قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، بنشر قوات أمريكية في وسط إفريقيا لملاحقة جيش الرب، تُثير الكثير من الشكوك والتساؤلات لدى الأفارقة، على الرغم من الترحيب الذي أبدته العديد من الدول الإفريقية، التي ترى أن القضاء على جيش الرب الذي ظل ينشر الرعب والهلع بين المواطنين، سواء في يوغندا أم جنوب السودان أم غيرها من المناطق، منذ عشرين عاماً، لا يمكن القضاء عليه إلا من خلال قوات دولية مقتدرة. تعقب بلا قتال: وأقرت الإدارة الأمريكية إرسال مائة جندي أمريكي كدفعة أولى إلى وسط إفريقيا لدعم القوات التي تقوم بملاحقة تنظيم "جيش الرب" الذي يتزعمه جوزيف كوني والمطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعد من حركات التمرد الأكثر عنفاً في العالم. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إنه بدأ بإرسال نحو 100 عسكري أمريكي إلى وسط إفريقيا لدعم القوات الحكومية التي تقاتل متمردي جيش الرب الأوغندية للمقاومة، المتهمين بارتكاب جرائم قتل واغتصاب وخطف أطفال. وأوضح أوباما، في رسالة وجهها إلى الكونغرس، بأن هؤلاء الجنود سيعملون كمدربين ومستشارين في جهود تعقب الزعيم المتمرد جوزيف كوني، ولن يشاركوا في أعمال قتالية إلا دفاعاً عن النفس. مشيراً إلى أنّ عمل تلك القوات سيقتصر على تقديم المشورة للقوات التي تعمل على التخلص من زعيم جيش الربّ جوزيف كوني وقادة آخرين في هذه المجموعة. كما أن هذه القوات تهدف لتعزيز مصالح الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية". وأوضح الرئيس الأمريكي، الذي أدان فيما مضى جماعة جيش الرب للمقاومة بوصفها "إهانة للكرامة الإنسانية"، أنّ الجماعات التي تنتمي إلى جيش الربّ قامت بقتل واغتصاب وخطف مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال في تلك الدول، حيث قُتل عشرات الآلاف خلال عقدين من الزمن، مشيراً إلى أن تواصل ارتكاب "الفظاعات" في تلك المنطقة له أثر على الأمن الإقليمي. وصول الطلائع: وبالفعل وصلت أول طلائع هذه القوات الأمريكية إلى يوغندا الأسبوع الماضي، على أن يتم نشرها بجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، شرط موافقة كل من الدول المضيفة المعنية. ويُلزم قرار أوباما القوات الأمريكية بالمساعدة في مواجهة جماعة متمردة أثارت إدانة دولية لعقود لارتكابها أعمال عنف شملت قطع أجزاء من أجساد الضحايا وخطف فتية صغار لاستخدامهم في القتال وفتيات لاستغلالهن جنسياً. الانتشار الأكبر: وعلى الرغم من احتفاظ الجيش الأمريكي بقاعدة ضخمة في جيبوتي منذ عام 2003، فإن أحدث مهمة تمثل دوراً موسعاً في الصراعات في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء بإفريقيا من خلال الدفع بقوات أمريكية في الميدان لدعم القوات المحلية في القتال المباشر مع المتمردين. ويعتبر هذا الانتشار الأمريكي الأكبر للقوات الأمريكية في المنطقة منذ هزيمتها في الصومال عام 1993م، فيما حرصت الإدارة الأمريكية على توضيح أن الجنود الأمريكيين لن يقاتلوا المتمردين مباشرة، على رغم من أنهم سيتوجهون إلى مناطق مهددة من "جيش الرب للمقاومة"، أحد التنظيمات الأكثر