اليوم السبت التاسع من يوليو 2011 م هو اليوم الموعود ليعلن الجنوب عن دولته الوليدة بعدما اختار مواطنوه الانفصال عن الدولة الأم في يناير الماضي. ويستعد الجنوب لإعلان انفصاله عن باقي السودان السبت، ليصبح أحدث دولة في العالم، هذه الدولة التي ستحمل التي ستحمل رقم 54 أفريقياً ورقم (6) في الشرق الأفريقي والرقم (193) لدول العالم. وفي زحمة انشغال الجنوبيين للإعلان عن دولتهم وبجانب كثرة قراءات المآلات المختلفة لدولة جنوب السودان نتناول فيما يلي بعض مآلات الحال الجنوبي بعد قيام دولتهم الجديدة التي ستعلن صباح اليوم مع محللين وسياسيين فماذا قالوا عن المآلات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية؟. أزمات كبيرة (الانفصال سيؤدي لأزمات كبيرة على الداخل الجنوبي)، هكذا بدأ البروفيسور حسن مكي – المحلل السياسي والاكاديمي المعروف – في حديث سابق له (للرائد) حول مآلات الحال الجنوبي بعد الانفصال. ويضيف مكي أن هذه الأزمات سوف يقوم الجنوب بتصديرها لخارجه سواء للشمال أو للدول الأفريقية المحيطة به، وكذلك الدول المرتبطة بمصالح بالقرن الأفريقي مثل مصر. ويزيد مكي: الخطورة تكمن في أن قبيلة الدينكا المسيطرة على الحركة الشعبية لا تحظى بثقة كل أهل الجنوب؛ فهناك انشقاق حادث بالفعل في الجنوب حول أداء الحكومة الجنوبية في الفترة المنصرمة نتيجة الفساد وهدر الأموال، وعدم وجود إنجازات تتكافأ مع التدفقات المالية من الخارج والداخل، إلى جانب انتشار القبلية والجهوية والعرقية، وتوطن المؤسسات الموصلة بجهات خارجية، وأوضح مكي أن العلاقات الجنوبية الشمالية سوف تشهد تجاذبًا حول الحدود، وهذا كله سوف يؤثر على دول الجوار؛ حيث يحفز الانفصال القوميات والهويات المختلفة في كل من إثيوبيا وأوغندا وهو ما سيؤدي إلى هجرات جديدة وحراك سكاني في اتجاه شمال السودان وبقية دول الجوار. مرحلة جديدة يرى المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر في انفصال جنوب السودان مرحلة جديدة ويضيف خاطر في حديثه (للرائد): بعد كل المرارات التاريخية والإحن الاجتماعية والغبن الاقتصادي يجب على السودانيين أن يعترفوا بأن انفصال الجنوب بداية لحملة جديدة وهي فرصة جديدة لهم أيضا لإثبات قدرتهم على مواجهة الظروف المعقدة مضيفاً بأن حسم وطي الملفات العالقة كالنفط والأمن والحدود وغيرها بين الشمال والجنوب بشكل (سلس) من شأنه أن يثري العلاقة بين الدولتين اللتين يمكن أن تربطا أفريقيا شمالا ووسطا وشرقا وغربا مضيفا بأن ذلك يعتبر فرصة جديدة لن تكون اقل من الفرصة التاريخية التي اتيحت لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ويرى المحلل السياسي خاطر أن تأثير الانفصال على مناطق أخرى في السودان سيكون ضخما ويضيف خاطر: ستكون حالة الجنوب أنموذجا للمناطق التي تريد أن تحقق حكمها الذاتي لكنه عاد واستبعد أن تطالب مناطق في السودان بالانفصال بعد الجنوب فدارفور – كما يرى قد أسهمت في بناء الدولة المهدية – وجبال النوبة –جنوب كردفان- قد ساهمت في بناء الجيش السوداني. ويرى خاطر أن النيل الأزرق منطقة استثمار للسودان بينما يعتبر الشرق مدخل لبقية أنحاء السودان. مضيفا بأن ذلك كله يعتبر عوامل جذب لوسط السودان وعاصمته الخرطوم والتي دعا خاطر لتغيير تركيبتها أو تغييرها لمنطقة جغرافية أخرى تستوعب كل تنوع أهل السودان. ولم يبد خاطر تحفظه من تأثر الشمال والجنوب اقتصاديا في السنين الأولى للانفصال إلا إنه عاد وقال: لكن المنطقتين لديهما اقتصاد جاذب لكل الجيران خاصة لدول يوغندا