فى الوقت الذى نفى فيه القيادي بتحالف قوى المعارضة السودانية محمد ضياء الدين وجود أيّ خلافات بين مكونات التحالف، قال القيادي بالشعبي، كمال عمر عبد السلام إن هنالك خلافاً حول الاعلان الدستوري الذى يعمل التحالف عن إنجازه حالياً! القيادي كمال قال إنَّ ما تم إنجازه من نصوص الاعلان حتى الآن يصل الى 85% وأن كل الذى تبقى -على حدّ قوله- هو الإتفاق حول شكل الحكم! وبالطبع لا أحد يعرف ما هي طبيعة الوثائق السياسية الكثيرة التى درج التحالف على التوقيع عليها كل حين مثل البديل الديمقراطي وغيرها من الوثائق المعروفة التى ملأت أضابير هذه القوى. كما لا أحد يعرف طبيعة الخلاف حول شكل الحكم الذى يختلف حوله قادة التحالف والذى قدَّره القيادي كمال بنسبة 15% ؟ وبالأحرى أيضاً لا أحد يعرف عن محتوى الاعلان الدستوري هذا شيئاً إذا كان الخلاف قد انحصر فقط فى شكل الحكم مع أن هناك قضايا أهم من شكل الحكم مثل قضية المرجعية الثقافية للدستور والهوية السودانية! بل قد يمتد التساؤل نفسه الى أبعد من ذلك ليصل الى طبيعة التفويض السياسي الذى تملكه قوى التحالف هذه لتقوم بعمل إعلان دستوري لفترة إنتقالية ظلت تنتظرها منذ ما يجاوز العقدين من الزمان ولم تأتِ بعد. كيف لهذه القوى التى تزعم انها مؤمنة إيماناً راسخاً بالممارسة الديمقراطية، وتمنح نفسها تفويضاً بكتابة إعلان دستوري تحكم به السودان؟ فلو كانت فى الواقع تعتقد ان الحزب الوطني الحاكم فعل ذات الشيئ، فإن الحزب الوطني فى الواقع استند على مرجعية إنتخابية معلَنة ورسمية فشلت فيها قوى المعارضة السودانية. كما أن الحزب الوطني -ورغماً عن كل ذلك- وجّه دعوة عامة ومفتوحة لكافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وشرائح العمل الفئوي والسياسي للإسهام فى صياغة وإنشاء الدستور السوداني؛ وهى دعوة غابت عنها عمداً قوى المعارضة السودانية متستِّرة وراء مخاوفها المعهودة من أن تكون ديكوراً يزيِّن مائدة الدستور! ولعل هذه المخاوف على وجه الخصوص تعطينا لمحة كافية عن طبيعة وزن هذه القوى المعارضة، فلو كانت تعتقد فعلاً أنها تمتلك قاعدة جماهيرية وتثق ثقة كاملة فى جماهيرها وفى الشعب السوداني وأنها هى جواده الرابح؛ فإن المنطق هذا كان يفرض عليها – إتساقاً مع هذه الجماهير – أن تأتي لمائدة الدستور واثقة الخطى، تمشي ملكاً لتعبِّر عن إرادة ناخبيها! من الغريب حقاً أنّ قوى تمنح لنفسها كل هذا الوزن بإعداد إعلان دستوري وتحديد كافة خطوط الحكم وتنجز 85% منه -على حد زعم القيادي كمال- لا تجد فى نفسها القوة والشجاعة للحضور الى مائدة الدستور وتقارع الوطني بالحجّة وتفرض نفسها على مائدته فرضاً؛ فالمحك هنا هو محك التسابق الجماهيري والوزن السياسي. هذا من جهة، وأما من الجهة الثانية، فإن انجاز 85% من إعلان دستوري دون خلافات وإنحصار الخلاف حول 15% هى فقط شكل الحكم، يثير تساؤلاً أيضاً عن كيفية إلتقاء (اليمين واليسار والوسط) الذين يتشكّل منهم التحالف على رؤية دستورية واحدة المحتوى، فالأمر هنا لا يخرج عن فرضيتين: إما أن بعض القوى المحسوبة على اليمين (الشعبي، الأمة القومي) تخلت عن أطروحاتها المعروفة بشأن الشريعة الاسلامية كمرجعية حاكمة، أو أن قوى اليسار هى الأخرى فتحت الطريق لقوى اليمن لتفرض الأخيرة أطروحاتها الاسلامية المعروفة. ولعل هذا يفسر بجلاء سر إحجام الجانبين إحجاماً تاماً عن الافصاح عن النصوص التى يزعمون أنهم قد إتفقوا عليها وتبقى فقط شكل الحكم. وبالطبع فى الحالتين، فإن من المؤكد ان الأمر بدا تمويهاً ولن يصمد كثيراً فى المستقبل القريب. وعلى كلٍ، فإن الانتظار ربما يطول أكثر لمعرفة محتوى الاعلان الدستوري هذا، وإذا حدثت معجزة وتمَّ الاعلان عنه ووقعوا عليه، فإن وقتاً قليلاً سوف يمر لتندلع الخلافات والمخالفات من جديد، ومن المؤكد ايضاً ان وقتاً أكثر طولاً سيمر لتحظى قوى المعارضة بتطبيق إعلانها الدستوري، بعدما إعتقدت أنَّ كل ما هو مطلوب لإسقاط الحكومة السودانية هو فقط إعداد إعلان دستوري والإتفاق على الفترة الانتقالية وعدد (الرؤوس) التى سيتشكل منها المجلس الرئاسي.