أكد الباحثون والأساتذة المشاركون في مؤتمر "العرب والقرن الأفريقي: جدلية الجوار والانتماء" الذي افتتحت أعماله أمس بفندق شيراتون الدوحة - وينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) - على الأهمية الكبرى التي تمثلها منطقة القرن الأفريقي للعالم العربي. وشدد المحاضرون في اليوم الأول من المؤتمر، على القدر الكبير من المكاسب التي يمكن للعالم العربي ولدول القرن الأفريقي أن يجنوها من تعزيز العلاقات بينهما، وتصحيح التشوهات التي تشوبها بفعل ثقل العوامل التاريخية والسياسية وتدخل القوى الغربية الكبرى في المنطقة. وفي افتتاحه لجلسات المؤتمر، أوضح الدكتور عبد الوهاب القصاب الباحث المشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ المركز بادر إلى تنظيم هذا المؤتمر، لسد فجوة خلّفتها قلة الاهتمام البحثي العربي بمنطقة القرن الأفريقي، على الرغم من الموقع الجغرافي المهم الذي تحتله المنطقة في جوار العالم العربي، مضافا إليه البعد التاريخي للعلاقة بين الجانبين. وأضاف القصاب، أن المؤتمر يدخل في سلسلة المؤتمرات التي يعقدها المركز منذ إنشائه في ديسمبر 2010، والتي تتناول علاقات العالم العربي بجوارها الإقليمي، بداية بمؤتمر العرب وإيران ثم العرب وتركيا، وبعدهما مؤتمر القرن الأفريقي. وأحال الكلمة بعده إلى الدكتور النور حمد، وهو أحد المساهمين في التحضير للمؤتمر. إعادة الاعتبار لمكانة العلاقات أثنى الدكتور النور حمد - رئيس قسم التربية الفنية بجامعة قطر - في كلمته الاستهلالية لأعمال المؤتمر، على مبادرة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتنظيم هذا المؤتمر، شاكرا القائمين على تنظيمه والمساهمين فيه، على الجهد الذي بذلوه في جمع عدد كبير من الدارسين والمتخصصين من مختلف المشارب الفكرية والتخصصات الأكاديمية. واعتبر انعقاد المؤتمر تحت هذا المسمى، فتحًا جديدا وبداية مرحلة جديدة في التعامل مع جوانب العلاقة بين القرن الأفريقي والعرب. وأوضح أن أهمية المؤتمر تنبع من أهمية الموضوع الذي يتناوله بالبحث، على اعتبار العلاقات الموغلة في التاريخ بين العالم العربي ومنطقة القرن الأفريقي، ويزيد من أهمية المؤتمر؛ أن منطقة القرن الأفريقي لم تحظ على أهميتها بالاهتمام اللازم في الأدبيات البحثية العربية. ومثلما تكتسي منطقة القرن الأفريقي أهميتها بالنسبة للعالم العربي، فإن العالم العربي مهم - أيضا - بالنسبة لدول القرن الأفريقي لنفس اعتبارات الجوار الجغرافي والتمازج التاريخي وكذا المصالح المشتركة، كما يرى أن تناول هذا الموضوع يصبح ذا أهمية مضاعفة في الوضع الحالي الذي تميزه التحولات العالمية وفي مقدمتها الحراك العربي أو ما يسمى بالربيع العربي. تمازج عبر التاريخ وانكسارات وقد انطلقت أعمال المؤتمر بجلسة تناولت المحور التاريخي في علاقة العرب بالقرن الأفريقي، وقد ترأسها الدكتور سيار الجميل رئيس وحدة الأبحاث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة)، حيث نبه في تمهيده لمداخلات المساهمين في الجلسة إلى أن البعد التاريخي يعد منطلقا جوهريا في فهم العلاقة بين العرب والقرن الأفريقي ويشكل التأسيس لنظرة