الناصرة 'القدس العربي' - من زهير أندراوس: كشف المراسل للشؤون السياسيّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، إيمتر آيخنر، أمس الأحد النقاب عن أنّ وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، يعتزم أن يقوم قريبًا بزيارة وصفتها المصادر السياسيّة في تل أبيب بأنها تاريخية، لجنوب السودان بهدف توثيق العلاقات بين إسرائيل وبين جنوب السودان التي أعلنت استقلالها في تموز (يوليو من العام الماضي. وقالت الصحيفة إنه من المنتظر أن يقوم ليبرمان خلال جولته الأفريقية بزيارة كل من رواندا وكينيا وأوغندا وأثيوبيا، في جولة هي الثانية من نوعها التي يقوم بها ليبرمان منذ تولى وزارة الخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو في العام 2009. وأشارت المصادر السياسيّة، كما لأفادت الصحيفة، أنّ جولة ليبرمان الأولى كانت قد شملت ستة دول، ساهمت الجولة في تحسين العلاقات بينها وبين إسرائيل بشكل ملحوظ وقطفت الدولة العبريّة ثمارها في تصويت هذه الدول في المهيئات الدولية المختلفة للأمم المتحدة لصالح إسرائيل. في غضون ذلك قالت الصحيفة إن وزارة الخارجية الإسرائيلية نشرت معطيات تنفي أن تكون إسرائيل تعاني من عزلة دولية بفعل سياسة ليبرمان. وقالت هذه المعطيات إن هناك ارتفاعا ملحوظا يصل لغاية 36% في نسبة زيارات مسؤولين أجانب لإسرائيل مقارنة بالفترة الموازية لها من العام الماضي. وبحسب هذه المعطيات، التي أوردتها الصحيفة، فقد ارتفعت وتيرة زيارات مسؤولين إسرائيليين لدول أفريقيا وآسيا خلال العام الجاري، إذ ارتفع عدد زيارات المسئولين الإسرائيليين لأفريقيا من 4 زيارات فقط إلى 20 زيارة، أما في الدول الأسيوية، بحسب المصادر عينها، فقد بلغ عدد زيارات المسئولين الإسرائيليين لدول أسيوية خلال النصف الأول من العام الحالي 30 زيارة مقارنة ب40 زيارة على مدار العام الماضي كله. ويبدو أن ليبرمان يسعى لنشر معطيات تفيد بتحسن مكانة إسرائيل وذلك على ضوء اتهامات اليسار والمعارضة الإسرائيلية له بأنّ سياسته الهوجاء وتصريحاته المتطرفة أدت إلى تدهور مكانة إسرائيل الدولية. ويسعى ليبرمان إلى تحسين صورته كوزير للخارجية ، أمام الرأي العام الإسرائيلي تمهيدا لما ستسفره الانتخابات الإسرائيلية التي زاد الحديث مؤخرا عن تبكير موعدها، سوء بقرار من نتنياهو أم بفعل التخوفات من عدم قدرة الأخير على إقرار الميزانية العام للدول حتى نهاية الشهر القادم تشرين أول، حيث ينص القانون الإسرائيلي في مثل هذه الحالة على سقوط الحكومة وتجولها إلى حكومة انتقالية لحين إجراء انتخابات جديدة. وفي هذا السياق واصل نتنياهو هذا الأسبوع تصعيد حملته ضد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى العمل على إسقاطه عبر إقرار انتخابات فلسطينية جديدة أو الإعلان عنه بأنه ليس شريكا للمفاوضات. وقال ليبرمان في مقابلة نشرت الجمعة في صحيفة (هآرتس) إنّه على الحكومة الإسرائيلية ألا تقف مكتوفة الأيدي إزاء محاولة السلطة الفلسطينية المطالبة بمكانة عضو مراقب لدولة فلسطينية في حدود العام 67، خلال المؤتمر العام المقرر للجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر تشرين أول (أكتوبر) القادم. وكان التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، في نهاية العام الماضي، وتم إجراء محادثات بينهما، وكذا أعضاء المكتب السياسي للحركة الشعبية، وقادة الجيش الشعبي والقيادات الأمنية والعسكرية في دولة جنوب السودان. وهذا اللقاء العلني ليس الأول من نوعه بعد انفصال جنوب السودان وإعلانه دولة مستقلة، فقد قام بزيارات لدولة الجنوب عدد من الوفود الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ومتخصصون في الشئون الإفريقية بوزارة الخارجية الإسرائيلية. مضافًا إلى ذلك، نوهت المصادر الإسرائيليّة إلى زيارات قام بها كل من رئيس أوغندا وكينيا لإسرائيل منذ شهرين، واختيار دولة جنوب السودان إقامة سفارتها في إسرائيل في القدس وليس في تل أبيب، فإسرائيل كانت ولا تزال تبحث عن أوراق في ملف النيل للضغط بها على مصر، وهذا أمر تقليدي في السياسة الإسرائيلية، إلا أن الأخطر أن هناك تعاونًا عسكريًا متصاعدًا بين الدولة العبريّة وجنوب السودان، ولعل إسرائيل تدرك أن تصاعد المد الثوري في المنطقة العربية، وسقوط نظام مبارك سيعقِّد الموقف بالنسبة لها، ويحرمها من أوراق الاستقرار اعتمادًا على حكومات متعاونة معها على حساب القضايا العربية والفلسطينية، وأن عليها أن تعوض ذلك بتدعيم التعاون العسكري والاستراتيجي مع دولة الجنوب. من ناحيته، قال د. محمود محارب، أستاذ جامعي عربي فلسطيني لقد فتحت 'الشقوق' والانقسامات الكثيرة في السودان والصراعات على السلطة التي احتدمت فيه، وخاصة في شماله، من دون أن تتطور أو تتبلور آليات لحل هذه الصراعات والتناقضات على أرضية وطنية، الباب أمام التدخّل الإسرائيلي في السودان. وفي كلّ مرحلة من مراحل التدخّل الإسرائيلي في السودان، جيرت إسرائيل تدخّلها لخدمة أهدافها الإستراتيجيّة لقاء تقديمها المال أو الرّشى للنّخب السودانية الشّمالية التي تعاملت مع إسرائيل. ففي الخمسينيات من القرن العشرين، أسّست إسرائيل هذا التدخّل على أرضية العمل ضدّ مصر بقيادة عبد الناصر. وقد قطع قادة حزب الأمّة السوداني في تلك الفترة شوطاً طويلاً في هذا التّحالف مع إسرائيل ضدّ مصر، قبل العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956وفي أثنائه وبعده. وفي أواخر السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات، أقامت إسرائيل علاقات قويّة بالرئيس السوداني جعفر النميري ونظامه، إلى درجة سماح النميري لإسرائيل ليس بتهجير عشرات آلاف اليهود الفلاشا من الأراضي السودانية إلى إسرائيل فحسب، وإنما سماحه بإقامة قاعدة لجهاز المخابرات الإسرائيليّة (الموساد) في الخرطوم أيضاً، أمّا في شأن دعم إسرائيل لحركة التمرّد في جنوب السودان فإنّها أخضعت هذا الدعم لمصلحتها . فعندما كان دعم التمرّد يخدمها، كما كان الأمر عليه في أواخر الستّينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، أو لاحقاً في التسعينيات، فإنّها دعمته؛ ولكن عندما كان هذا الأمر لا يخدمها، لوجود خادم لها في رأس السّلطة في السودان، كما كان الوضع عليه في أواخر السّبعينيات وحتى منتصف الثّمانينيات، فإنّ إسرائيل أبتْ أن تقدّم الدعم للتمرّد في جنوب السودان، على حد قوله.