طالب المتمرد عبد العزيز الحلو مواطني الخرطوم للتظاهر ضد الحكومة السودانية وإسقاطها. الدكتور نافع على نافع مساعد الرئيس السوداني علق على طلب الحلو بأنه تعبير نابع عن حالة يأس تنتاب بالحلو، بعد فشل عملياته العسكرية وإحتمال فقدانه الدعم من دولة جنوب السودان. والواقع ان دعوة الحلو التى يمكن ان نصفها بأنها (جاءت متأخرة جداً) تعترضها عقبات شتي، كل عقبة أعتى وأقسي من الأخري، والأمر بهذه المثابة ليس في حاجة الى شرح وتفصيل ومع ذلك فلا بأس فى نظرنا من قراءة الأجواء المحيطة بهذه الدعوة الموجهة فى التوقيت الخطأ، والى العنوان الخطأ، ومن المرسل الخطأ. فمن حيث التوقيت فإن الدعوة جاءت فى وقت ازدادت فيه نسبة الإصطفاف السياسي الى جانب الحكومة السودانية؛ حيث يشارك الآن أكثر من 15حزباً سياسياً معارضاً فى الحكومة العريضة التى أدت القسم قبل نحو من أسبوع، ولعل أقسي ما فى الموضوع ان رفقاء الحلو سواء فى الحركة الشعبية او فى أحزاب أخري هم ضمن نسيج الحكومة الجديدة. بل إن غالب المراقبين يعتقدون ان الحكومة التى تشكلت حديثاً – بهذا القدر العالي من القوى السياسية ووفق برنامج معلن مسبقاً – ربما كانت أول حكومة تضم فى طياتها هذا الكم الهائل من القوى السياسية فى تاريخ السودان الحديث سواء فى العهود التعددية او غيرها، ومن البديهي ان اصطفافاً وطنياً كهذا لا يوفر مناخاً مواتياً بحال من الأحوال للقيام بتظاهرات سلمية تفضي الى إسقاط الحكومة! أما فيما يخص العنوان الخطأ فمن المؤكد ان الحلو لم يدون العنوان الصحيح على مظروف دعوته والمظروف نفسه لم يكن أنيقاً وقابلاً لإجتذاب المدعوين، ذلك ان الحلو أرسل دعوته الى مواطني الخرطوم! والرجل يعلم ان الخرطوم ليس فيها أنصار ومريدين له، ولو كان الأمر غير ذلك، لما كانت له حاجة فى إطلاق طلقاته الطائشة فى جنوب كردفان؛ كان يكفيه ان يخط دعوته هذه بخط سياسي سلمي أنيق، وفى مظروف ملون ويرسلها الى الخرطوم قبل ان يضع خطته العسكرية الفاشلة التى عُثر عليها فى منزله عقب هروبه، وقد خطها بخط عاثر، كثير التعرجات متداخل الأحرف والكلمات. كان أبلغ دليل على الفشل انه لم يجد الوقت الكافي ليحملها معه فى منفاه هنالك ليجري عليها تعديلاً، أو يعزي بها نفسه او يداريها عن أعين وآذان التاريخ! بل لا نغالي ولا نسخر إن قلنا ان من الغريب حقاً ان يوجه الحلو رسالته هذه الى مواطني الخرطوم ولا يوجهها لأنصاره فى جنوب كردفان! من الضروري ان يميط الحلو اللثام عن سر تحاشيه إدراج دعوته على بريد جنوب كردفان ولا لأنحاء تلودي وكادوقلي والتسعة و تسعين جبلاً (ومن تبقي من الرفاق والمناضلين) هناك! أما كون الدعوة ورادة من المرسل الخطأ، فذلك لأن الحلو – منذ البداية – اختار خياراته، وهى استخدام القوة العسكرية ومنطق فرض الرأى بالقوة. ومن المفروغ منه بهذا الصدد ان الحلو لو كان قد أحرز نجاحاً فى خطته العسكرية وأتيح له السيطرة على الأوضاع ما كان سيهتم بتوجيه هذه الدعوة التظاهرية الى مواطني الخرطوم. كان من المحتم انه سيرسل لهم بدلاً عنها دانات المدافع وطلقات البنادق لتدين له الخرطوم هى الأخري بالقوة. ولعل المفارقة الكبرى هنا أن رجلاً خطط لاغتيال قادة ومواطنين وأصابت رصاصاته الموتورة بني جدلته، يخرج الآن ليطالب بالتظاهر السلمي، فى نقلة لا تحدث فى الأفلام ذات المزيج التراجوكوميدي العالي. إن اقل ما تكشف عنه دعوة الحلو هذه، بخلاف حالة الضعف والبؤس واليأس – وهى معطيات حقيقية ماثلة – هى انتهازية الرجل الذى صار كل طموحه وأحلامه تدور حول ان يتولي مواطنو الخرطوم القيام بواجب إسقاط الحكومة سلمياً لأجله ونيابة عنه ولما بذله من دم وعرق ونضال.. فى أصقاع دولة الجنوب، وبين تجاويف الكهوف في الجبال! لقد أصبح هذا هو ما بات يحلو للحلو.