في الوقت الذي تجتهد فيه الوساطة الافريقية بغية الوصول لمعادلة سياسية تمكنها من تقريب وجهات النظر بين الخرطوموجوبا فيما يتعلق بالقضايا المتبقية من اتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين مما أثمر ورغم تجاوزات دولة الجنوب وإعتداءاتها المتكررة على الحدود السودانية عن اتفاق وفدي السودان ودولة الجنوب لمفاوضات أديس أبابا على ست نقاط، منها الوقف الفوري لإطلاق النار، وتأمين الحدود ومناطق البترول وعدم التصعيد الإعلامي، وتكوين آلية من الاتحاد الأفريقي لمراقبة نشوب أي توترات بين الجانبين. في هذه الاثناء تأبى جوبا غير (تسميم) جهود الوساطة الأفريقية لدفع المفاوضات صوب حافة الانهيار مرة أخرى..وأمس الأربعاء وفي مسعاها لذلك أعربت حكومة جنوب السودان عن استيائها بشأن دور وساطة الاتحاد الأفريقي التي يترأسها الرئيس السابق لجنوب أفريقيا ثابو أمبيكي، مطالبة في الوقت ذاته منظمة الإيقاد التدخل في عملية الوساطة بين السودان وجنوب السودان لحل القضايا المتبقية. وأرسلت حكومة جنوب السودان وفداً رفيع المستوى إلى نيروبي طلباً لمساعدة الحكومة الكينية في حل الأزمة الحدودية طبقاً لما نقله موقع سودان تربيون الأربعاء. وترأس وفد حكومة الجنوب مدير مكتب سلفاكير إيمانويل لويلا ووزير الإعلام برنابا ماريل بنجامين. فيما أكّد رئيس الوزراء الكيني رايلا اودينغا حتمية تدخل بلاده لاحتواء الأعمال العدائية بين السودان وجنوب السودان قبل أن تستفحل إلى حرب شاملة. وقال إن حكومته تشعر بالقلق إزاء تصعيد التوتر بين البلدين. وحذر اودينغا خلال لقائه الوفد من مغبة نشوب حرب أخرى واسعة النطاق بين الخرطوموجوبا وقال إنها ستخلق تحديات أمنية وإنسانية هائلة في المنطقة. في وقت أغلقت فيه الحكومة السودانية الباب أمام أي اتجاه لنقل المفاوضات إلى كينيا.وبالمقابل فإن المراقب لملف التفاوض بين البلدين يلحظ ثقة الخرطوم المتناهية في وساطة الاتحاد الأفريقي برئاسة ثامبو أمبيكي، فالخرطوم تثق في جهود وساطة أمبيكي إلا إذا كان الطرف الآخر ليس لديه الثقة. والبت السوداني في المقترح الجنوبي رسمياً سيؤجل لحين عودة الوفد الحكومي إلى الخرطوم. وفي السياق نقل وزير الإعلام بحكومة الجنوب في مؤتمر صحفي في نيروبي عقب اجتماعه مع رئيس الوزراء الكيني استياء حكومته من الوساطة برمتها فضلاً عن استيائها من تقرير الاتحاد الأفريقي إلى مجلس الأمن الدولي حول الاشتباكات الحدودية التي وقعت مؤخراً. وشدد على تولي منظمة «الإيقاد» للوساطة، حال فشل وساطة الاتحاد الأفريقي في إنجاح العملية. واشتكى بنيامين من عدم تدخل الاتحاد الأفريقي لإدانة الجيش السوداني في قصفه لمناطق بالجنوب على حد قوله. ونشطت الوساطة الأفريقية الثلاثاء برئاسة ثامبو أمبيكي ورئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي في عقد لقاءات بوفدي حكومة السودان ودولة السودان بأديس أبابا لتجسير هوة الخلافات وصولاً إلى صيغة مشتركة تمهد للتوقيع على اتفاق وقف العدائيات، وقالت تقارير صادرة من أديس أبابا إن الطرفين فشلا في التوصل إلى نتائج إيجابية كانت أم سلبية وتوقعت انتهاء جولة التفاوض اليوم. ونقل موفد قناة الشروق إلى أديس أبابا أن الطرفين اتفقا على ست نقاط تكون موضعاً للبحث التفصيلي وهي الوقف الفوري لإطلاق النار وتأمين الحدود ومناطق البترول وعدم التصعيد إعلامياً وتكوين آلية أفريقية لمراقبة الخروقات. وأشارت الشروق إلى أن الخلاف يتمثل في دعم المتمردين في البلدين وأضافت أن اجتماعاً مشتركاً سيضم الآلية الأفريقية إلى الجانبين خلال الساعات المقبلة. وكانت اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية بين وفدي السودان ودولة الجنوب تواصلت في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا لليوم الثالث بحضور الآلية الافريقية برئاسة ثامبو أمبيكي وبحثت الاجتماعات مقترحات وفدي البلدين بشأن وقف التوترات الأمنية والتهدئة، وأفادت مصادر أن الطرفين اتفقا على تكوين آلية