وإثيوبيا وكينيا. عن مدى تأثر الخارطة السكانية شمالا وجنوبا بالانفصال يقول خاطر: إن أفريقيا وبتنوعها السكاني لديها ارتباطات عميقة بمختلف الشعوب فالمجموعات الاوربية والعربية التركيبات الاجتماعية والاقتصادية لأفريقيا وعلى ضوء ذلك يرى خاطر أن مسألة التمازج ستستثمر دون شك في الدولتين بشكل مثالي. الغرب منشغل ويقول أمين أمانة الدفاع بالمؤتمر الشعبي العميد (م) الدكتور محمد الأمين خليفة للرائد: إن انفصال الجنوب جاء وقت غير ملائم إطلاقاً وبرر خليفة ذلك بأن الغرب الذي وعد الدولة الوليدة في الجنوب بالمساعدة ينشغل هذه الأيام كثيراً ويجتهد في حل قضايا لدول يراها أهم لديه من دولة الجنوب القادمة. ويضيف الدكتور محمد الأمين – الأستاذ الجامعي – أن حصيلة الانفصال غير مدروسة بدقة وسيكون وبالاً على الشمال والجنوب وفق معطيات يراها والتي تتقدمها العلاقة بين الدولتين – والتي يراها خليفة – غير سلسة بجانب أن دول الجوار لدولتي الشمال والجنوب لن تكون دولاً مساعدة بقوة في جعل تلك العلاقة بشكلها الطبيعي مضيفاً بأن كل دولة شأنها الذي يمنعها عن الأخرى. وحول أكبر المهددات الأمنية التي يراها قد تواجه السودان بعد الانفصال وفق خبرته العسكرية يقول العميد (م) خليفة: ارى أن الحكم الشمولي القابض والتضييق على الحريات أكبر مهددات الأمن القومي في السودان. وحول توقعاته العسكرية وإن كانت ستنشب حرباً بين الشمال والجنوب يقول العميد (م) خليفة: أحسب أن هذا يحتاج لوقت لأن الترتيبات الأمنية بين الطرفين معقدة. مشيرا إلى اضطراب الحدود بين الطرفين بجانب القضايا العالقة خاصة مناطق الاختلاط والنسيج القبلي كأبيي وكافي كنجي ربما يسهمان في نشوب حرب بين الدولتين مستقبلا أن لم يتدارك الشمال والجنوب ذلك وينزعان تلك الألغام وإبطال مفعولها قبل الانفجار. ويرى الدكتور خليفة بأن المخرج الوحيد لبناء الدولتين ليس الرهان على المعونة الخارجية ولا على الدعم الإقليمي بل يكون بالإنكفاء على أبناء الشعبين لإفساح مجال الحرية كاملا وتحرير الاقتصاد ومن كل شائبة تتعلق بالرهن الخارجي والاعتماد الكلي المرور الرئيسي الدائم – الزراعة والثروة الحيوانية – بجانب أن يعمل الطرفان بكل جدية ويسعيان لتحسين العلاقات بينهما وزاد خليفة: لن يتم ذلك إلا إذا عمل كل بلد الإصلاح السياسي الداخلي. بينما أستبعد خليفة أن يغري انفصال الجنوب مناطق أخرى بالشمال على الانفصال ولكنه – الانفصال- قد يرفع من سقف مطالب حركات دارفور التي تطالب بإعادة هيكلة الحكومة على اسس تقوم على العدالة في السلطة والثروة بين اقاليم السودان المختلفة. بدوره ابدى الخبير الأمني العميد أمن (م) حسن بيومي تخوفاً من الوضع الأمني بعد الانفصال شمالاً وجنوباً واضاف بيومي في حديثه للرائد: إذا أردنا أن نفصل الخرطوم عن الاقاليم الأخرى نستطيع أن نقول بأن الخرطوم (مؤمنة) تماماً وأن حكومة الشمال قد استخدمت القاعدة الأمنية التي تقول (الإفراط في الإجراءات دون التفريط في الأمن) مشيرا إلى أهمية الخرطوم للحكومة. ونوه بيومي إلى أن مناطق التماس كابيي والحدود بين الشمال والجنوب تشهد احتكاكات مما يتوجب على الحكومتين في الشمال والجنوب بالاسراع لحسم الملفات العالقة والتي تتقدمها ابيي والحدود والجنسية والمياه بجانب الديون الخارجية والقضايا الأخرى. وتوقع بيومي بأن تنشب الخلافات بين الجنوبيين في دولتهم الجديدة بعد شهرين فقط من إعلان دولتهم وأرجع ذلك إلى أن الجنوبيين سيواجههم واقعا مريرا ومؤلما وسيجدون أنفسهم بلا تنمية وبلا خدمات وسينقسمون حول