تحليل سياسي رئيسي عبرَ بيان صادر عن البيت الأبيض جري تعميمه على الصحف ووكالات الأنباء -الثلاثاء الماضي- طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت باحترام سيادة دولة السودان والكف عن دعم الأنشطة المسلحة التى يقودها متمردون سودانيون ضد الحكومة السودانية فى جنوب كردفان والنيل الازرق. البيان أشار بوضوح الى ان الرئيس أوباما وفى مسعي جاد منه للتأكيد على هذا الطلب ابتعث كل من مبعوثه الخاص الى السودان (برنستون ليمان) ونائب مستشاره للأمن القومي (دينيس ماكدوناوا) الى كل من جوباوالخرطوم وأن المسئولين المبعوثين أبلغا مطلب الرئيس أوباما الى الرئيس كير شفاهة؛ كما أبلغا الخرطوم بقلق واشنطن من أعمال العنف الجارية فى المنطقتين. الجانب الجنوبي -وفقاً لمتابعات (سودان سفاري)- لم يعلق على المطلب الأمريكي، وإن كان الاعتقاد السائد ان جوبا قد استوعبت الامر ووضعته فى الاعتبار، ذلك أن أهمية المطلب لا تقف عند حدود الممارسة الدبلوماسية العادية، إذ يُستشف من خلال طبيعة الوفد الذى جري ابتعاثه ان الرسالة المراد إيصالها ذات أهمية قصوي، فقد كان من الممكن ان يقوم بالمهمة أى دبلوماسي أمريكي عادي بوزارة الخارجية الأمريكية أو عبر الهاتف او عبر الاتصالات المتعارف عليها فى القنوات الدبلوماسية المألوفة او حتى ان يقتصر إيصال الرسالة على المبعوث الخاص الى السودان بحكم خبراته وتحركاته المعروفة فى المنطقة، ولكن جاءت مرافقة نائب مستشار الأمن القومي للمبعوث الخاص لتكون بمثابة تأكيد مهم من جانب الإدارة الأمريكية على مطلبها . كما يُستشف من ذلك ايضاً ان قضية دعم جوبا للناشطين المسلحين ضد الحكومة السودانية أصبحت قضية لها ملف فى مستشارية الأمن القومي الأمريكي، وليس من السهل فى الغالب ان يتحرك مسئولي مستشارية الأمن الأمريكي حيال شأن من الشئون إذا لم يكن هذا الشأن – بحق وحقيقة – له أهميته القصوي لدي واشنطن. على هذا الأساس يمكن القول ان واشنطن بهذا الإجراء المهم لم تقصد وضع (كابح) قوي لجمهورية الجنوب السودان وإيقافها عند حدود الابتعاد عن ما يعكر صفو علاقاتها بالسودان فحسب، ولكن واشنطن – وعلى نحو ضمني واضح – أثبتت فى الوقت نفسه صحة الاتهامات السودانية المتعلقة بدعم حكومة جنوب السودان للمتمردين السودانيين الذين يقاتلون الحكومة السودانية، بحيث قطعت الطريق تماماً على جوبا لإنكار هذه الحقيقة، ولعل هذه النقطة المهمة على وجه الخصوص هي الأكثر وقعاً وأهمية فى الموضوع كله لأنها تحتفظ للسودان بمصداقية كبيرة حيال اتهاماته لحكومة جنوب السودان . صحيح ان واشنطن وفى وقت متزامن مع هذا التطور كانت تستقبل بعضاً من قادة ما يسمي بتحالف جوبا ياي وتجري معهم محادثات، وهو تحالف أسهمت فى تكوينه وإنشائه بصفة رئيسية حكومة جنوب السودان، كما أنه تحالف مسلح هدفه الذى أعلن عنه صراحة هو إسقاط الحكومة السودانية؛ ولكن يمكن الفصل بين المسارين بحيث يكون هدف واشنطن إقلاق الحكومة السودانية باستمرار كنوع من الضغط الذى درجت عليه وفى ذات الوقت إبعاد جوبا – لحساسية العلاقة بينها وبين الخرطوم – عن الامر كله، وهذا راجع فيما يبدو لإدراك واشنطن ان من الضروري حل أزمة دارفور بمعزل عن تدخل حكومة جنوب السودان لأهمية حلحلة قضايا السودان ودولة جنوب السودان بمعزل ايضاً عن ما يجري داخل السودان؛ ولهذا فان وفد تحالف جوبا ياي كما قالت الأنباء دارت محادثاته مع المسئولين الأمريكيين حول أزمة دارفور بصفة حصرية وخاصة، بما يشير الى ان واشنطن ربما عملت أو هى تعمل الآن على إلحاق القوى الرافضة لسلام دارفور بوثيقة الدوحة طلباً للاستقرار والسلام وحتى لا تشوش على القضايا العالقة بين السودان دولة جنوب السودان. خلاصة القول اذن ان واشطن أقرّت بصحة اتهامات السودان لدولة جنوب السودان بدعم الاخيرة لعمل مسلح ضد السودان، ومؤدي ذلك ان واشنطن لا تحبذ هذاالسلوك الجنوبي و تستشعر بمخاطره على الدولة الوليدة، وأنَّ تحالف جوبا ياي – مهما كانت درجة دعمها له – هو فى خاتمة المطاف لا يتعدي الاسلوب الامريكي المعتاد فى ممارسة الضغوط على الحكومات !