وحشية في العالم، والذي ينشط مقاتلوه منذ 1988 في شمال أوغندا لكنهم تمركزوا في دول مجاورة. وهم متهمون بارتكاب مجازر ضد مدنيين وبتر أعضاء وتجنيد أطفال قسراً في قواته. مهمة محدودة: وبينما أبدى مسئولون أفارقة مخاوفهم من أن تكون المهمة الأمريكية في المنطقة بداية لوجود أمريكي كثيف ومستمر، ويرى محللون أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تعتبر من هزيمتها في الصومال، وصف مسئول كبير في الإدارة الأمريكية إن هذه المهمة ب"المحدودة المدة"، وأنها لن تستمر سوى أشهر. وصرح مسئول بوزارة الدفاع الأمريكية بأن الجزء الأكبر من القوة المؤلفة من نحو 100 عسكري، التي تم إرسالها، هي من القوات الخاصة. وربما تهدف شروط الاشتباك إلى طمأنة الأمريكيين الذين سئموا الحرب بأنه لا ينوي الزج بقوات أمريكية مباشرة في صراع آخر في الوقت الذي تشارك فيه بالفعل في حربين في العراق وأفغانستان وتقوم بدور مساعد في حملة جوية يقودها حلف شمال الأطلسي في ليبيا. وقال السيناتور جون ماكين، المنافس الجمهوري لأوباما في انتخابات الرئاسة في 2008م، إن تشجيع استقرار إفريقيا من خلال تقليص التهديد الذي يشكله جيش الرب للمقاومة هدف وجيه، لكن كان يتعين على أوباما التشاور مع الكونغرس قبل وضع جنود في طريق الأذى. وأضاف ماكين قائلاً: "أشعر بأسف أن هذا لم يُفعل في حالة ما تم إعلانه اليوم من إرسال لقوات أمريكية". ترحيب إفريقي: ووجد نشر القوات الأمريكية، بحجة القضاء على جيش الرب، ترحيباً إفريقياً، واسعاً، فقد رحبت يوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى السبت الماضي، بقرار الولاياتالمتحدة نشر مائة جندي في إفريقيا للمساعدة في التصدي لمتمردي جيش الرب للمقاومة. ونقلت قناة "فرنسا 24" الأخبارية عن القائم بأعمال وزير الخارجية اليوغندي هنري أوكيلو أوريم قوله "إننا نرحب بهذه المبادرة، كنا ننتظرها منذ وقت طويل". واعتبر لامبرت ميندي المتحدث باسم الحكومة الكونغولية أن هذا الجهد الأمريكي يشكل امتداداً لتعاون كانت بدأته الولاياتالمتحدة، وقال "سبق وأن التزمنا تعاوناً بدا لنا مرضياً"، وأضاف أن "الأمر لا يتصل بانتشار هجومي.. إنهم أشخاص سيقدمون خبراتهم إلى القوات الوطنية لهذه الدول، وكذلك على الصعيد الاستخباراتي". وبدوره، أشاد المتحدث باسم جيش جنوب السودان بهذا الانتشار، وقال فيليب أغوير إن "أي دعم لمهاجمة جيش الرب للمقاومة هو مبادرة جيدة". فيما أكد فيلكس كولايجي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوغندية وصول أول دفعة من القوات الأمريكية بالفعل إلى البلاد. الجيش الأكثر وحشية: وأسفرت المعارك خلال العشرين سنة الماضية، بين متمردي جيش الرب والقوات الأوغندية عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى ونزوح حوالي 1.8 مليون آخرين، وذلك، منذ أن بدأ تنظيم "جيش الرب" نشاطه في شمال أوغندا عام 1988، ووسع المتمردون عملياتهم فيما بعد إلى أقصى شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عشرات السنين لتشمل أيضاً إفريقيا الوسطى عام 2008. ويعتبر جيش الرب للمقاومة واحداً من التنظيمات الأكثر وحشية في العالم. وتوقفت