حب الوطن من الإيمان كما تقول الحكمة، ولعل ذلك ما أبقى لهيب رغبة الحلفاويين في العودة إليها متقداً زهاء النصف قرن من الزمن، إذ بدءوا يتوافدون إلى حيث واديها القديم، ويشكلون ملامح مدينة جديدة آخذة في النمو والاتساع كل يوم. خرج آخر سكان مدينة حلفا القديمة في شهر يونيو من العام 1964م، بعد أن تلاشت غرقاً أمام أعينهم في تضحية نادرة حيث قبلت الحكومة السودانية إغراق المدينة في بحيرة السد العالي لتتمكن الحكومة المصرية من تشييده وتم تهجير أغلب سكانها النوبيين إلى منطقة حلفاالجديدة بالبطانة شرق السودان. ولكن يدخل إليها اليوم من بوابتها ذات التصاميم النوبية عشرات العائدين باستمرار، بحسب ما ذكره معتمد حلفا أبوبكر محمد عثمان. موظفة حكومية تعمل بمكتب الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس بحلفا قالت "عندما جئت قبل خمس سنوات للعمل بهذه المدنية كان سكانها القلائل يفتحوا لنا، أبواب البيوت الخالية لنختار أيهم نقيم فيه، ولكن الآن ارتفعت أسعار إيجارات المنازل بسبب الزيادة الكبيرة في عدد سكانها ". ويذكر معتمد حلفا أن سكان الوادي جميعاً والمعتمدية حتى العام 1983 كان (135) ألف نسمة، ولكن سكان مدينة حلفا فقط زاد مؤخراً حوالي (5) آلاف مواطن يقيمون فيها كملاك للمنازل أو مستأجرين لها. (سنعيدها سيرتها الأولى) هو الشعار الذي رُفع والتف حوله العائدون إلى حلفا وقراها، والذين يقول المعتمد عنهم إنهم يزيدون بمتوالية معقولة. و وفقاً لما أكد فإن وزارة التخطيط العمراني والإسكان بالولاية وسلطات المحلية وبالتشاور مع المواطنين قد فرغت من تجهيز مخططات الأراضي السكانية والمرافق العامة بمدينة حلفا وقراها وقد التزمت في ذلك بشعار (حلفا تعود بمسمياتها القديمة) الذي وضعه واتفق عليه الجميع . وتسهيلاً لعودة الراغبين واستلام أراضيهم فإن المحلية لا تلتزم حرفياً بالشروط واللوائح الحكومية المنظمة لهذه المصالح بحسب ما ذكره المعتمد . ويضيف " البعض أكثر جدية في العودة والاستقرار والإقامة المستمرة بالمنطقة وهؤلاء يُسلمون أراضيهم فوراً قبل غيرهم، حيث تم تسليم حوالي (414) قطعة أرض، من جملة (1450) قطعة تم تخطيطها ". وقال إن سلطات المحلية في الكثير من الحالات تتيح لبعض المجموعات السكانية، إحداث لمسات أو إضافات عمرانية في مخططات مناطقهم حرصاً على تلبية رغباتهم في توفير المنافع وإضفاء الخصوصية التي كانت تتمتع بها هذه القرى سابقاً حيث يتم التوزيع الداخلي بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني مثل منظمة أشكيت وغيرها. ويستدرك قائلاً: "حلفا الآن مفتوحة لأي حلفاوي ولأي شخص آخر من السودان". وقد بدأ يأتيها بعد إعادة عمرانها العديد من الأشخاص الذين لا تربطهم أية علاقة سابقة بالمنطقة وهؤلاء جميعاُ يساهمون في وضع الملامح الجديدة لمنطقة جديدة اسمها وادي حلفا. ويبين أن معاناة السكان سابقا، التي يمكن قياس طولها بحياة أكبر إنسان في حلفا آثر البقاء في مرتفعات واديها بعد غرقها بدون أي خدمات، قد انتهت إذ تنعم المدينة وسكانها الجدد بكل الخدمات الضرورية المتوفرة في المدن وأهمها مستشفى بعدة تخصصات وخدمات للصحة العلاجية والوقائية والبيئية ، وعدة مدارس أساس يتمتع تلاميذها ببيئة مدرسية متكاملة التأسيس، وأربعة مدارس ثانوية وكلية جامعية ، وشبكة من الطرق الداخلية المعبدة يبلغ طولها (27) كيلومتراً وأخرى قومية تربط الوادي بكل مدن السودان.