الحديث التي يصبح فيها القطر الواحد (مليون ميل مربع) منشطراً إلى نصفين بحيث أصبح ثلثه الجنوبي دولة، والثلثين الآخرين في الشمال دولة ولا وجد أيضاً ادني شك أن انشطار قطر موحد، أي قطر هو مما يثير الحزن – وجدانياً – وسياسياً – فانفصال الرابطة السياسية والاجتماعية بين جنبي قطر واحد هو بمثابة (خسارة سياسية) ما حقه مهما كانت الدواعي والمبررات خاصة إذا علمنا أن العالم بأسره يمضي نحو التكتلات الإقليمية والتقارب بين المكونات المتماثلة أو التي تجمعها مصالح مشتركة. غير أن هذا كان اختيار الأخوة في جنوب السودان عبر ممارستهم لحقهم التاريخي المعترف به كافة المكونات السياسية السودانية في تقرير مصيرهم بعد ما ظل نزيف الدم يهدركما الشلال لما يقارب النصف قرن من الزمان في أطول حر أهلية عرفتها القارة الإفريقية في تاريخها. لقد قضت تلك الحرب الملايين من خيرة أبناء السودان الذين كان دافعهم الأساسي هو الحفاظ على أمن واستقرار بلد بحجم قارة، ومقدراته محل أطماع العديد من القوى الدولية. كما قضت تلك الحرب على نصف مستقبل البلاد بأسرها شمالاً وجنوباً بما أهلكت من موارد وطاقات فقد كانت الكلفة اليومية لحرب الجنوب تتجاوز المليون دولار يومياً فإذا أجرينا عملية حسابية تقريبية سنجد أنها فقط في العقدين الأخيرين قاربت المليار دولار بخلاف ما هو غير منظور من تكاليف أخرى. لقد كان أفضل ما أفضت أليه اتفاقية السلام الشامل هو وقف هذه الحرب. وهو ما دعا كافة المكونات السياسة السودانية بصرف النظر عن توجهاتها ومواقفها تقف إلى جانب الاتفاقية، فوقف الحرب – في حد ذاته – اغلي من كل شيء. لقد قضي الاستفتاء بهذا الانفصال وكان لزاماً على الدولة السودانية الأم حكومة وشعباً أن تحترم رغبة الأشقاء في الجنوب حتى ولوكان اختيارهم هذا مبيناً على (مجرد مزاج سياسي) أو (تم بضغوط وتعبئه سياسية من الحركة الشعبية) أو كان مبنياً على وقائع واقعية. فالأمر في نهاية المطاف قضي بالانفصال ووجب احترامه. أن التاسع من يوليو 2011م هو مشهد يتحالف فيه تاريخ السودان مع جغرافيته، فالخرطوم قد تغيرت نزولاً على حكم التاريخي والتاريخ سجل الواقعة على أنها (عمل ديمقراطي شجاع) قام به السودانيون لوضع حد لنزاع تطاول أمده ولم تجد معه كافة أنواع المعالجات التي جرت لعقود. ولم يعد مجدياً ولا من الإنصاف والعدل إلقاء اللوم على أحد، فهذه حقائق التاريخ واعتبارات الجغرافيا. كما لم يعد مفيداً النظر في يطور التاريخ السابقة. المهم الآ هو أن ينظر الطرفين – الشمال والجنوب – إلى المستقبل مستصحبين مصالحها المشتركة وروابط مواطنيهم التي لا ينهيها التاريخ ولا تغيرها وان تغيرت الجغرافيا!!