البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قوش" السودان كاد يفعلها
نشر في سودان سفاري يوم 29 - 11 - 2012

عندما أطلت خيوط شمس يوم الخميس الماضي، لم يكن السودانيون يحفلون بما تسرب من شائعات حول محاولة تخريبية . فعادة خلال السنتين الماضيتين، تنتشر هكذا أخبار، تكون مصادرها غالباً السلطات الأمنية نفسها، فيما يعرف بالأمن الإيجابي والاستطلاعي لردود فعل الشارع السياسي، لكن الخبر حظي بالاهتمام مع ارتفاع شمس النهار، وانتشار نبأ اعتقال “قوش"، فاللقب وحده يدفع بقرون الاستشعار، فصلاح عبدالله الشهير ب"قوش" كان رجل الحكومة القوي، حتى قبيل إبعاده من قمة جهاز الأمن والمخابرات أولاً، ثم من مستشارية الأمن القومي في القصر الرئاسي، واستمر الجدل مثيراً حول الرجل الطموح الذي أتى به الرئيس البشير بجواره في الرئاسة حتى يكون تحت عينيه، تحاشياً واستباقاً لذلك الطموح .
قبيل مغيب شمس يوم الأربعاء، طرق أحدهم باب الفريق المتقاعد صلاح قوش، وطلب منه مرافقته، بعد أن كشف هويته، إلى مباني جهاز المخابرات لبعض التوضيحات، وكانت تلك بداية حملة الاعتقالات، حسب مصادر مقربة من النظام، لكن هذه الرواية تصطدم برواية أخرى، نقلها ل"الخليج" مصدر من أبناء منطقة الزومة في الولاية الشمالية، حيث أكد أن قوش مع أبناء المنطقة بالخرطوم يحتفلون بصعود فريقهم إلى الدرجة الثانية، وكان يوزع الهدايا ويبارك على الجميع، حتى قبيل منتصف الليل، غير أن الثابت أن ضابطاً رفيعاً من جهاز الأمن استأذن الفريق صلاح قوش أن يغادر معه للاستدعاء في القيادة، وتم ذلك بطريقة سلسة ومن دون أي مقاومة، وجرى الأمر ذاته مع بقية المعتقلين .
ومع اقتراب منتصف ليلة الخميس، بدأت الآليات العسكرية تنهب شارع عبيد ختم، المقابل للمطار والموازي لشارعه، والقريب نسبياً من منطقة القيادة العامة وبيت الضيافة، وعد شهود عيان أربع مدرعات ودبابتين تتجهان صوب منطقة وسط الخرطوم، وبدأت تعزيزات أمنية امام مداخل الجسور، تأخذ موقعها، واستمر الحال حتى فجر يوم الخميس، رغم أن الأوضاع الأمنية بدت في الصباح شبه عادية أو هادئة، وليس هنالك ما يشير لأي انقلاب أو محاولة تخريبية، ما جعل الكثيرين يشككون أن تكون العملية برمتها “خطوة احترازية" أو استباقية لها ما بعدها . لاحقاً تردد أن مكالمة بين شخصين من الموقوفين قادت للبقية بعد التوصل لنحو (20) شريحة هاتف سيار مسلسلة لإحدى شركات الاتصال كانت تتم بها الاتصالات بين المجموعة بعيداً عن الأرقام المعروفة للمتهمين .
سيل الشائعات
حين أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة “أن السلطات الأمنية ألقت القبض على الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات الفريق أول صلاح عبدالله قوش، واللواء عادل الطيب، والعميد محمد إبراهيم عبدالجليل، ضمن ثلاثة عشر شخصاً وعسكريين ومدنيين تم القبض عليهم في تخطيط تخريبي يرمي إلى إطاحة حكم الرئيس عمر البشير، وكان يزمع تنفيذه الخميس السابق، ولظروف وصفت ب"التكتيكية" اختار المخططون تأجيل التنفيذ إلى الخميس الماضي، وبعدها اندلق سيل من الشائعات .