أكاديمية واقعية لهذا التاريخ المشترك إحدى مقومات النهوض بهذه العلاقة وتطويرها خدمة لمصالح الطرفين. وأوضح أن تاريخ العلاقة بين العرب والقرن الأفريقي شهد مراحل سادها التناغم والاحتكاك الإيجابي مثلما شهد فترات تنازع وصراع بين الجانبين. وكان البروفيسور يوسف فضل، رئيس كرسي الدراسات التركية في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، أول المحاضرين في جلسات المؤتمر عن "بعض ملامح الروابط التاريخية بين الجزيرة العربية والقرن الأفريقي منذ فجر التاريخ حتى مطلع القرن التاسع عشر". واعتبر البروفيسور فضل أن العلاقة بين القرن الأفريقي وشبه جزيرة العرب قديمة، وترجع إلى أكثر من ألفي عام. وأوضح مستوضحا أن التفاعل البشري بين الجانبين تفاعلها البشري كان على عدة مستويات: الاجتماعي والثقافي والاقتصادي،. وتناول وقدم في ورقته استعراضا لأبرز التفاعلات عبر التاريخ هذه المستويات منذ فجر التاريخ حتى القرن التاسع عشر؛ وتضمن ذلك: ومن بينها الهجرات البشرية، والعلاقات التجارية، والمؤثرات الدينية، خاصة انتشار الإسلام والتنافس المسيحي الإسلامي في المنطقة، وتأثير كل من التوسّع البرتغالي، والعلائق التجارية الرأسمالية الحديثة في التواصل بين المنطقتين. وركزت الدراسة حول دول القرن الأفريقي الأربع، وهي: أثيوبيا، الصومال، جيبوتي، وأرتيريا. واتسعت الدراسة في بعض المراحل لتشمل الجزء الشمالي من السودان، وادي النيل والمناطق الساحلية (وما فيها من جزر) من كينيا وتنزانيا. من جانبه أضاء البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، أستاذ شرف تاريخ أفريقيا في جامعة ميسوري في الولاياتالمتحدة: كشف محنة زنجبار يدعم التعايش السلمي، واحدة من النقاط المظلمة في تاريخ العلاقة بين العرب والقرن الأفريقي، واعتبر أن العلاقة بين العرب والقرن الأفريقي اتسمت بمراحل طويلة من التواصل والتآلف لكنها شهدت حالات انقطاع كانت أبرزها وأحدثها في التاريخ المعاصر، واستجلى البروفيسور إبراهيم "مذبحة" العرب في زنجبار التي أوقعتها الذي أنزلته بهم ثورة "الأفارقة" في العاشر من يناير 1964 بقيادة جون أوكولو، وقضت على سلطان العربهم في الجزيرة، وتعقّبتهم قتلا واعتقالا واغتصابا وتهجيرا فيما يوصف في المصطلحات الحديثة بالتصفية العرقية على الهويّة. هكذا مأساة كانت نسيا منسيا. دفعت الباحث من خلال ورقته تدارك إستراتيجية عربيّة ناجعة بهجمة وأوضح أن هذه الثورة العرقية كانت مبنية على أيديولوجية "الزنوجية" أو عنصرية أفريقيا السوداء، وارتكزت في إثارة الأتباع الأفارقة على مناهضة "الرق العربي". ونبه إلى أن الدول العربية لم تع حينها ما حدث فعليا، وسُوّقت هذه الثورة على أنها ثورة ماركسية من الطبقات الكادحة ضد الأرستوقراطية، وتقبلها العالم العربي على هذا الأساس بداية بدعم جمال عبد الناصر لها، في حين أن ما حدث هو بالفعل جريمة إبادة عرقية تعرض لها العرب على يد أتباع جون أوكولو. وأشار الباحث إلى الاعتقاد الخطر السّائد بأنّ العرب غزاة لأفريقيا وجماعة من المستوطنين، يدخل اقتلاعها في باب الثورة وصالح الأعمال. وكانت هذه العقيدة إطارا قلّ التّصريح به في مسألة