توزيع عائدات النفط الذي تقع غالبية حقوله بأراضي قبيلة النوير بينما ستسيطر على مفاصل الدولة الجنوبية قبيلة الدينكا غير المرضي عنها بين القبائل الأخرى زد على ذلك بأن الجيش الشعبي يعتبر نفسه هو صاحب الفضل في استقلال الجنوب مما سيجعله يعيث في الجوب فسادا. ويقول بيومي عن الآثار الأمنية لشمال السودان بعد الانفصال: إن القضايا العالقة إذا لم تحل ستعود الحرب من جديد بين الجنوب والشمال خاصة في منطقتي أبيي والنيل الأزرق مقللا من القول الذاهب بأن الشمال سيخرج منتصرا بالانفصال مضيفاً أن ذلك غير صحيح. وأكد بيومي أنه وبعد الانفصال فإن السودان الشمالي سيواجه بهجمات دولية شرسة وستمارس عليه ضغوط كثيفة خاصة من قبل المحكمة الجنائية والعقوبات من قبل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي. متوقعاً بألا تشهد دولة الجنوب الناشئة استقرارا أمنياً بسبب سيطرة قبيلة الدينكا على السلطة هناك مما سيؤلب عليها القبائل الأخرى خاصة وأن النفط بمناطق النوير مضيفا بأن عدم الاستقرار الأمني هذا سيلقي بظلاله على الشمال منوها إلى ضرورة حسم أمر الجنوبيين الموجودين بالشمال ولن يذهبوا إلى الجنوب في حال الانفصال مطالبا الدولة بتوفيق أوضاعهم ل تكون هناك مشكلة أخرى. قوة عسكرية لكن اللواء (م) الدكتور محمد العباس الأمين الأستاذ الجامعي حذر في حديثه للرائد: من مغبة تجاهل حجم القوة العسكرية للجيش الشعبي لاسيما النخب الاساسية المدربة والمزودة بالقدرات التكنولوجيا من الولاياتالمتحدةالامريكية والبالغ عددها أربعة آلاف جندي، والمح العباس إلى عدم التكافؤ بين الجيش الشعبي والقوات المسلحة القومية مشيرا الى تفوق الدبابات التي يمتلكها الاول وهي طراز تي 72 على دبابات الجيش السوداني طراز تي 55 قبل أن يطالب بالتحرر من ما اسماه ب(وهم القوة) وتساءل هل تملك القوات المسلحة السودانية مقدرات بشرية مؤهلة لادارة اي صراع قادم؟ واعتبر العباس ان القوات المسلحة طيلة الفترة الماضية كانت اداة للقيادة السياسية واتخاذ القرار واضاف رغم اننا لم نهزم طيلة ال55 عاما الماضية الا ان الدولة يقع على عاتقها في المرحلة القادمة تطوير القوات المسلحة ورفع جاهزيتها للحفاظ على سيادتها والقدرة على مواجهة اي طارئ مستقبلا. ويقول اللواء (م) العباس: فيما يتعلق بالاقتصاد فإن الشمال السوداني يمتلك ميزة في تصدير نفط الجنوب مقارنةً بالتصدير عبر ميناء ممباسا، داعيا الشمال إلى استثمار علاقاته الخارجية لبث التطمينات لدولة جنوب السودان على التصدير عبر الشمال سواء فيما يتعلق بالبترول أو الصادرات الأخرى عبر الربط البري من طرق وخطوط سكك حديدية مشيرا إلى أن ملامح العلاقة الاقتصادية والتجارية بين الدولتين ترتبط بالارتباط الجغرافي الممتد بين الدولتين. والتداخل القبلي والحراك السكاني والترابط المعيشي على جانبي الحدود. وانتقال السلع عبر الحدود دون قيود في الوقت الراهن لتدعيم العلاقة التجارية على أن يكون هناك سعر صرف يتم تحديده بالعملات الحرة. إضافةً إلى تهريب السلع المحظورة بواسطة أحد الأطراف أو التهرب من دفع الرسوم الجمركية والالتزامات المالية الأخرى. وهنا لا بد من التعاون لمحاربة الممارسات الاقتصادية الضارة مثل غسيل الأموال وهروب المطلوبين اقتصادياً بجانب المشاريع الزراعية والمناطق الرعوية على الحدود، حيث لا بد من إنشاء مشاريع مشتركة تؤمِّن العلاقات وتحول دون تدورها ذلك أن العلاقات الظرفية لا تقوى على الصمود في وجه التحديات. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :9/7/2011