ومع الإعلان الرسمي عن المحاولة إلا أن سيل الشائعات لم يتوقف، بل ظلت تقوى وتستند إلى معطيات، منها استدعاء القيادي البارز في الحركة الإسلامية د .غازي صلاح الدين الذي يقود تيار الإصلاح، لكنه لاحقاً سخر من تلك الإشاعات، وقال “أنا الآن وسط أحفادي وأفراد أسرتي"، أما شائعة مشاركة قائد عملية تحرير هجليج اللواء كمال عبدالمعروف، فقد دفعت الجيش، إلى نفي علاقة اللواء بالمخطط، وذهب إلى التأكيد أن عبدالمعروف يؤدي عمله ومهامه العسكرية بولاية جنوب كردفان بعيداً عن هذه الأحداث، ومضى البيان إلى التشديد على أنه لم يتم إعلان مشاركين من القوات المسلحة في هذا المخطط، وأن ذلك مرتبط بسير التحقيق وما يتمخض عنه .
قمة الصراع
لكن المحاولة الانقلابية، لم ترتبط بشخصية صلاح قوش فقط، فهي أصلاً نتاج لصراع الإسلاميين، بين الصقور والإصلاحيين، ويرى أنها واحدة من مخرجات مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير الذي انعقد في الخرطوم مطلع أسبوع المحاولة، وتعد القيادات العسكرية التي أعلن عنها، من أكبر الرتب في القوات الأمنية والجيش والدفاع الشعبي، وتشي أسماؤهم وخلفياتهم العسكرية والسياسية، بأن الصراع بلغ ذروته، فكل المجموعة من القيادات البارزة المحسوبة على الحركة الإسلامية، ونظامها الحاكم برئاسة المشير عمر البشير .
وتعبر أسماء القادة الثلاثة عن حالة التململ والتذمر المتصاعدة منذ حين، في صفوف القوات النظامية، وتشير إلى أن ما جرى هو محاولة لتعبير العسكر عن عدم رضاهم عن تدهور أداء الجيش والخلل الذي أصاب أجهزته . وتكشف المحاولة أن “للمجاهدين" رأياً واضحاً في وزير الدفاع، وخاصة بعد سقوط منطقة هجليج النفطية في يد حكومة الجنوب بكل سهولة ويسر، وبعد مشاركتهم في تحرير هجليج قدم المجاهدون مذكرة للحكومة قالوا فيها إن أزمة المؤسسة العسكرية تتمثل في هذا الوزير، وطالبوا برحيله .
خلفية المحاولة
كان المسرح السياسي مهيئاً ومعبأ، كما يقول مراقبون، وعوامله معلومة، أرهقت كاهل الدولة بالحروب والانفصال، من تدهور اقتصادي وحرب حدودية، واتفاق سلام متعثر مع الجنوب، ذهب بعضهم إلى وصفه بأنه مجهض، وصراع الإسلاميين، وبروز تيارات ارتفع صوتها، وتململ داخل المؤسسة العسكرية، كلها عوامل تفضي إلى مثل تلك المحاولة .
ويحمل سياسيون معارضون وفي الحكومة، مؤتمر الحركة الإسلامية، مسؤولية المحاولة، فهم يرون أن انعقاده وتداعياته ومخرجاته كانت سبباً فيها، بعدما شهد نقاشات وجدل حول علاقة الدولة بالحركة، وبرزت انتقادات لاذعة لأداء السلطة التنفيذية والتشريعية وتفشي الفساد والإخفاق في معالجة الأزمات المتوالية، وعلت أصوات تطالب بإتاحة الفرصة للكوادر المؤهلة لانتشال الحركة من براثن الفساد والمحسوبية التي ميزت صفوفها في الفترة الأخيرة . وتعتبر هذه التيارات امتداداً لمذكرات إصلاحية صدرت في خلال الأشهر الماضية من مجموعة من الإسلاميين أعضاء حزب “المؤتمر الوطني" الحاكم .
ويرى مراقبون أن صراع التيارين، أضعف قوة النظام، وأغرى بمحاولة التغيير، وأدخلت النظام لأول مرة في معركة مع أبنائه العسكريين، مشيرين إلى أن كل الصراعات السابقة والآنية كانت سياسية بحتة، وحتى محاولة الانقلاب المزعومة بحق د .الترابي خلال قمة الصراع معه، لم تصمد طويلاً . ويضيف آخرون حالة الاستقطاب وسط الإسلاميين التي زادت وتيرتها قبيل المحاولة وبعد إعلانها . ثم كانت تداعيات مرض الرئيس البشير وإجرائه عمليتين جراحيتين، فتحتا الحديث بشأن خلافته .
