حالة من التوجس والتشكك تنتاب النخب السودان.. تجاه ما تبديه هذه الأيام الولاياتالمتحدةالأمريكية من "غزل" تجاه السودان.. المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان برينستون ليمان أبدى في الأسبوع الماضي مشاعر جزلة وحميمية نادرة تجاه السوداني، ومع ذلك لم تزل حالة عدم ثقة المواطن السوداني في الأهداف الأميركية.. المتفائلون ينتظرون موقفاً أمريكيا جديداً تجاه السودان؟ صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية واسعة الانتشار وعميقة التأثير أفردت حيزاً معتبراً من صفحاتها غالية الثمن، أشارت فيه إلى أن واشنطن تسعى لإصلاح وتحسين علاقاتها بالسودان.. واشنطن نفسها جددت قبل يومين فقط بقاء السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب المزعوم مع كل ما يستتبع ذلك من حظر ومقاطعة اقتصادية يشمل حتى كثير من التعاملات على شبكة الإنترنت.. لقد قارب بقاء السودان في هذه القائمة عشرين عاماً عجافاً أي منذ العام 1993م.. فماذا وراء الأكمة الأمريكية؟ تقول العرب (وراء الأكمة ما وراءها)، وهي مقولة ذهبت مثلا في إفشاء المرء على نفسه أمر مستور.. واشنطن اشترطت لتحسين العلاقات – حسب صحيفة واشنطن تايمز - قيام الخرطوم بتبني الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في البلاد!! واشنطن علاقاتها قوية ومتينة مع بعض الدول التي لا تتبنى الديمقراطية وتنتهك حقوق الإنسان وفقاً للمعايير الأمريكية!! برينستون ليمان أعرب في حديث له في المجلس الأطلسي - وهو مركز أبحاث يعنى بالسياسة الخارجية - عما وصفها بمشاعر الحزن إزاء توتر علاقات بلاده مع السودان.. التجارب تعضد اعتقاد الكثيرين بأن أمريكا عندما تريد سوءًا بأحد تسبق فعلتها الغادرة بكل ما يجمّل صورتها ويخفي نواياها الحقيقية.. في أحسن الأحوال تظل مثل هذه (المشاعر) استهلاكاً دبلوماسياً و(طق حنك) لا أكثر ولا أقل.. سكوت غرايشون المبعوث الأمريكي الأسبق كان الأكثر (حميمية) حتى أن وزارة الخارجية كادت أن تنشد فيه شعراً مدحاً وتغزلاً.. حينها، في أبريل من العام 2009م تساءلنا عن ماذا وراء تصريحات المبعوث الأمريكي الجديد؟! حين قال وهو جنرال سابق بالجيش الأمريكي في أول زيارة له للخرطوم بعد تعيينه مبعوثاً: (نبسط أيادينا بالصداقة والتعاون مع الحكومة السودانية لأننا نحب السودان وشعبه)!! لقد أحسنا الظن وقتها وقلنا ربما كان الموقف الأمريكي الجديد ناتجا عن سياسة واقعية لإدارة الرئيس باراك أوباما، قائمة على قناعة متنامية بتراجع القوة الأمريكية وفشل النهج العسكري في إخضاع الشعوب كما هو حاصل في أفغانستان والعراق، كما أن ذلك تنزيل لما وعد به أوباما من فتح صفحة جديدة تجاه العالم الإسلامي في أول خطاب له بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية في ذلك العام.. لكن تغييراً ملموساً لم يبد من الدولة العظمى وبقيت حالة التربص بالسودان سيدة الموقف.. بعد أكثر من عام أي في يوليو 2010، عندما حان أجل استفتاء جنوب السودان خرجت علينا وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تقول: (إن الباب مفتوح أمام السودان لتحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة)!! مسؤولون أمريكيون فسروا ذلك بأنه (جزرة) للسودان لضمان قيام استفتاء (بأي شكل وكيف ما يكون) المهم أن يفضي إلى انفصال!! لكن مسؤولينا تجاهلوا ذلك وصدقوا (كلينتون)، وبعدها جاءنا جون كيري عضو الكونجرس في زيارات مكوكية يوزع الابتسامات والكلمات المعسولة حتى صادقت حكومة على إجراء الاستفتاء دون التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود، أي أن الاستفتاء أجري على قطعة أرض غير معلومة الحدود، ولذا تخرج علينا جوبا كل يوم بخريطة جديدة فيها ما فيها من المزاعم والادعاءات على حساب أراضينا التي استبيحت.. ما يزيد شكوكنا بشأن (حزن) ليمان أن السودان في أضعف حالاته وتهتز الأرض من تحت الحكومة فما الذي يجعل واشنطن (تغازل) الخرطوم الغارقة في وحل أزمتها الاقتصادية وانسداد أفق الحلول السياسية؟! إستراتيجية واشنطن التي نعلمها هي إسقاط نظام الحكم ولا شيء غير ذلك.. (اليوم) يتزامن (غزل) الولاياتالمتحدة تجاه السودان مع مساعي توقيع اتفاق نفطي بين الخرطوموجوبا متجاوزين القضايا الأمنية التي كانت تصر الخرطوم على حلها أولاً.. واشنطن حثت الدول الغنية على مساعدة السودان من خلال دفع مبلغ (3) مليارات دولار تضمنها مشروع الاتفاق كتعويض للخرطوم.. الخرطوم طمعت أكثر عندما (أبهرتها) مساع واشنطن، مما دعاها لحث واشنطن على رفع العقوبات الاقتصادية على السودان.. ما يحير عدم تنبه الخرطوم لحيل واشنطن التي لن تكون يوما صديقة أو داعمة لها. المصدر: الشرق القطرية 12/8/2012م