جنوب السودان. التنافس الدولي على منطقة القرن الأفريقي وتناول بحث الدكتور النور حمد في محاضرته ضمن الجلسة الأولى للمؤتمر في الآثار الممتدّة للحملات الخديوية التوسّعية التي انطلقت من مصر في القرن التاسع عشر نحو جوارها الجنوبيّ في كلٍّ من السودان وإثيوبيا وإريتريا والصّومال، وعلى ما نتج من تلك الحملات من توجّس وإحساس بالريبة، واهتزاز بنقص في الثقة تجاه مصر وسط شعوب هذه البلدان. وقدم نقدا موضوعيا لانطلاق الساسة والنّخب المصرية من الإحساس المطلق بالاستحقاق، ومن الرغبة الصريحة في الاستحواذ. وهي منطلقاتٌ دفعت بالمؤسّسة الخديوية المصرية في القرن التاسع عشر إلى التوسّع في جوارها الجنوبي مستخدمةً القوّة العسكرية، ما تسبب في عجز النخب المصرية، عبر ما يقارب المائة عام، عن أن التتعامل مع الجوانب السلبية السالبة في الإرث الخديوي - العثماني، مشددا على أن النهضة لا تقاس بمعزلٍ عمَّا يصيب عامة الناس منها. فالكولونيالية الأوروبية قد أحدثت، نهضةً وتحديثا في أغلب البلدان التي احتلتها. ولكنها تركت، في نفس الوقت، آثارًا سالبة ممتدّةً كثيرة، ممّا حتّم نشوء الأدبيات الداعية إلى محو آثار الاستعمار. واعتبر الدكتور حمد أن مسار مصر بعد أفول الحضارة الفرعونية اتجه نحو الشمال وتأثر بالحضارات الأوروبية بمعزل عن تطورات الأحداث في النوبة وبلاد السودان، وبقي الانقطاع حتى في فترة الحضارة الاسلامية وبالذات مع قدوم السلطة العثمانية وما تلاها من حملة نابليون وتولي محمد علي باشا حكم مصر، واعتبر أن غيبة مصر عن محيطها الجنوبي تعمّقت في الحقبة الخديوية. ولربما أمكن القول أيضا، إن التراكمات التي نتجت عن غيبتها الفكرية والوجدانية الطويلة، التي جعلتها تتصرف على نحوٍ غير متناغمٍ مع محيطها، هي بعضٌ من التراكمات التي قادت، حين بلغت ذروتها، إلى اندلاع ثورة 25 يناير2011 الشعبية. الجلسة الثانية وخصصت محاضرات الجلسة الثانية من المؤتمر التي ترأسها الأستاذ جمال باروت باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لتناول المحور السياسي الاقتصادي في العلاقة بين القرن الأفريقي والعرب. وقد تناول البروفيسور بيتر ودورد، الذي عمل مستشارا لدى عدة جهات دولية وحكومية في القضايا الأفريقية، قضية المنافسة الدولية في القرن الأفريقي. وأشار إلى أن المنطقة تعد بؤرة توترات على ثلاثة مستويات: المستوى الداخلي والمستوى الإقليمي والدولي. وقدم نماذج عن التوترات التي تنخر القرن الأفريقي بداية بالنزاعات الداخلية مثلما وقع في الصومال والسودان، وبعد نهاية الحرب الباردة طغت نظرية الأمن الإقليمي على علاقات دول القرن الأفريقي، أي أن الأمن القومي لدولة ما يعتمد على الأمن في البلدان المجاورة. فثارت النزاعات فيما بين هذه الدول، فنشبت الحرب بين إثيوبيا والصومال عام 1977 /1978، كما تدخلت إثيوبيا في النزاع الداخلي في السودان من خلال تقديم الدعم للمتمردين في الجنوب. ومن ضمن النزاعات الإقليمية الكبرى في المنطقة أيضا الحرب بين أرتيريا وإثيوبيا. تدخلات أمريكية أما عن تدخل القوى العظمى في القرن الأفريقي، فقد أشار البروفيسور ودورد إلى أن الولاياتالمتحدة الأميركية