المواجهات عام 2006 مع بدء عملية سلام لكن جيش الرب بقي ناشطاً في الدول المجاورة. ورجح المسئول عن منطقة إفريقيا في الجيش الأمريكي الجنرال كارتر هام، الأسبوع الماضي، وجود جوزيف كوني الذي تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في إفريقيا الوسطى. عملية صعبة ومعقدة: ورأى ريتشارد داوني، خبير الشؤون الإفريقية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، أن الأمريكيين بدأوا عملية صعبة ومعقدة جداً حتى إذا لم يشاركوا في المعارك. وقال داوني إن "مقاتلي جيش الرب للمقاومة لم يعد عددهم يتجاوز ال 200 أو 300 شخصاً، لكنهم مقاتلون محنكون وموزعون في مجموعات صغيرة على أرض واسعة جداً، وتسودها الفوضى". وتابع داوني "إن هذه العملية يجب إعدادها بعناية ودقة"، مذكراً بأن الولاياتالمتحدة أرسلت من قبل عشرات المستشارين العسكريين إلى المنطقة في نهاية 2008 لتقديم النصح للجيش الأوغندي، لكن مهمتهم فشلت وفر قادة جيش الرب للمقاومة أو قتلوا آلافاً من المدنيين للانتقام، "لذا يجب أن تشارك الولاياتالمتحدة بشكل أكثر فاعلية هذه المرة". وقال بول رونان، المستشار القانوني في منظمة "ريزولف"، "إن أوباما يبرهن عن قدرات قيادية حاسمة لمساعدة حكومات المنطقة على وضع حد لفظائع جيش الرب للمقاومة". أما جون بيرندرغاست الذي شارك في تأسيس منظمة "إيناف بروجيكت"، فرأى أن "الأمر يحتاج إلى قوات أكثر قدرة تعمل من أجل توقيف كوني، وحماية المدنيين وتعزيز الجانبين الاستخباراتي واللوجستي لإنجاح عمل هذه القوات". حرب العقدين: ويعاني شمال يوغندا من حرب أهلية منذ عشرين عاماً، قادتها مجموعات مختلفة، بينها جيش الرب للمقاومة، الذي يتخذ من أراضي، قبيلة الأشولي، الذين ينتمون لمجموعة القبائل النيلية ويعيش بعضهم في جنوب السودان، منطلقاً له. وتأسس جيش الرب للمقاومة بقيادة جوزيف كوني، كطلع تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً منذ عام 1992م صارت قوات جوزيف كوني تعرف باسم جيش الرب للمقاومة، ولا يعرف عن أهداف هذا الجيش سوى سعيه لإسقاط حكومة يوري موسفيني وإقامة نظام يطبق الوصايا العشر الواردة في الإنجيل. عملية الشمال: وفي بداية انطلاقة جيش الرب قام الجيش الحكومي اليوغندي بعملية كبرى ضده عرفت باسم "عملية الشمال"، تم خلالها تأسيس قوات محلية للدفاع عن النفس زادت من شراسة الحرب ومن معاناة السكان المحليين. وأدى رد الفعل القاسي على العملية من قبل قوات كوني إلى فقدان جيش الرب أغلب الدعم المحلي، فتراجعت قدراته خلال عامي 1992 و1993م. وتصاعدت عمليات جيش الرب خلال عامي 1994 و1995م وارتكب الجيش، الذي يتكون من الأشولي ويفترض أنه يدافع عنهم، انتهاكات فظيعة ضدهم، بالاستناد إلى شعوذة دينية تخلط بين مفاهيم الدين المسيحي والموروثات القبلية الغيبية. ويعتبر عام 1996م الأكثر عنفاً في هذه الحرب، وقد سيطر جيش الرب على الريف نتيجة للمعارك التي جرت فيه. وقدرت بعض المنظمات الدولية عدد الأطفال المختطفين في الأعوام العشرة الماضية ب 25000 طفلاً. الفشل المستمر: وتعتقد الحكومة اليوغندية دائماً بإمكانه إنهاء جيش الرب من خلال القتال، مع أنها تفشل في