سيناريو آخر
المدهش أن محللين، شككوا في المحاولة برمتها، ونفوا وجود محاولة انقلابية أو تخريبية حقيقية، وأدخلوها في توتر العلاقات بين بعض قادة الجيش ووزير الدفاع التي بلغت حد المواجهة العلنية، ورجحوا أن يكون توتر العلاقة هو السبب، وراء حملة الاعتقالات، باعتبار أن كل من يعارض الفريق عبدالرحيم محمد حسين هدف محتمل لمثل هذه العمليات . ووصفوا الأمر بأنه مجرد تصفية حسابات وعمليات إقصاء متعمدة لبعض المتململين بين صفوف الإسلاميين، وعملية تخويف للآخرين، وآخرين ذهبوا إلى أن تكون هذه المحاولة “بروفة" لعمل حقيقي يأتي بعدها، وأنها مجرد تمهيد للأجواء لحدوث هذا العمل .
بيان الإصلاح
ويلخص بيان، أصدره “السائحون" او “الدبابون" أو شباب الحركة الإسلامية، وكلها أسماء تفضي إلى “المجاهدين" الذين يقودهم تيار إصلاحي متشدد، ما يدور في المسرح السياسي الإسلامي، وجاء البيان الذي مهر باسم صهر القيادي غازي صلاح الدين، وهو المجاهد عبدالغني أحمد إدريس، تحت مسمي “المنبر الإصلاحي" يشير مراقبون إلى أنه الجسم السياسي للمجموعة، التي طالبت باتباع الإجراءات التي ينص عليها القانون مع الموقوفين على ذمة (المحاولة التخريبية) . وشن هجوماً عنيفاً على مخرجات المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، ودعا إلى الصبر وضبط النفس أولاً والتحلي باليقظة والانتباه . وانتهى بالآية الكريمة “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، كإشارة قوية لما هو آت، واعتبر كأول بيان علني يتحدث عن كيان إصلاح داخل الحزب الحاكم . وطالب البيان بوقف الحملات الإعلامية التي وصفها بالمسعورة، باعتبار أنها دعاية سوداء تحمل إساءة وتشهيراً وتجريحاً تصيب الحاكمين أولاً قبل أن تنال من أشخاص الرجال الموقوفين حالياً . ومع مرور أيام الأسبوع، بدا الصحافيون أكثر الحاحاً، وضاق به المسؤولون، لمعرفة مستجدات الأحداث، إلا أن وزير الإعلام أحمد بلال أكد أن المتهمين يجدون معاملة جيدة في معتقلاتهم، والتحقيق يجرى معهم وفقاً للقانون . وأضاف “سيتم الإعلان عن معلومات جديدة خلال مؤتمر صحفي (الأحد)، لكن المؤتمر تم تأجيله إلى وقت لاحق، غير أن بلال حرص على تأكيد عدم ظهور أسماء جديدة ضالعة في المحاولة بخلاف التي أعلن عنها، وجدد التأكيد أيضاً على أن المحاولة لم تلق بأي ظلال أمنية سلبية على البلاد، وليست لديها امتدادات داخل الأجهزة الأمنية، مؤكداً أن الأمور عادت لطبيعتها وسيتم إحاطة الرأي العام بالمعلومات بصورة فورية" . وعزا التأخير إلى أن الحكومة لا تريد تنصيب نفسها مدعياً عاماً يوجه الاتهامات على الموقوفين في المحاولة التخريبية، وأضاف: “نريد أن تجري التحقيقات في جو معافى" .
ماذا بعد؟
الاجتماعات المارثونية التي انتظمت حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وطاقمه القيادي، تكشف خطورة المحاولة الانقلابية، وتدلل على أن النظام أخذها على مأخذ الجد، ومن بين التحركات المكوكية، تلك التي يقودها الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن، كاول مهمة “تنفيذية" له بعد اختياره في المنصب قبيل يومين من المحاولة، وسعى بمبادرة لتنقية الأجواء بين الإسلاميين، وزار د .غازي صلاح الدين ضمن زياراته لعدد من القيادات والرموز الإسلامية والقطاعات المختلفة .