كان لها تدخلات مباشرة في القرن الأفريقي خلال مرحلة الحرب الباردة وكانت لها علاقات قوية بالإمبراطور هايلي جيبري سيلاسي، وفي المقابل، كان للاتحاد السوفيتي أيضا تدخلاته في الصومال ثم ربط علاقات قوية مع إثيوبيا عندما قررت الولاياتالمتحدة التدخل بقواتها في الأزمة الصومالية، وعلى نفس التبادلي للمواقع بين القوتين كان الاتحاد السوفيتي قد وثق علاقاته ووجوده في السودان قبل أن تنزع الخرطوم إلى الاقتراب من الولاياتالمتحدة بعد انهيار حكم جعفر النميري. والأكيد بحسب البروفيسور ودورد هو أن قطبي الحرب الباردة قد ساهما في تأجيج الصراعات في القرن الإفريقي من خلال تغذيتها بموارد التسليح، وبعد نهاية الحرب الباردة صارت الولاياتالمتحدة أكثر نفوذا في القرن الأفريقي محاولة الوصول إلى إقامة سلام شامل فيها، لكنها عجزت عن ذلك نظرا لأنها رغبت في فرض هيمنتها على المنطقة وتحديد طبيعة التسويات التي ستؤدي إلى إحلال السلام، وهو ما لم تستصغه دول القرن، وقد برز في الفترة الأخيرة فاعلون جدد في المنطقة تتقدمهم الصين والهند وماليزيا من خلال الوجود الاقتصادي الاستثماري في القرن الأفريقي، وأصبحت المصالح التجارية الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية ضئيلة بالمقارنة مع المصالح الصينية، وهو ما غير معادلة التنافس الدولي على المنطقة. وحللت قالت الدكتورة إرما تاديا، أستاذ تاريخ أفريقيا الحديث في جامعة بولونيا في إيطاليا، تداعيات نشوء الدول الجديدة في أفريقيا على دول القرن الأفريقي. وقالت إن القرن الأفريقي يوصف في العقود الأخيرة بأنّه واحدٌ من أشدّ مناطق العالم ابتعاداً عن الاستقرار وخلوّاً من عمليات إحلال السلام، وبناء المؤسسات، وسيرورات التحول الديمقراطي. وتناولت في بحثها موضوع إريتريا، الدولة الجديدة التي وُلِدَتْ سنة 1993، في سياق التطورات السياسية الأخيرة التي شهدها القرن الأفريقي والبلدان المجاورة، وعملية الاستقلال/الحكم الذاتي في كلٍّ من إريتريا 1991، وأرض الصومال 1991، وجنوب السودان 2011. وأشارت إلى التركيز على ما يجري اليوم من جدل بشأن إرث الماضي الاستعماري ودوره في إعادة تأطير دول القرن الأفريقي من الواجب النظر إليه في إطار تاريخيٍّ جامع، والتعامل معها بوصفه حالةً فريدةً بالنظر إلى الأحداث السياسية - التاريخية التي شهدتها أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. القوى الدولية والإقليمية مسؤولة عن حل أزمات المنطقة و قدم البروفيسور ودورد تحليلاً للعلاقة بين التنافس الإقليمي الذي تخوض غماره دول القرن الأفريقي وتنافس الفاعلين الدوليين الآخرين. وذلك من خلال تأثير الحرب الباردة والتنافس بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي على القرن الأفريقي والذي زاد من حدّة نزاعاته الوطنية والإقليمية. ويقول: اشْتُهِرَ القرن الأفريقي بمستويات النزاع فيه. ذلك النزاع الذي خيّم على دول المنطقة منذ أن لحقت بإثيوبيا المناطقُ المحيطة بها خارجةً من ربقة الاستعمار لتغدو دولاً مستقلةً بدءا من خمسينيات القرن العشرين، وكان على جميع هذه الدول أن تعيش نزاعات داخلية في السنوات اللاحقة. تنافس