كل ما يستجيب لمشاعرك وانفعالاتك الشخصية ستجده هناك عبر الفضاء المفتوح والقنوات الفضائية الموقف هو ذات الموقف ولكن طرق معالجته الإخبارية تتلون وفقا لما تريد أنت طالما إن الريموت كنترول بيدك فماذا تنتظر اضغط علي الزر وشاهد ما تتمني أن تكون عليه الأحداث واهرب من حقيقة الأحداث الي ما يلبي انفعالاتك. هذه هي صور المشهد الاعلامي في العالم العربي منذ إن تفجرت الاحتجاجات الشعبية في تونس في العام 2010 واليت كانت التغطية الإخبارية فيها متوازنة بعش الشيء ولكن وبمجرد انتقال الاحتجاجات الشعبية إلي مصر وبعض البلدان العربية تهاوت جدر المهنية العتيدة لصالح المواقف السياسية وتقاطعات المصالح الإقليمية والدولية. واستبان إن شرط المهنية والموضوعية يمكن التلاعب بها بصورة تمكن من طلاء المظهر بتلك الشرط ولكن المخبر ينبيء عن أجندة سياسية لا علاقة لها مطلقاً بالعمل الإعلامي الرصين. وقد بدا واضحا ان القنوات العربية المؤثرة في الوعي الجمعي للأمة العربية قد استغلت الناس بمتابعة الاحتجاجات الشعبية فقدمتها له وكأنها مسلسل مثير تتابع حلقاته حلقة بعد حلقة تشد جمهور المتابعين لما سيأتي من قادم الأحداث دون التأثر بالجوانب الإنسانية العميقة التي صاحبت كل هذه الاحتجاجات وكمثال بسيط لذلك أصبح عرض مشاهد الدماء لا يهز جمهور المتابعين إلا وفق ما تريده الوسيلة الإعلامية المعينة. والأخطر من ذلك ان القنوات الفضائية التي أصبحت أفيون الشعوب من فرط إدمانهم لها أنها رويداً رويدا تنازلت عن معاييرها المهنية الصارمة لصالح التعبئة السياسية لطرف دون الآخر في كل البلدان التي شهدت احتجاجات شعبية، وبات معروفاً ان الوسيلة الإعلامية كذا تناصر الموقف المعين ضد الآخر وينسحب ذلك علي مجمل تغطياتها الإخبارية وخارطتها البرامجية دون وجل أو خجل، وأصبحت هذه القنوات لا تنظر الي الكوب إلا بمقدار ما شربت منه. ولان هذه الوسائل الإعلامية قد جافت الموضوعية في تناولها لهذه الاحتجاجات الشعبية فقد تصادمت رؤاها السياسية هذه مع الأنظمة التي كانت قائمة والتي لا تزال لان الأنظمة رأت في هذه التغطية انحيازاً سافراً لطرف دون الآخر في قضية داخلية التوازن فيها مطلوب والمهنية فيها شرط لازم القيام بواجب العمل فلجأت هذه الأنظمة الي إغلاق بعض مكاتب هذه القنوات وحرمانها من العمل في بلدانها والأمر مع ما فيه من خسارة فادحة لكل الأطراف وفي مقدمتها الحقيقة فإن غياب الصورة الحقيقية علي الأرض لهذه القنوات أوقعها في خطيئة إعلامية كبري باعتمادها علي روايات الناشطين الذين هم طرف في الأزمة وبالتالي تماهت الرسالة الإعلامية للقنوات هذه تماهياً كلياً مع شعارات الثوار (التسمية من عند القنوات) فضاعت رواية الطرف الآخر أو غيبت تغييباً مقصوداً الأمر الذي يخل بشروط وأبجديات الإعلام الحر والمستقبل. وبالتالي أصبحت الحكومات عدواً مفترضاً لهذه القنوات وان أمر إسقاطها ثاراً ذاتياً لهذه القنوات أكثر من الشعوب أنفسهم وإلا فكيف يفسر علماء الإعلام تسلل أجهزة الإعلام إلي بلدان ذات سيادة دون الحصول علي إذن من حكومات لا تزال الأممالمتحدة تعترف بشرعيتها وبغض النظر عن ذلك التسلل وشرعيته فإنه في كثير من الأحيان تدخل تحت حماية الثوار ورغم انف الحكومات فهل سيتوفر المناخ الصحفي المستقل للصحفي لنقل الحقيقة بتوازن بين من ادخله ووفر له الحماية وبين من منعه. والأمر الأخير في هذا الجزء الأول هو اعتماد الوسائل الإعلامية علي نقل الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي ولا غبار علي ذلك إن توفرت له الشروط المهنية ولكن كثيراً ما يصعب التحقق من حيادية وصدقية تلك المواد ومنع ذلك تكون مصدراً أساسياً لهذه القنوات. صحيفة السوداني 2/10/2013م