من المؤكد أن التصريحات الإعلامية لحكومة الجنوب حول القضايا الاقتصادية المشتركة بين السودان وجنوب السودان لم تتغير ولم تكفِ الفترة الانتقالية المحددة ب 6 سنوات من 2005م حتى 2011م لم تكفِ باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية ليخرج كل الهواء الساخن أو السموم التي بداخلة فبعد انفصال الجنوب يأبى إلا أن يكون (خميرة عكننة) بين البلدين ويبدو أنه لا يريد الأجواء الهادئة أو الوفاقية لذلك دفعت به حكومة الجنوب ليفاوض باسمها في إشارة واضحة أن حكومة الجنوب لا تريد التوصل لحلول عادلة حول القضايا الاقتصادية العالقة ولعل آخر التصريحات المستفزة لباقان أموم ما جاء على لسانة أن (حكومة جنوب السودان مستعدة لدفع 5,4 مليار دولار كتعويض لحكومة الخرطوم عن انفصال الجنوب، مشيراً إلى أن السودان طالب جوبا بدفع 15 مليار جنيه تعويضاً لخسارته جنوب السودان، ولكن باقان أموم قد أيد مقترح الاتحاد الإفريقي بمبلغ 5,4 مليار دولار حسب ما جاء بتقرير صندوق النقد الدولي ويقول باقان أنه قبل دفع أي مبلغ على حكومة الخرطوم أن تضع حداً للمعارك القائمة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث يدور نزاع منذ أشهر بين الجيش ومتمردين جنوبيين. وأضاف “لا نريد تقديم أي دعم لبلد يقتل شعبه") من المؤسف أن صيغة الخطاب الإعلامي لدى باقون أموم لا زالت كما هي ولم تتغير بعد الانفصال حيث إنه لا يقول السودان أو حكومة السودان ولكنه يقول حكومة الخرطوم وكأنه لا يعترف بأن الحكومة الحالية هي حكومة السودان، كما أنه يقرر أن حكومة الجنوب – ولم يقل حكومة جوبا كما يطلق على الحكومة السودانية حكومة الخرطوم – مستعدة لدفع 5,4 مليار دولار كتعويض عن انفصال الجنوب متجاهلاً مطالبة الحكومة السودانية بمبلغ 15 مليار دولار وكأنه يتعامل مع الملف من طرف واحد متجاهلاً وجود طرف آخر وهو وفد حكومة السودان علماً بأن الجزء المستقطع من السودان لا يقيم بالمال وإذا تم تقييمه بالقيمة العادلة لما استطاعت حكومة الجنوب الوفاء به ولم أقصد هنا بالقيمة العادلة أن تقيم موارد الجنوب أو ثرواته ولكنني أعني قيمة وحدة التراب والأرض التي تجمع كل أهل السودان بشماله وجنوبه وشرقه وغربه لذلك يجب أن لا يقرر باقان أموم منفرداً في حجم التعويض حتى وأن كان صندوق النقد الدولي قد حدده بالمبلغ المذكور لأن صندوق النقد الدولي لم يكن بالطرف المحايد فكل المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية تقف بجانب جنوب السودان ضد مصالح الشعب السوداني، والسبب معلوم للجميع .والغريب في الأمر أن باقان أموم يقول قبل دفع أي مبلغ على حكومة الخرطوم - كما يحلو له تسميتها – أن تضع حداً للمعارك القائمة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهو الذي يعلم أن المتمردين مالك عقار وعبدالعزيز الحلو هم الذين أشهروا السلاح وقتلوا الأبرياء، ومن أقوال باقان أموم التي لا يدرك معناها قوله بأن حكومة الجنوب مستعدة لدفع مليارات الدولارات وتقديم النفط بأسعار مخفضة إذا تخلت الخرطوم عن مطالبتها بمنطقة أبيي وبعض المناطق الحدودية، وهو أعلم أنه يطلب المستحيل وفي حديث آخر لباقان يقول فيه إن الجنوب سيدعم اقتصاد الشمال حتى لا ينهار، وبعد كل هذه التصريحات السالبة من باقان أموم تريد حكومة الجنوب أن تتوصل إلى حلول حول القضايا الاقتصادية العالقة مع السودان في رأيي يجب ابعاد باقان أموم عن ملف التفاوض مع السودان وإشراك الاقتصاديين من أبناء الجنوب لمناقشة الملف الاقتصادي كما يجب أن تعلم حكومة الجنوب أن ما يحصل عليه السودان من أموال هو حق وليس منحة أو مكرمة من حكومة الجنوب، فالسودان لديه حق تكاليف نقل صادرات الجنوب من النفط ورسوم العبور ورسوم الموانئ وتكلفة تكرير البترول المستخدم محلياً بالجنوب وكل هذه حقوق مقابل خدمات قدمت بالفعل، كما أن تعويض السودان عن الانفصال هو حق أيضاً ومن الأشياء المتعارف عليها عالمياً بأن تحصل الدولة الأم على تعويض يتوافق وحجم الضرر الناتج عن الانفصال وحتى يعود باقان أموم إلى رشده يجب أن يعلم أن المقارنة بين اقتصاد الدولتين السودان وجنوب السودان ترجح كفة الاقتصاد السوداني بعد أن يأخذ حقوقه كاملة من حكومة الجنوب لذلك فالاقتصاد السوداني هو الذي سيقف مع الاقتصاد الجنوبي حتى لا ينهار لأن الجنوب فقير من حيث الموارد البشرية المؤهلة، ويحتاج إلى الخبرات السودانية وتحديداً في قطاع النفط كما أن النظام المصرفي بالجنوب ضعيف جداً والبنية التحتية منعدمة وكل البنية التحتية الخاصة بقطاع النفط موجودة بالأراضي السودانية كما أن الصرف على التسليح والجيش الشعبي سيلتهم مليارات الدولارات التي يتحدث عنها باقان أموم حيث إن إجمالي الطرق الممهدة بالجنوب لم يتجاوز ال 100 كيلو متر كما أن الجنوب يحتاج إلى المدارس والمستشفيات وخدمة المياه والكهرباء والطرق والفنادق وغيرها من الخدمات الضرورية كما تواجه الجنوب مشكلة استيعاب الأعداد الكبيرة العائدة من السودان، كل ذلك في ظل الاضطرابات الأمنية بعدد من الولاياتالجنوبية علماً بأن كل الأشياء التي ذكرتها لم يعاني منها الاقتصاد السوداني ولو تم الحصول على الحقوق كاملة بالعُملة الأجنبية لحدث استقرار كبير في سعر الصرف وانخفاض لمعدل التضخم مع العلم أن قيمة الجنيه الجنوبي أمام الدولار أقل من قيمة الجنيه السوداني كما أن معدل التضخم بالجنوب ضعفي المعدل بالسودان، لذلك نأمل أن تتغير عقلية الفريق الذي يمثل حكومة جنوب السودان في التفاوض مع السودان برئاسة باقان أموم أو أن تتغير قيادة الفريق وتترك التصريحات حول الملف الاقتصادي للمختصين. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :27/11/2011