أغلب الظن ان الخطوة الفاقدة اللون والطعم الرائحة التى أقدم عليها حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي مؤخراً بتوقيعه على إتفاق مع حركة ميناوي لم يُعرف بعد هدفها ولا معطياتها ولا حتى الداعي لها هى التى تسبّبت فى دفع الحزب -تحت وطأة الحرج السياسي- لتنظيم مؤتمر سلام قِيل إنَّ هدفه الجمع بين الأحزاب والحركات المسلحة. وكأنّي بالحزب -بهذه الخطوة- يود إلصاق قدر من الطين والوحل السياسي الذى علق بثيابه فى كمبالا ببقية الأحزب السياسية الأخري فالأمر هنا - للأسف الشديد - شبيه بالقصة الشهيرة المعروفة والتى تتلخص فى تورُّط الثعلب فى دخول حقل للبطيخ إلتهم فيه الثعلب ما وسعه من البطيخ وحين ثقلت قدميه وإمتلأت معدته تفاجأ بوصول صاحب الحقل الذى طارده وإضطر المسكين للقفز فوق السور ليفقد فى لحظات - بسبب القفز الطارئ - ذيله المميز، وأصبح من ثم أضحوكة لدي بقية أقرانه ولم يجد حلاً لوضع حد للسخرية التى حاصرته سوي بدعوة أقرانه لذات الحقل ليلتهموا منه ويصيح هو محذراً من وصول صاحب الحقل فيندفع الآخرون للجري والقفز ليفقدوا هم أيضاً ذيولهم ويتساوي الجميع! الحيلة بالطبع كانت ماكرة ولا نقول ذكية، وكانت كافية فى نظره لرفع الحرج عنه. حزب الأمة القومي فيما يبدو يقترب من فعل ذات الشيء، فقد كشفت القيادية بالحزب الدكتورة مريم الصادق فى مؤتمر صحفي عقدته بالمركز العام للحزب – السبت الماضي – عن شروع حزبها فى التحضير لمؤتمر سلام يضم القوى السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني للإلتقاء بالحركات المسلحة! وقالت الدكتورة مريم إن الوطني يتحفّظ على الخطوة ولكن حزبها ماضٍ بإتجاه عقد المؤتمر. الفكرة فى مجملها تبدو لا غبار عليها فهو على أية حال منشط حزبي سياسي ربما بدا عادياً فى سياق العمل السياسي العام لحزب معارض ناشط فى الساحة السياسية؛ وهى خطوة تكشف عن مساحة الحراك السياسي الديمقراطي فى السودان والتى لسخريات القدر ظل حزب الأمة القومي يشيع إنها مساحة محدودة وضيقه مع أنها بهذا الحراك وحده تبدو متسعة بما فيه الكفاية، فقد اتسعت قبل أيام لدرجة ان ذات الدكتورة مريم جلست الى حركة مناوي فى كمبالا ووقّعت معه بإسم الحزب على أوراق وبنود رغم كون حركة مناوي حركة مسلحة يحظر القانون التعاطي معها طالما أنها ما تزال تحمل السلاح. غير أن المثالب التى تنطوي عليها فكرة عقد مؤتمر سلام تبدو أكبر مما تصورها حزب الأمة، فمن جانب أول فإن الحزب حزب معارض ومهما كانت درجة جديته وقدراته فهو لا يملك القدرة الكافية لإمضاء إتفاق سلام أو تخريج رؤي ومعطيات صالحة للتنفيذ. الأمر أعقد من ذلك بكثير، خاصة وأن تجربة اتفاقيات السلام التى عقدها الحزب نفسه - بين مكوناته وداخل بيته - لم تنجح ولم تحقق وحدة الحزب التى طال إنتظاره لها، فالحزب هنا قدراته مجروحة و (بابه مخلّع) كما يقول المثل السوداني السائر. ومن جانب ثاني فإن الخطوة تعني ضمنياً وحتى لو لم يقصد الحزب ذلك، إسقاط اتفاقية الدوحة وهى إتفاقية محترمة جاءت نتاج مؤتمرات أهل المصلحة الحقيقيين فى دارفور، وما تركت أطروحة من أطروحات الحل الشامل إلاّ وتطرقت لها وبالطبع ما من جديد فى جعبة الأمة القومي بعدما ورد فى وثيقة الدوحة، وبالتالي لا معني لاتفاقية تسعي لتكرار ذات لما سبق التوصل إليه. من جانب ثالث فإن الحركات المسلحة عموماً لها ذيول وصِلات مشبوهة؛ وهذه الحركات المسلحة مرتبطة بدول إقليمية وأخري دولية خاصة اذا نظرنا اليها من خلال ما يسمي بالجبهة الثورية، فهي منضوية تحت لوائها، فكيف سوف يتسنّي للحزب التعامل مع حركات بهذا التشابك المعقّد؟ ومن جانب رابع فإن الحزب نفسه – علم ذلك أم لم يعلم – يُعتبر هدفاً مشروعاً لهذه الحركات المسلحة وقد سبق أن وردَ فى وثائق ومحاضر إجتماعات ما يسمي بالجبهة الثورية فى كمبالا فى التاسع والعاشر من يوليو الماضي ما يشير الى إستهداف الجبهة الثورية للأمة والاتحادي والشعبي بإعتبارهم قوى تقليدية لابُد من التخلص منها وإبعادها عن الملعب بأيّ ثمن! وهكذا فإن حزب الأمة القومي فيما يبدو يعاني قدراً من العزلة السياسية وسط القوى المعارضة ويبحث - دون جدوي - عن أمة ليتزعّمها ولا يبدو أنه سوف ينجح فى مسعاه!