وأجرى الحسن في لقاءات منفصلة، اجتماعات مع نافذين في الدولة والمجموعات الساخطة على احتجاز قيادات “المجاهدين"، وهي محاولة وصفها مراقبون بأنها الخطوة الضرورية والعقلانية الوحيدة، وسط حالة ارتباك ما بعد محاولة الانقلاب، وأشاروا إلى أهميتها لاحتواء غضب واسع وسط الإسلاميين المتشددين بسبب اتهام قادتهم بالضلوع في محاولة تخريبية . وكان الحسن أعلن غداة المحاولة، أنه سيتقدم باستقالته من كافة المناصب السياسية والتنفيذية، ولم يستبعد استحداث أمانات جديدة، ويعتقد مراقبون في إعلان الحسن تهدئة وإغراء في إطار سلسلة لقاءاته مع مجموعة من “المجاهدين" في إطار السيطرة عليهم .
حليمة وعادتها
رغم تلك التحركات، فوجئ الجميع بحزب “المؤتمر الوطني" وهو يمارس عادته القديمة، وبدءاً قللت قياداته، من المحاولة الانقلابية، ومن بيان مجموعة “منبر الإصلاح"، ووصفته بأنه عمل خارج مؤسسات الحزب، وأطلق اتهامات لجهات، لم يسمها، بالمراهنة على المحاولة التخريبية الأخيرة، بأن تحدث انقساماً ووهناً في صفوف “الإنقاذ"، ووصف منفذي المحاولة ب"المجموعة الصغيرة"، ولم ينس التلويح بضلوع المعارضة، رغم أن بيانات الحكومة الرسمية، لم تشر إليها، وكان الاتهام واضحاً لاسماء “في قلب الحركة الإسلامية"، بيد أن الحزب نفسه، عاد وتعهد بالنظر في قضية الإصلاح بكثير من التدبر، وهو ما يطالب به من طالهم الاتهام الرسمي . وتكشف تصريحات لنائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم الدكتور مندور المهدي، أن من وراء المحاولة هم اهل البيت، حين يضيف أمام “نفرة العزة" التي نظمها قطاع الفكر والثقافة بالحزب “أن الإنقاذ شهدت أكبر انقسام لها في عام ،1999 لكنها خرجت أكثر قوة وعزيمة ولم يضعف الانقسام عزيمتها وإرادتها"، بيد أن إحدى القيادات، نحت منحى آخر، حين حذر من منتجات المحاولة، وقال إنها ستفتح على السودان باباً جديداً من الصراع الداخلي، ومضى القيادي إمام مسجد الشهيد الشيخ النذير عبدالجليل الكاروري، ينبه ويدعو لمجابهة ما يحاك ضد البلاد من مؤامرات واستهداف خارجي بدلاً عن التنازع على السلطة، ويلفت إلى أن دعوات الإصلاح مطلوبة .
تورط المعارضة
وعلى الرغم من أن المعارضة السودانية لم ترد ضمن المتهمين في المحاولة في بيان الناطق الرسمي، فإن وزير الإعلام أشار إلى مدنيين معتقلين يجري التحقيق معهم، ومع أنه تحفظ على اسمائهم، إلا أنه قال إن المخطط كان مرصوداً وهناك اتصالات خارجية وداخلية مراقبة بدقة، ضمن حلقات المخطط الساعي إلى زعزعة الاستقرار والأمن . لكن المعارضة سارعت ونفت صلتها بالمحاولة وقال الناطق الرسمي باسم تحالف المعارضة، فاروق أبو عيسى “لقد سمعنا عنها، وهذا أمر خاطئ"، وأضاف “نحن نؤيد تغييراً ديمقراطياً وسلمياً للسلطة، عبر الإضرابات والتظاهرات لإسقاط النظام، وأشار إلى أن جميع المتهمين من رجالات البشير وحاشيته، ومن عمق سلطته، فنحن سعداء بأنهم انكشفوا، ليجسدوا للعالم الانشقاقات الحاصلة في داخل النظام . وأضاف: “نرفض الانقلاب لتغيير السلطة، فقد اكتوينا بنار الانقلابات العسكرية، فأضرتنا ولم تنفعنا" . وسخر أحدهم من قول أحد المعتقلين، وفقاً لمسؤول أمني “إن أحد الأحزاب المعارضة كان في طريقه للاستيلاء على السلطة، وأنه حاول التصدي إليهم واستلام السلطة قبلهم" .
