عندما تهبُ رياح التغيير خصوصاً فيما يتعلق بالتغييرات السياسية فإنها لا تنحصر فقط في تغيير النظام، ناهيك أن يستشعر هذا التغيير الشباب ويسعون لتحقيق مطالبهم وإن كان هذا خصماً على المؤسسية، وفي المرحلة الأخيرة بدأت كافة المكونات الشبابية في بلورة رؤية واضحة تجاه التغيير بمختلف أشكاله ومن هذه الزاوية فقد بدأ الشباب في رسم خارطة طريق لثوراتهم التغيرية ليست ضد النظام فقط بل ضد أحزابهم ومبادئها أو سياساتها التي لا تتوافق وتطلعات الشباب، ابتداءً برفض شباب الحزب الاتحادي الأصل لمشاركة حزبهم في الحكومة وليس انتهاءً بتحالف تيارات شباب حزب الأمة القومي كافة لتكوين تيار مُناهِض للأمانة العامة وما ينتج عنها حتى من كيانات شبابية موالية لسياسات الحزب الساعية لمولاة الحكومة بحسب مراقبين، وقد سيطرت قضية شباب حزب الأمة (تيار الانتفاضة) على المسرح السياسي في الأيام الماضية بوضعهم خطة واضحة بعيداً عما تقره مؤسستهم وقد توحدت كل تيارات الحزب الشبابية وسموا أنفسهم بتيار الانتفاضة ليخرجوا برؤية واضحة تبنت في البدء الانتفاضة الشعبية والثورة الجماهيرية رافضين الاعتراف بأمانة الحزب العامة وما نتج عنه من مؤتمر تداولي يخص الشباب مستهجنين الوضع داخل كل مؤسسات الحزب وموالاته للنظام. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فقد أقروا أن معركتهم مع النظام لا مع المؤسسات رغم عدم اعترافهم بما تقوم به مؤسستهم متمثلة في الأمانة العامة التي قالوا إنها تسعى لتمرير أجندة المؤتمر الوطني لجرهم لصراعات داخلية يرفضونها تماماً، وفي سياق رفضهم لما تقوم به المؤسسة التي تمثلهم أكدوا أنهم مستعدون للتحالف مع كل القوى السياسية التي تعمل في نفس أهدافهم ويدعمون كل التيارات التي ترى أن الوسائل السلمية غير كافية لاقتلاع الحقوق وذلك دون اللجوء لمؤسسات الحزب، جاء ذلك في اجتماعهم بدار الحزب بولاية الجزيرة لتنزيل رؤيتهم على الولايات، والمثير أن رؤية شباب الأمة وجدت تأييداً من قيادات الحزب بالولاية وبعض أعضاء المكتب السياسي من المركز، مجمل هذا تجئ قراءته بحسب الكاتب علاء الدين الدفينة في خِضم الصراع السياسي داخل الحزب وعدوله عن الأجندة الوطنية وموقف الشباب يجئ مدعوماً من بعض قيادات الداخل وقيادات الحزب بدول المهجر التي ظلت رافضة لما يقوم به الحزب من موالاة صارِخة، هذا ليس بعيداً عن حِراك الشباب السائد لتحقيق مطالبهم من داخل كياناتهم أولاً واستعادة وزنهم بداخلها لمواجهة النظام وحِراك شباب الأمُة خصوصاً مؤشر لتغيير يختلف تماماً حتى عما يدور في المنطقة المجاورة.. و في تحليل للحِراك الشبابي ككل وانتفاضة شباب حزب الأمة ضد حزبهم يرى المُحلل السياسي دكتور عبد الرحيم بِلال أن جانِب الحِراك الشبابي هو موجود ومُعترف به ويضيف: إلا أن هذا الحِراك بدأ يظهر بداخِل الأحزاب السياسية لكن يبقى التساؤل: هل هو حِراك إصلاحي داخل الحِزب أم حِراك خارجه؟ وإن كان هذا الحِراك خارج الحِزب فهذا بالتأكيد لا يتوافق مع السياسات الحزبية ولا يصب في مصلحة الشباب بمعنى أنهم من غير الموضوعي العمل خارِج المؤسسية، يمكنهم الحِراك خارج أحزابهم وبتحالفات شبابية عريضة تتوافق على أن هدفهم مطالب الشباب، وتبقى هذه أيضاً مشكلة؛ لأن الأحزاب دوماً ما تسعى لإلزام الشباب بالمؤسسية حتى، وإن كانت هذه المؤسسة لا تلبي تطلعاتهم، ويبقى التحدي مدى مقدرة الشباب لخوض صراع التغيير هذا من داخل مؤسساتهم الحزبية أو خارجها بما يرونه هُم، وأعتقد أن لجوء شباب الأحزاب لتكوين تحالفات شبابية ينصبُ في مصلحتهم ومصلحة أحزابهم وبهذا يجبرون أحزابهم للرضوخ لمطالبهم، ويبقى الرهان مقدرة الشباب وموافقة الأحزاب على قيام هذه التحالفات وهنا يجئ دور المراكز – المؤسسات والمُنظمات الشبابية في تأهيل الشباب من مختلف المكونات الشبابية بخلق جسور تواصل بينهم وهذا بدوره يساعِد على تبلور كُتلة سياسية حية لا تُقلِل من دور الأحزاب لكن تساعد هذه الكيانات في الالتفات لقضايا الشباب ومحاولة مُعالجتها وإعطاءهم وزنهم الحقيقي وإلا ستبرز مثل هذه الكيانات الرافِضة لسياسات أحزابها. من جهته بدا المُحلل الأكاديمي دكتور صلاح الدومة مُسانداً لموقف الشباب والدافع الذي حركهم ليقول: بالأساس فإن أي تمرُد في تاريخ البشرية يعني وجود خلل في داخل المؤسسة أو الجِهة التي تقود هذا التمرد أياً كان مساره، ما يعني أنه لا يأتي عفوياً وإن فرضنا جدلاً وجود مؤامرة فإن كل طرف سينظم مصوغاته التي قادته لذلك، لكن بالنسبة لقضية شباب حزب الأمة القومي تبقى القضية حقيقة وواقع يعكس بوضوح ما يحدث بالداخل بحيثياته ومُسبباته، وهذا من شأنه أن يسري على كل الأحزاب السودانية الموالية والمعارضة منها، لذلك كان من المُفترض أن تستشعر الأحزاب المسئولية تجاه قضايا الشباب من كوادرها والشباب عموماً، لكن نجد أن قيادات الأحزاب خنعت لذاتها بالسعي لتحقيق مصالحها الذاتية على حساب المصالح الوطنية؛ ولأن الشباب أصدق الناس، ولا يعرفون الحلول الرمادية لذلك تجدهم ينتقدون وبقوة سياسات أحزابهم التي تهدف لتحقيق مصالح ذاتية ليس أولهم شباب حزب الأمة فقد سبقهم شباب الحزب الاتحادي الأصل وحتى شباب المؤتمر الوطني وما قدموه من مذكرات تؤكد الانتفاضة على حزبهم، كل هذا يُدلِل على أن الشباب بدأ ينتفِض ضد الحزب الحاكم والأحزاب التي تُواليه وأيضاً فإن انتفاضة الشباب ضد أحزابهم ليس بعيداً عن بقية الدول التي قاد مظاهراتها وثوراتها الشباب وليس الأحزاب،ٍ ما يعني أن الشباب في كل المُجتمع هُم من يقودون التغيير ومن بعد ذلك تتبعهم بقية الكيانات وهذه هي الطبيعة غير الدلائل الكثيرة على أن هنالك ثورة قادمة ستزيل الطُغاة سيقودها الشباب ولا أحد غيرهم.. نقلا عن صحيفة الأخبار السودانية 23/1/2012م