الصادق المهدي خارج البلاد، ويقول عكس ما يقوله بالداخل ،وعندما سيأتي سيقول كلمة أخرى ترضي النظام، فدائما حديثه له وجهين معنا وضدنا في آن واحد( العبارة السابقة هي آخر نعوت دكتور الترابي في حق نسيبه وعدوه السياسي وصديقه اللدود الصادق المهدي ، والحديث الأخير جاء في ثنايا تعليق الترابي عل دعوة الصادق المهدي للسودانيين باحتلال الميادين والسفارات تظاهراً واحتجاجا على الحكومة السودانية ، ويضيف الترابي أن المهدي يصدر بيان مناهض للنظام ويكلف آخر يوقع عنه، ويذهب الترابي في نيله من الصادق في حواره مع أفريقيا اليوم بقوله:(هولاء شيوخ دين مقدرون من جماهيرهم لا بالبرامج، فإذا مسهم شئ يرتاب الناس في طاقتهم الدينية الموقرة، حتى بيانته الخارجية، يقول نفاوضهم ونعتصم وهكذا فكله أقوال، ومازال أبنه في السلطة بقوة). ومابين الدكتور الترابي والإمام الصادق المهدي معركة قديمة وكتومة يتم ترحيلها من فترة إلى أخرى، ومن عهد إلى عهد، تقوى هذه المعركة وتشتد ثم يصيبها الوهن أحيانا، ولكنها على أي حال لا تموت، يحتفظ الرجلان- فقط- بموعد بعثها من جديد، الاثنان هما -او احدهما- من يحدد متى تبعث وفي ظل أي نظام، ولكن الشاهد هو أن الصادق والترابي لا يحملان إلى بعضهما كثير ود، الا ما تقتضيه علاقة المصاهرة وما يسمح به التلاقي الذي تفرضه الظروف السياسية عليهما، كما اضطرتهم من قبل لمقاتلة نميري، وكما دفعتهم الآن إلى معارضة الإنقاذ. فالترابي وأتباعه خاصة قبل الانقسام- يعيبون على الصادق ما يصفونه بالتردد في اتخاذ المواقف، وفي خذلانهم عندما يتعلق الأمر بالشريعة الإسلامية.. وكثير من أنصار الإمام لا يرون في الترابي الا محض سياسي تتقلب علاقاته بالنظم السياسية مدا وجزرا وفق ما يريد هو وليس وفق الشريعة الإسلامية التي يجزم الأنصار ان الترابي لا يستطيع ان يزايد بها على الناس، وان استطاع فليس على الإمام الصادق حفيد الإمام المهدي الذي رفع راية الشريعة والسودان في عهد التيه. بل أن المشهور أكثر عن الترابي انه لا يبالي بالكيفية التي يتم بها نسب الكلام إليه وهو بهذه الصفة اقل السياسيين والمفكرين حساسية تجاه ما ينقل عنه، ولا تكاد مضابط الصحف -على كثرة ما نشرت له، وعلى غزارة ما رفدها به- تحفظ له نفي أخبار نقلت عنه، اللهم إلا مرة أو مرتين، وبتقدير مغال ثلاث مرات. في يناير الماضي لم يذهب أبعد المتفائلين بعودة الصفاء بين زعيمي الأمة والشعبي أن تأتي سريعاً وعلي يد سياسية يسارية مغمورة جاءت إلى رئاسة فصيلها المنشق على أنقاض آخرين سبقوها إلى ميادين العمل السياسي ممارسة وفكراً ، فالوساطة التي قادتها هالة عبد الحليم ونجحت حينها في تقريب وجهات النظر وإزالة الاحتقان بين الغريمين اللدودين دكتور الترابي والصادق المهدي أنهت ولو شكلياً مرحلة الاشتباك اللفظي بينهما الذي أحتل حينها صدارة عناوين صحف الخرطوم و كان طرفاه الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ودكتور. حسن الترابي رئيس المؤتمر الشعبي، وهو التراشق الذي أخرج الأزمة المكتومة بين الرجلين وهي الأزمة التي امتدت طويلا رغم ما اجتاحها من (تلطيف للأجواء وضروريات المظهر السياسي والاجتماعي) .. المراقب لجملة المشهد ومسرح اللقاء يلحظ أن لحيثيات التصافي الأخير مؤشرات عديدة تذهب إلى ان المياه لم تعد الى مجاريها بشكل كامل بين الرجلين وان - شيئا ما - لازال في «النفس » رغم محاولاتهما رسم ابتسامة على الشفاه عندما كانت هالة تعلن الدخول في مرحلة التصافي . فالمهدى لم يشأ وقتها الحديث عما حدث داخل الغرفة المغلقة ، مع انه محب للكلام واكتفى بما قالته رئيسة حزب حق عن المبادرة قائلا: «اثني على ما قالته الأستاذة» ثم مضى دون ان ينتظر ماسيقوله الترابى وركب سيارته مغادرا المكان ، أما الترابى والذي تحدث لنحو (5) دقائق للصحافيين تحاشى الحديث عن الخلافات التى وقعت بينهما وانما تركز حديثه حول إسقاط النظام والثورة التي ستأتي في أي وقت. وهناك مؤشر مهم ، وهو ان دكتور الترابى الذي تربطه صلة المصاهرة بالمهدى كثيرا ما يقول لمقربيه ان المهدى هو نتاج طبيعي للطائفية وانه استفاد كثيرا من وضعيته المميزة وتقلد مناصب كثيرة وفقا لهذه الوضعية ، وسئل الترابى ذات مرة حول أحاديثه عن المهدى والميرغنى بهذه الشاكلة وان الأمر لا يعدو كونه نوعاً من الغيرة السياسية أجاب : انا أفضل منه ويكفيني اننى قدت ثورة أكتوبر حين كان يدرس في أكسفورد. أما المهدى عرف عنه أن رجل يبغض الحديث في الأمور الشخصية للقادة السياسيين ، الا انه كيله طفح مؤخراً على الترابى بعدما اورد الأخير حديثه عن مشاورته حول الانقلاب العسكري عندما كان يخاطب حشودا من الأنصار بدار حزبه حينها. على كل فإن المعركة التي عادت الآن حية ومتقدة لا تقتضي البحث عن من يرد على الصادق إنابة عن الترابي، ولكنها تلح في البحث عن وسيط يخفف وطأة الهجوم المتبادل بين الزعيمين، وينصحهما بترحيل المعركة إلى سنوات قادمة ربما تكون هي الكفيلة بان تنسيهما مرارات المنافسة التي أذكتها السياسة ولم تخفف المصاهرة من شدتها ولا قساوتها.