الاستراتيجية الجديدة التي كشف عنها البيت الأبيض حول تطوير الجيش الأمريكي لقدراته وتجهيزاته في القارة الأفريقية من خلال تنفيذ مزيد من العمليات العسكرية السرية في إفريقيا، تشير إلي أن الولاياتالمتحدة أصبحت تنتهج أسلوبا جديدا في سياستها الخارجية في القارة السمراء, كما تعد بمثابة ثورة استخباراتية تتخطي بها وكالة المخابرات الأمريكية سي.آي.ايه كل الحدود المتعارف عليها في العمليات الاستخباراتية الخارجية في العالم أجمع. فالمشروع يتضمن التوسع في العمليات العسكرية السرية في القارة السمراء من خلال إنشاء شبكة من القواعد الجوية السرية للمساعدة في العمليات الخاصة والتوسع في عمليات التجسس, والحجة الأمريكية هي التصدي للجماعات المسلحة التي تنتمي لفكر تنظيم القاعدة وتتسبب في عمليات إرهابية في القارة السمراء حسب صحيفة واشنطن بوست. والحقيقة أن التوجه الأمريكي الجديد جاء بعد عمليات الاختطاف التي قامت بها جماعات مسلحة في موريتانيا مع التوسع الملحوظ لنفوذ جماعة بوكو حرام, في نيجيريا ومسئوليتها عن مجموعة من التفجيرات هناك, وجاء علي رأس ذلك ما حدث من إنقلاب عسكري في مالي ومحاولة أحدي الجماعات المسلحة في شمال البلاد إعلان استقلال شمال مالي عن بقية البلاد. وتزامنت تلك التطورات مع استمرار مخاطر بعض الجماعات المسلحة في الصومال وأوغندا. ورغم كل هذه التطورات إلا أن تفاصيل المشروع تكشف أيضا عن تطورات خطيرة, فالقواعد العسكرية الأمريكية أصبحت تطال كل مكان تقريبا في القارة الأفريقية, فالقواعد الجوية الأمريكية السرية تمتد من بوريكينا فاسو وجيبوتي واثيوبيا إلي وسط إفريقيا وحتي جنوب السودان وأوغندا, الأمر الذي يشير إلي أن الأيادي الأمريكية تتوغل بشكل غير مسبوق في افريقيا بحجة مكافحة الإرهاب. وحتي نوعية الأسلحة المستخدمة عالية التقنية وليست فقط طائرات مقاتلة وإنما أيضا طائرات بدون طيار بعيدة المدي كالمستخدمة في باكستان وأفغانستان. والمشروع الأمريكي للتجسس علي الجماعات المسلحة في إفريقيا لايتضمن فقط إنشاء قواعد جوية فقط واستخدام طائرات مراقبة وتجسس وأخري هجومية بدون طيار وإنما أيضا الاعتماد علي شركات أمن خاصة للبحث عن المطلوبين, كالتي تعمل علي البحث عن كوني زعيم جيش الرب المطارد في القارة السمراء. وما يثير الاهتمام أيضا حول هذا المشروع تصريحات الجنرال هام قائد القوات الأمريكية في إفريقيا أم الكونجرس في مارس الماضي, والتي قال فيها إن واشنطن تبدي اهتماما خاصا بالقواعد الجوية التي تسعي لإنشائها في جنوب السودان, خاصة في ظل التوترات بين شمال السودان وجنوبه. فهذه التصريحات تكشف أن مكافحة الإرهاب ما هي إلا حجة وأن العمليات السرية لا تسعي فقط لتعقب القاعدة والجماعات المتعاطفة معها بل أيضا دخول الأيادي الأمريكية بشكل أكثر فاعلية في المشكلات الإفريقية, الأمر الذي يعني وجود نفوذ أمريكي أكثر توغلا في القارة السمراء يصل لحد استخدام السلاح إذا تطلب الأمر لحسم المشكلات التي تعاني منها القارة بين الحين والآخر. كما يعني هذا أيضا أن أسلوب السياسة الخارجية الأمريكية قد تغير في التعامل مع القارة السمراء وأصبحت تستخدم أسلوب الدبلوماسية العسكرية في التعامل مع إفريقيا. وتلك التحولات التي تشهدها الاستراتيجية الأمريكية في إفريقيا تعطي أيضا رسائل مباشرة للقوي الأخري التي تسعي للسيطرة علي ما تزخر به القارة من ثروات طبيعية مثل البترول والمعادن النفيسة والمتمثلة في الصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية, حيث من الواضح أن واشنطن تسعي من تلك الرسائل أن تقول أننا موجودون ولن نتخلي عن مصالحنا في إفريقيا ولن ترك لكم الكعكة لتأكلوها وحدكم. وهذا الأسلوب ليس جديدا علي واشنطن فهي تستخدم تلك الاستراتيجية في المناطق التي توجد فيها الثروات الطبيعية مثل البترول والمعادن الأخري الهامة, فالنفوذ الأمريكي قريب دائما من مناطق الثروة وإفريقيا تزخر بثروات ومواد خام لايمكن أن تظل واشنطن بعيدة عنها. وبناء علي ما تقدم فإن المشروع الأمريكي الجديد في إفريقيا يسير علي قدم وساق وأهدافه ليست فقط مكافحة الإرهاب وإنما توجد أهداف أخري ورسائل مختلفة تبعث بها واشنطن من خلال هذا المشروع. المصدر: الاهرام 24/6/2012م