قال المبعوث الأمريكي الخاص للسودان (برنستون ليمان) -السبت الماضي- ان وزارة الخزانة الأمريكية ستحدد قريباً الطريقة الى يتعيّن على الشركات الأمريكية العاملة فى مجال النفط إتباعها للحصول على ما أسماها (تراخيص خاصة) تتيح لها دخول مجال النفط فى جمهورية جنوب السودان. ليمان قال بهذه التصريحات فى إطار خطة اقتصادية يعكف خبراء اقتصاديين فى وزارة الخزانة الأمريكية على وضعها بغية التغلب على الصعوبات التى تحول دون دخول الشركات الأمريكية سوق النفط الجنوبي، فى ظل العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب التى ظلت تفرضها واشنطن على السودان منذ حوالي عقدين ووعدت برفعها أكثر من مرة ولكنها لم تفعل حتى الآن. ليمان ايضاً قال دون مواربة – ولعلها المرة الأولي التى يكشف فيها صراحة عن هذا الهدف الاستراتيجي – أن الأولوية للإدارة الأمريكية فى جمهورية جنوب السودان البترول! ومن المؤكد ان هذه التصريحات الأمريكية الواردة على لسان مبعوثها الخاص ليمان تفسر بجلاء سر اندفاع واشنطن بكل تلك القوة وعبر الضغوط التى مارستها لسنوات وأشهر حتي تضع يدها على آبار نفط الجنوب وتسيطر عليها تماماً. وقد يقول قائل ان هذا الهدف لم يكن غائباً عن كافة المراقبين والخبراء الاستراتيجيين فاللهث الأمريكي تجاه فصل جنوب السودان كان أحد أهم أسبابه تعطش واشنطن للبترول، ذلك الذى تراجعت عن أعمال تنقيبه الشركات الأمريكية وأبرزها شيفرون فى ثمانينات القرن المنصرم بدعوي غياب الأمن فى الجنوب؛ وهذا صحيح ولكن هنالك دون شك فارق شاسع للغاية ما بين الهدف المعلن والهدف غير المعلن، خاصة وان هذه التصريحات تجيء فى وقت لم يتم فيه حسم نقل البترول ورسوم نقله بين دولتي السودان وجمهورية جنوب السودان وهذا ينتظر ان تسفر عنه الاجتماعات المرتقبة بين الطرفين فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا قريباً. ومن المفروغ منه فى هذا الصدد ان واشنطن – بهذه التصريحات – تود أن تكون (جزءاً) من الموضوع حتى تعطي الطرف الجنوبي قدراً من القوة فى المفاوضات، أو ان تلوح للطرفين أنها هى الأولي بالنفط موضوع النزاع سواء جاء الاتفاق بين الطرفين مرضياً لهما أم لا. غير ان هذا ليس بذي أهمية ، بقدر ما ان الامر الأكثر أهمية هو سؤال عريض مؤداه هو كيف سيتسنى للإدارة الأمريكية إيجاد مخرج لتجاوز عشرات المتاريس والعقبات المتمثلة فى العقوبات والقرارات التى أصدرها الكونغرس ضد السودان وهو يومها (بلداً واحداً)؟ فجمهورية جنوب السودان دولة وليدة و هى ولدت من رحم الدولة الأم جمهورية السودان المعنية بهذه العقوبات. فإذا قلنا ان وزارة الخزانة سوف تعتبر الدولة الوليدة خرجت من نطاق حدود الدولة المعنية بالعقوبات، فان هذا يثير معضلة الحدود التى لم يتم الفراغ من ترسيمها بعد ؛ كما سوف يثير معضلة أن جزء من أنابيب النفط وعملياته تقع خارج حدود دولة جنوب السودان أى داخل دولة السودان! وإذا قلنا ان وزارة الخزانة سوف تعتبر دولة الجنوب دولة أخري تماماً غير السودان فهذا يستلزم إجراء تعديل فى قرار العقوبات نفسه عبر الكونغرس لأنه محدد بحدود جغرافية هى حدود دولة السودان الأم قبل انفصال دولة جنوب السودان فى هذا العام. وحتى لو تم ذلك ، تري ما هي المبررات التى سوف تسوقها الإدارة الأمريكية لهذا الإجراء؟ الامر يبدو سهلاً وفق تصريحات ليمان ولكن من المؤكد انه ليس كذلك وسيتضح عاجلاً أم آجلاً ان الإدارة الأمريكية إزاء ورطة لا مجال معها سوي إلغاء العقوبات الاقتصادية على السودان وفق القرارات القديمة .