مستقبل قاتم
يقول مراقب إن أكبر مأزق تواجهه “الإنقاذ" هو الصراع مع كوادرها وبعض قياداتها، من الذين وجدوا أنفسهم بعد أن سدت أمامهم أبواب الإصلاح من داخل الحركة الإسلامية والحزب الحاكم على صعيد واحد مع المعارضين للنظام، سواء في الشارع أو الأحزاب السياسية، أو حتى في الحركات المسلحة، وهو ما يجعل الأوضاع في السودان كله على المحك، وكثيرون من كوادر الحركة الإسلامية يجأرون الآن من حالها، ومما آل إليه السودان في ظل حكمها .
وتنبري أقلام إسلامية للقول إن مشروع التغيير الذي جاء به حكم الإنقاذ عام1989 كان يستهدف إقامة حكم على هدى الإسلام، فما الذي أديناه لهذا الاستحقاق الذي نلنا به السلطة ونظام الحكم؟ ويقول آخر “الإسلاميون كان أمامهم فرصة أن يقوموا بهذا التصحيح، لكنهم أضاعوه بصمتهم الطويل، أو تواطئهم بالصمت على هذا الوضع، حتى وصل الأمر إلى هذه الحالة المزرية، وبالتالي ما نحتاج إليه الآن ليس إنقاذ النظام أو الحركة الإسلامية، بل هو إنقاذ السودان نفسه أو ما تبقى منه" . وينبه آخر، إلى “أن الحدث يدلل على تآكل النظام الحاكم من داخل القلب الذي يعتمد عليه، خاصة أن التحرك نفذ من قبل عسكريين إسلاميين، بجانب أن اكتمال تحديد ساعة الصفر يعني أن العدد كافٍ لتنفيذ الانقلاب" .
ويرى المراقبون أن قبضة الرئيس عمر حسن البشير على السلطة التي استمرت نحو ربع قرن متمتعاً بدعم الجيش والأجهزة الأمنية وقطاعات الإسلاميين، ليست هي نفس القبضة اليوم، فعندما يعتقل قوش، بتهمة التآمر “لإحداث الفوضى" الذي كان يوماً الذراع الأيمن للبشير، وأحد أقوى الشخصيات نفوذاً في دائرة المحيطين به، فإن الأمور لم تعد كما كانت وسيرتفع الشعور بالقلق إلى معدلات كبيرة، بجانب التوتر والصراع الذي يعيشه النظام أصلاً .
وتترى تحذيرات من محاولة الحكومة إيجاد ذريعة لاتخاذ مواقف للسيطرة على الشارع وإسكات الأصوات أمام مزيد من الإجراءات الاقتصادية، وتهيئة المسرح لمزيد من التنازلات أمام اتفاقيات وقعت مع دولة الجنوب لم تر النور، وهي معرضة للانهيار في أي لحظة في ظل عودة التوترات على حدود البلدين . وأيضاً هناك تخوفات من أن تقود الاعتقالات لرموز إسلامية عسكرية لنقل الصراع من داخل الغرف إلى العلن، وأن تتطور العملية للعنف وتنفيذ اغتيالات وسط الإسلاميين قد تقود لفوضى ربما داخل العاصمة الخرطوم .
وطوال أسبوع المحاولة التي تنتهي أيامه اليوم (الخميس)، ظلت مجالس الخرطوم سوقاً رائجاً لتبادل الشائعات ومحاولات البحث عن إجابات لأسئلة تاريخية، ظلت منذ أول محاولة انقلاب بين أكثر من 11 انقلاباً ناجحاً أو فاشلاً، منذ استقلال السودان، وثورتان شعبيتان أطاحتا حكمين عسكريين قويين، وحكم عسكر 45 عاماً مقابل 11 عاماً لحكومات مدنية ديمقراطية، يظل السودان على سطح صفيح ساخن، يتقلب مع نظام حكم الرئيس عمر البشير الذي جاء بانقلاب في 30 يونيو 1989 بمشاركة الجبهة الإسلامية القومية بزعامة حسن الترابي الذي نأى بنفسه، وترك رفيقه يواجه صراعات الإسلاميين .
المصدر: الخليج الاماراتية 92/11/2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.