جمهورية جنوب السودان ورغم أنه لم يمر على تاريخ إعلان انفصالها أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أنها وُلِدت تعاني بعض الأمراض التي قد تؤدي بها إلى أن تصبح صومال أخرى؛ وذلك من خلال سرد بعض الأحداث التي حدثت وتحدث بالفعل في الدولة الوليدة. أولاً: أفادت بعض التقارير "خاصة بسودان سفاري" أن جنوب السودان ومنذ شهرين يعاني من أزمة طاحنة في الغذاء وتفشِّي المجاعة في كثير من ولايات الدولة الوليدة مما حذا ببعض المواطنين إلى النزوح شمالاً وشرقاً. وتواجه دولة جنوب السودان موقفاً حرجاً وصعباً لم تكن تحسبه وهو إنفجارات تمرد مجموعة من جنرالات الجيش الشعبي –والملاحظ أن هؤلاء القيادات خارج لجيش الشعبي حالياً وهم ثوار من الطراز الأول. أيضاً هنالك بعض الأنباء في الأسبوع المنصرم تحمل أن هنالك تحذيرات مجموعة متمردة في ولاية الوحدة بدولة الجنوب وأنها كانت قد أصدرت بيان شديد اللهجة أعلنت فيه عزمها شن مقاومة وثورة ضد حاكم الولاية تعبان دينق، كما طالبت وكالات الإغاثة الإنسانية بالمغادرة خلال أسبوع حفاظاً على سلامتهم. جيش تحرير جنوب السودان هو جماعة منشقة من ميليشيات الضابط الجنوبي السابق بيتر قاديت الذي انقلب على حلفائه السابقين. وكان بيتر قد وقع على اتفاق وقف إطلاق النار غير المشروط في أغسطس الماضي لكن حركة التمرد الجديدة لجيش تحرير جنوب السودان – رفضت الاتفاق مؤكدة أن قاديت رضخ لإغراءات حكام دولة جنوب السودان. يوليو الماضي كان قد شهد اغتيال قائد جماعة متمردة أخرى في ولاية الوحدة هو قلواك قاي، وذلك بعدما وقّع اتفاقاً مع الجيش لوقف إطلاق النار (جيش تحرير جنب السودان) المجموعة التي أعلنت تمردها بالوحدة شمال دولة جنوب السودان -وحث موظفي وكالات الإغاثة إلى سرعة مغادرة الولاية الغنية بالنفط. التهديدات بالقتال لم تتوقف على الإطلاق إذ هدد متمردوا ولاية الوحدة في جنوب السودان في ابريل الماضي بشن هجمات جديدة على الجيش الجنوبي ما يثير المخاوف حيال مستقبل الإنتاج النفطي في المنطقة خاصةً بعد إجلاء (130) عاملاً في هذا القطاع... أيضاً في خواتيم ابريل الماضي أعلنت ستة فصائل منشقة عن الجيش الشعبي تشكيل حكومة قومية بديلة لحكومة الجنوب الحالية عقب اجتماع مشترك ضم مناديب الفصائل المشار إليها بالجنوب... وترأس الحكومة البديلة المنشق عن جيش جنوب السودان الفريق جورج أطور. وقال أطور أنهم يسعون لتحرير الجنوب من التهميش الذي يعانيه المواطنين في بحر الغزال وجوبا وملكال وميوم. مبيناً أن حكومة الجنوب لم تهتم بالتنمية. معهد الدراسات الأمنية في جمهورية جنوب إفريقيا أصدر تقريراً في أغسطس الماضي حمل عنوان "الديمقراطية ونزع السلاح في جنوب السودان". ويشير الباحث هلو جوا لوو إلى فشل الحركة الشعبية الحاكمة في الدولة الوليدة وتعقيد وتطويل الفترة المحددة لإعادة التسريح والنزع ودمج القوات، مؤكداً بأن الصراعات الأمنية ستتواصل في جنوب السودان وأن المواطنين سيقومون باللجوء للمليشيات المحلية، أو تسليح أنفسهم بهدف توفير الحماية الأمنية لهم ولأسرهم لافتاً إلى أن مسح الأسلحة الصغيرة الذي أجري في فيَينّا في عام 2007م أشار إلى أن هنالك ما بين (1.9) إلى (3.9) ملايين قطعة سلاح متداولة في جنوب السودان وثلث هذه الكمية لدى المواطنين. التقرير الذي سبق الإشارة إليه يتناول مقتل العقيد قلواك قاي إثر انشقاقه على خلفية خلافه مع حكومة الجنوب بعد إدانته للانتخابات على عدد من المناطق في ولاية الوحدة. ويرمي التقرير شكوكاً حول رواية الحكومة وأنه وفقاً لتصريحات جماعة متمردة أخرى في ولاية الوحدة فإن قاي تم اغتياله من قبل الجيش الشعبي التي وقعت معه اتفاقية السلام، وأن أسرة العقيد قاي تتهم الحكومة بالتورط في مقتل قاي وأن بعض الحكوميين لم يكونوا راضين عن منحه لواء في الجيش وبالتالي قاموا بتصفيته. ويؤكد التقرير بأن مقتل العقيد قاي المثير للجدل أدى إلى تصاعد وتوتر وفقدان الثقة بين الحكومة والجماعات المسلحة المتمردة في جنوب السودان وبالتالي منع أي تسوية سياسية مع المتمردين في الجنوب, حيث من المتوقع أن يتعنت قادة التمرد بقبول العروض التي تقدمها الحكومة أو حتى العفو؛ حيث أن التمرد أصبح منتشرا في تسع من ولايات الجنوب، مما أدى إلى مقتل الآلاف من المواطنين. وفي ذات السياق يشير الباحث إلى أن اتساع رقعة التمرد والحركات المسلحة ويؤكد أن الصعوبة الحقيقية والمعقدة لبناء جيش نظامي ودولة ديمقراطية حقيقية في جنوب السودان -خاصة في ظل الصراع بين الجيش الشعبي والسياسيين والمنتقدين في الحركة الشعبية بدولة جنوب السودان الوليدة. من ناحية أخرى انفجار الأوضاع الأمنية أدى إلى احتشاد مئات المواطنين الجنوبيين على الحدود مع السودان خاصة منطقة "ابيي" في محاولة للفرار شمالاً. إذاً الدولة الوليدة أمام العديد من التحديات الداخلية والخارجية وإقامة التوازنات السياسية والأمنية والعسكرية.