رفيعة المستوى لمراقبة التوترات ومنع حدوث الاحتكاكات ومنع إطلاق النار بالحدود بين البلدين، وبرزت نقاط خلافية بين الطرفين فيما يتعلق بالاتهامات بشأن دعم كل دولة للتمرد ضد الأخرى، فيما دخل الوسيط الافريقي ثامبو أمبيكى في اجتماعات منفصلة مع كل طرف على حده لتقريب وجهات النظر في بعض النقاط الخلافية. ومع تشديد الخرطوم على التركيز على الجانب الأمني باعتباره أولوية قصوى في المحادثات الجارية بينها وبين جوبا تشير القرائن بأنه من الصعب القول أن بالإمكان الحصول على تعهدات قاطعة من الحكومة الجنوبية بالكف عن الاعتداء على حدود السودان ودعم المتمردين السودانيين الذين ينشطون ضد الحكومة السودانية سواء في دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق. فالمعضلة الحقيقية التي ظلت ولا تزال حاضرة في علاقات الدولتين أن جوبا غير قادرة – سواء لارتباطها بأجندات قوى كبرى، أو لأسباب تكتيكية تتصل بذهنية قادة الحركة الشعبية المليئة بالهواجس والمرارات وترسبات الماضي على فك ارتباطها بالمتمردين السودانيين.وهناك عشرات الشواهد على ذلك أن جوبا لا ترى طريقة مثلى لعلاقاتها مع السودان إلا عبر التوترات المستمرة والسعي لخلخلة بنيان الدولة السودانية – ولعل هنا، وقبل أن نسترسل في هذا الجانب – يكمن خطأ استراتيجي كبير لقوى المعارضة السودانية التي نجحت الحركة الشعبية في الإيحاء لها أن أزمتها فقط مع المؤتمر الوطني الحاكم. التكتيك الجنوبي قائم على الثأر لأقصي مدي ممكن من الدولة السودانية جراء الحرب الطويلة التي امتدت لما يقارب النصف قرن بصرف النظر عن نظام الحكم القائم وبصرف النظر عن ابتعاد جوبا أو اقترابها منه . والشواهد تقول إن الأوضاع الآن بين الدولتين - رغم التوقيع على النقاط الست يوم الثلاثاء - عادت للمربع الأول مربع الحرب - وبات كل طرف متشدد بالإتفاق الذي نسف فضلاً عن أن الحرب القادمة ستكون حرب عصابات ، لذا يرى بعض مراقبين للشأن السوداني ضرورة جلوس الطرفين لمناقشة إيجاد ضمانات دولية لتشمل كافة الجوانب المتعلقة بالجوانب الأمنية ثم بعد الملفات الأخرى ..محذرين من الخسارة المتكررة للطرفين في حال إستمرار الحرب لأن هناك إقتصاديات تتأثر وقد لا تتأثر بها دولة الجنوب كما يتاثر بها السودان وبالتالي سيصبح الموقف كارثياً والمشكلة سيكون هناك إستنزاف مع الحرب. عموماً فإن ما يجري على حدود السودان وجنوب السودان هو شرارة حرب قادمة لا محالة أطلقت جوبا طلقتها الأولى وهي حرب وكالة من نوع فريد، حيث يحارب جنوب السودان وكالة عن واشنطن وإسرائيل، وتحارب ما يسمى الجبهة الثورية وكالة عن حكومة جنوب السودان، غير أن الأمر ربما يتطور ويخرج عن السيطرة وتتحول الحرب إلى حرب شاملة وذلك بعد أن بدأ صبر الخرطوم في النفاذ إذن فالخرطوم ذاهبه في لجوئها لخيار من المحتم أنه سيضع العديد من الأمور فى نصابها! عموماً وفي حين لا يتوقع أن ترسي سفينة المفاوضات بين الطرفين، والتي ترعاها لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى، بقيادة ثامبو أمبيكي، على بر يتجاوزا فيه خلافاتهما، نسبة لصعوبة وتعقيدات القضايا محل التفاوض، إلا أن بعض المراقبين ينتظرون ، أن تخرج الجولة الحالية بتأكيد والتزام الطرفين بمواصلة الحوار كوسيلة وحيدة لحل القضايا المتبقية، مع الاتفاق على جدولة محددة لبحث مختلف الملفات، لكن مع ذلك من المؤمل أن يشهد ملف الخلافات بشأن البترول تقدماً على أثر المقترحات المحددة التي عكف المسئولون في كل من الخرطوموجوبا على دراستها خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى الوساطة التي قادتها الصين للوصول إلى تسوية حول القضية. ومع ذلك فإن محللين يستبعدون أن تثمر المفاوضات الحالية، عن نتائج سريعة أو عاجلة، وذلك استناداً إلى تجربة الآلية الأفريقية بقيادة ثامبو أمبيكي، حيث ظل الرجل لشهور يمشي ما بين الخرطوموجوبا، حاملاً مقترحات مرة وأفكار مرة أخرى.. دون أن يسقط غرسه ثمرة واحدة.. نقلا عن صحيفة الرائد5/4/2012