دولي ويختتم ودورد بالقول إنه لطالما كانت الصلات واضحة بين التنافس الدولي والإقليمي في القرن الأفريقي، وثمّة أدوار مهمة تؤديها القوى العظمى خاصةً الولاياتالمتحدة والصين، إلى جانب دول الجوار ومن بينها دول الجزيرة العربية، حيث كانت الدوحة مسرح محادثات دارفور الطويلة. وقد يساهم التعاون الاقتصادي من النوع الذي يربط بين السودان وإثيوبيا في الحدّ من التنافس على الموارد، خاصةً المياه، وفي الحدّ من الإرهاب، ومن التوترات داخل كلّ دولة وبين دول المنطقة على حدٍّ سواء. من جانبها اشارت البروفيسور إجلال رأفت أستاذة الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة،إلى تقاطع المصالح القومية للدول العربية المطلة على البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي. وأشارت إلى أن أهمية القرن الأفريقي حولته لمنطقة نفوذ غربي دائم وأكدت البرفيسور إجلال أن الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، جعلتها دائما محلّ تنافس بين الدول الكبرى في مرحلة الحرب الباردة. ومع بداية النّظام العالمي الجديد في التسعينيات من القرن الماضي، تصاعدت حدّة هذه المنافسة وتعدّدت أطرافها، ولكنّها ظلّت ملعبا للدول الكبرى، وبخاصة الولاياتالمتحدة وفرنسا والمملكة المتّحدة. ولفتت إلى أن القرن الأفريقيّ يعج بالأزمات الخطيرة والمتباينة في طبيعتها وعمقها. فمن انهيار كامل لمؤسسات الدولة في الصومال ومزقته إلى ثلاثة أجزاء، إلى حروب إقليميّة بين بعض دول القرن (أثيوبيا وإريتريا)، وحروب أهلية في أكثر من دولة، أدّت في السودان إلى انشطاره وميلاد دولة جديدة في جنوبه. وقالت: في جوار هذا المشهد يقع البحر الأحمر والدول العربيّة المشاطئة له والمتأثّرة به كدول الخليج العربية، والتي تتّصل تاريخيًّا بشعوب القرن الأفريقي بوشائج ثقافية واجتماعية وسياسية. إسرائيل تسابق العرب في القرن الأفريقي وقد تواصل أعمال المؤتمر في جلسته الثالثة، التي ترأسها الدكتور هشام القروي الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالاستمرار في تحليل المحور السياسي الاقتصادي للعلاقة بين العرب والقرن الأفريقي. وفي هذا أبرزت محاضرة الدكتور محمود محارب، الأستاذ في جامعة القدس، تدخلات إسرائيل في القرن الأفريقي. وأشار في هذا الصدد إلى أن إسرائيل تمكنت بفضل الأهمية التي أولتها لعلاقاتها مع الدول الأفريقية وبفضل التمويل الغربي لنشاطاتها في أفريقيا من إقامة علاقات دبلوماسية مع الغالبية العظمى من الدول الأفريقية في العقدين الأولين من تأسيس إسرائيل. واندفعت إسرائيل في منتصف خمسينيات القرن الماضي إلى إقامة علاقات وطيدة مع إثيوبيا على أرضية المصالح المشتركة بين الدولتين، خاصة مع شروع إسرائيل في بلورة "حلف المحيط" بهدف مواجهة مصر وإفشال مشروعها النهضوي الوحدوي بقيادة الرئيس عبد الناصر. ويوضح الدكتور محارب أن إسرائيل كانت من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إيريتريا. ولقد أولت إسرائيل أهمية قصوى إلى علاقاتها مع إريتريا بعد نيلها الاستقلال. ومن أجل تحقيق أهدافها، بذلت إسرائيل خلال العقود الماضية جهودا كبيرة في إقامة علاقات سرية