تحدثت في مقال الأمس عن رد فعل منظمات المجتمع المدني في مصر التي تتلقى تمويلا أجنبيا على قرار الحكومة بحظر هذا التمويل، وكيف أتى ليؤكد أخطار هذا التمويل، وأخطار الدور الذي تلعبه هذه المنظمات. بالطبع، هذا التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني ليس إلا مظهرا واحدا من مظاهر الاختراق الأجنبي عموما للمجتمعات العربية. وقد توقفت عند ندوة عقدتها جمعية الصحفيين في مصر قبل أيام حول هذه القضية.. حول قضية الاختراق الأجنبي عموما للحياة السياسية والاعلامية في مصر. في الندوة تحدث أساتذة زملاء وتناولوا القضية من زوايا مختلفة، مع التركيز بصفة خاصة على الاختراق الأجنبي للاعلام المصري، وايضا لمنظمات المجتمع المدني. الذين تحدثوا في الندوة كشفوا عن جوانب وابعاد خطيرة للاختراق الاجنبي. من المهم ان نلخص هنا اهم ما اثاروه وكشفوا عنه. أولا: تأكيد ان التمويل الاجنبي للجمعيات ولبعض اجهزة الاعلام يتم في اطار اجندات سياسية محددة للقوى الممولة، ومطلوب ان تلتزم بها الجهات التي تتلقى التمويل. أحد المتحدثين اشار مثلا الى ان الجهات الامريكية التي تقدم التمويل تفعل هذا وفي ذهنها انها تخدم الامن القومي الامريكي اولا واخيرا، وتقدم هذه الاموال من اجل ترسيخ التوجهات السياسية التي تحقق هذا الهدف. وتحدث عن اهداف محددة تسعى هذه الجهات الى تحقيقها في اطار هذا الهدف العام. من هذه الاهداف مثلا، إلزام الجمعيات التي تتلقى التمويل باتخاذ خطوات ومواقف سياسية محددة مثل الطلب منها اصدار بيان مثلا يدين حركة حماس والعمليات الاستشهادية. ومن هذه الاهداف، افساد بعض المثقفين ودفعهم لتحويل افكارهم وتوجهاتهم ليتحولوا من ثوريين الى ليبراليين ومؤيدين لسياسات الغرب، وافسادهم شخصيا من خلال المكاسب المادية التي يحققونها. ومن هذه الاهداف ايضا زرع مفاهيم معينة في الحياة السياسية والثقافية تخدم الاجندات السياسية للجهات التي تقدم التمويل، من قبيل التسامح، والتعايش مع الآخر، والمقصود منها في جوهرها التعايش مع العدو الصهيوني، وضرب قيم الانتماء القومي.. وهكذا. ثانيا: في الندوة اثار متحدثون حقائق عن كيفية اختراق اجهزة الاعلام من جانب قوى اجنبية. تحدثوا مثلا عن ظاهرة التمويل الاجنبي لصحف ولمحطات فضائية خاصة، وهي الظاهرة التي تصاعدت بعد الثورة المصرية استغلالا للأجواء الجديدة. وتحدثوا كيف ان هذه الفضائيات التي ظهرت فجأة تحرص على الاستعانة برؤساء تحرير الصحف المسماة بالمعارضة او المستقلة بهدف محاولة اعطاء مصداقية لرسائلها السياسية التي هي في النهاية لا تخدم الاجندات الوطنية. ثالثا: وتحدث احد الزملاء في الندوة عن وقائع تبين خطورة الاختراق الاجنبي للصحف وقال ان هذا التمويل «له دور كبير في تحول البعض، ففي مقابل عمل دراسة صغيرة يتم دفع اموال كبيرة، وقد تحول البعض من مسجون سياسي ويعاني شظف العيش الى الرفاهية والغرق في الاموال». وقال ان فضائح التمويل الاجنبي لبعض الصحف، وصلت الى حد عمل غرفة عمليات في جريدة حكومية للكتابة بحسب طلبات مقدمي الاموال. هذا بعض ما طرح في ندوة نقابة الصحفيين المصرية. المشاركون في الندوة طالبوا بتجريم التمويل الاجنبي للصحف واجهزة الاعلام عموما. وطالبوا الجمعية العمومية للنقابة بان تدين وتعاقب كل من يحصل على تمويل اجنبي على غرار موقفها بمنع التطبيع مع اسرائيل. كما طالبوا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول من اساءوا الى سمعة الصحافة والصحفيين بالحصول على تمويل اجنبي وشطب المتورطين من جدول القيد بالنقابة. كما ذكرت في البداية، فإن الاختراق الاجنبي في مصر وفي كل الدول العربية اصبح ظاهرة متشعبة، وامتد الى مجالات عديدة، من منظمات المجتمع المدني، الى صحف واجهزة اعلام، الى قوى وتنظيمات سياسية واحزاب، الى شخصيات عامة.. الخ. وما اثير في ندوة نقابة الصحفيين المصرية مجرد إلقاء ضوء على بعض الجوانب الخطيرة المرتبطة بهذا الاختراق الاجنبي. وبغض النظر عن التفاصيل هنا، فإن القضية برمتها تتلخص في ان هذا الاختراق، سواء عبر التمويل الاجنبي او عبر اساليب كثيرة اخرى، يشكل تهديدا خطيرا للأمن الوطني بالمعنى الحرفي للكلمة. ولهذا، فإن مواجهة هذا الاختراق ينبغي ان تكون قضية لها اولوية وطنية. والمطلوب هنا في كل بلد معرفة ابعاد هذا الاختراق وحدوده بالضبط والجهات والشخصيات المتورطة مع الجهات الاجنبية. ثم العمل على وضع حد نهائي لهذا الاختراق، وخصوصا عبر التصدي لأكبر ادواته، أي وقف التمويل الاجنبي نهائيا وتجريمه ايا كان مصدره وايا كانت الجهات التي تتلقاه. المصدر: أخبار الخليج 5/9/2011