كل مرة تحاول فيها ذلك، ومع أن السودان ليوغندا بمطاردة جيش الرب داخل الأراضي السودانية،إلا أن كمبالا لم تحرز أي نهاية لجيش الرب. ويرجع محللون فشل الجيش اليوغندي في القضاء على جيش الرب، إلى عدم كفاءة الجيش اليوغندي وافتقاره للمعدات المناسبة. الجنائية تتدخل: وطالبت الحكومة اليوغندية الدول الغربية بمساعدتها للقضاء على جيش الرب. ودعت على مدار العشرين عاماً الماضية حلفائها الأمريكيين والأوروبيين إلى دعمها لمواجهة جيش الرب لأن عناصره تعد إرهابية دولية". وقام موسفيني في ديسمبر 2003م بتحويل قضية جيش الرب للمحكمة الجنائية الدولية، والتقى في يناير 2004م في لندن بالمدعي العام للمحكمة لمناقشة الموضوع. ورأت المحكمة أن هناك أسساً موضوعية للبدء في التحقيق حول ممارسات هذا الجيش. وفي يوليو 2005 أصدرت الغرفة الثانية في المحكمة مذكرات توقيف بحق خمسة من قيادات جيش الرب بينهم جوزيف كوني. وأعلنت المحكمة عن المذكرات في الثالث عشر من مايو في ذات العام. وأشارت إلى إنها تود محاكمة هذه المجموعة للجرائم التي ارتكبتها منذ يوليو 2002م. وبلغت التهم الموجهة إلى جوزيف كوني اثنتين وثلاثين تهمة، بينها تهم تندرج تحت تعريف الجرائم الموجهة ضد الإنسانية، مثل القتل والاغتصاب والمعاملة غير الإنسانية، وأخرى تندرج تحت تعريف جرائم الحرب، مثل الهجوم على المدنيين ومعاملتهم بقسوة والتجنيد القسري للأطفال والاختطاف. ووجهت تهم مماثلة لزملائه الآخرين. التوسع الأمريكي: ولا يستبعد مراقبون أن يكون نشر القوات الأمريكية يأتي في إطار اتجاه أمريكي للسيطرة على القارة الإفريقية، لا سيما أن الولاياتالمتحدة أسست في العام 2008م، ل"القيادة الإفريقية"، أو ما يسمى ب"الأفريكوم"، لكي تكون القارة الإفريقية دائرة حركتها التدريبية واللوجستية والهجومية. وتشمل دائرة تدخل "أفريكوم" المؤلفة من ألف عنصر موزعين على ثلاث قيادات فرعية، كامل القارة الإفريقية، باستثناء بعض المناطق وتتولى "أفريكوم" متابعة تنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والاستقرار في القارة الإفريقية التي كانت وزارة الخارجية تُشرف على تنفيذها. وكان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قد استجاب لضغوط استمرت سنوات في صلب المؤسسة العسكرية الأمريكية، بالإعلان يوم 6 فبراير 2007 عن قرار سبق أن اتُخذ بتكوين مركز مستقل للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا بعدما كانت مرتبطة بقيادة القوات الأمريكية في أوروبا. شكوك وتساؤلات: وبعد هجمات سبتمبر 2001م، اعتبرت الولاياتالمتحدةالأمريكية جيش الرب منظمة إرهابية. وذلك في إطار الحرب الهوجاء التي قادتها ضد الإرهاب، وبعد مرور عقد من الزمان على تلك الهجمات، جاء قرار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بنشر قوات أمريكية في وسط إفريقيا لملاحقة جيش الرب، ليثير القرار الكثير من الشكوك والتساؤلات لدى بعض الأفارقة، بالرغم من الترحيب الواسع بالقرار من قبل يوغندا أو جنوب السودان أو غيرها من المناطق، منذ عشرين عاماً، لا يمكن القضاء عليه إلا من خلال قوات دولية مقتدرة. نقلا عن صحيفة الرائد :18/10/211