وعلنية مع دول القرن الأفريقي. تغلغل اسرائيلي وألقت الدكتورة أماني الطويل، مديرة الوحدة الأفريقية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، محاضرة عن الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل في القرن الأفريقي. حيث أبرزت الخصائص المفتاحية للموقع الإستراتيجي للقرن الأفريقي كون دوله تطلّ على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية؛ ومن ثمّ التحكم في طريق التجارة العالمي، خاصّة تجارة النفط الآتية من دول الخليج والمتوجهة إلى أوروبا والولاياتالمتحدة. كما أنه يُعدّ ممرا مهمّا لأيّ تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولاياتالمتحدة في اتّجاه منطقة الخليج العربي. وتوضح الدكتورة أماني أن طبيعة دولة إسرائيل الناشئة في محيط معادٍ، والتي تعتمد على الاستيطان كآليّة للاستمرار والتوسّع، تفاعلت مع معطيات القرن الأفريقي الجيوستراتيجية، ليتم وضع الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية طبقا لعدد من المحددات هي: تحجيم وتحييد القدرات العربية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، دعم متطلبات الأمن المائيّ الإسرائيلي التي تعد عماد استمرار الدولة وتوسّعها، حرية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر كأحد المعطيات المحلية للأمن الإسرائيلي، بما يشمله من توفير المتطلبات العسكرية والاقتصادية لدولة إسرائيل، دعم العلاقات السياسية مع دول القرن الأفريقي بما تمثله من كتلة تصويتية جزئية في المحافل الدولية ضمن الكتلة التصويتية الكلية للقارّة الأفريقية، والتي تصل حاليا إلى 54 دولة. وأخيرا محاربة ومحاصرة قوى الإسلام السياسي التي تعادي إسرائيل من منظور أيديولوجي، وتعتبر أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع وجود وليس صراع حدود فقط. وختمت الدكتورة أزهار الغرباوي، الأستاذة في مركز الدراسات الدولية في جامعة بغداد، الجلسة الثالثة من المؤتمر بمحاضرة عن النموذج الكيني للتغلغل الإسرائيلي في دول القرن الأفريقي. وقالت: لقد أصبَحَ لإسِرائيل اليَوم مُخطّطاتها الواضِحة مِن أجلِ التَغلغُل فِي دول القَرنِ الأفرِيقِي لِتَحقِيقِ أهدافِها المُتَعدِّدة وذلك لِلأهمية الاستراتيجية وَالاقتِصادية والأمنيّة والجيوسِياسية الوَاضِحة التي تَتَمَتّع بِها المنطَقة، لِذلِكَ فإنّ دخول إسرائِيل إلى القارَّة الأفريقية يُمَثِّل رُؤيَة استراتيجية مُخَطَّطا لَها تَقوُم عَلى الهَيمَنَةِ وَالتَوَسع فِي شَرقِ أفريقيا وَمنطَقة البُحَيرات العُظمى، مِن أجل تَحقِيق مُتَطلَّباتِ أمنها وَالذي يَقوُم عَلَى وجُودها الدائم فِي هذِه المنطقة. ويستمر مؤتمر "العرب والقرن الأفريقي: جدلية الجوار والانتماء" الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لمدة ثلاثة أيام، حيث يناقش في جلسات اليوم الثاني المحاور السياسية والاقتصادية والإستراتيجية والأمنية في علاقة العرب بالقرن الأفريقي إضافة إلى المحور الفكري والثقافي والاجتماعي. ويخصص اليوم الثالث من المؤتمر لتعاطي الإعلام العربي مع قضايا القرن الأفريقي .نقلاعن الشرق القطرية 2011-11-28