أكثر من عقد من الزمان مضي علي الاندلاع المشئوم لتمرد دارفور في فبراير من العام 2003م، فقد طوفت مشكلة دارفور الآفاق وجابت القارات ودخلت التدويل من أوسع أبوابه عبر آلة الإعلام الغربية والوسائل الناعمة التي وظفت كل الأسلحة ذات الوجهة الواحدة من الغرب نحو الشرق مثل إدعاءات التطهير العرقي والإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان. فطبيعة الحروب في عصرنا الحديث قلماً تخلو من تجاوزات هنا وهناك لحقوق الإنسان بطبيعة الحرب التي هدفها ليس معانقة الآخر وتقبيله بل قتله وهزيمته، وربما هذا هو مصدر التشديد في السنة النبوية الذي يجعل المسلم المقتول الذي يقاتل مسلماً مثله ينتظر نفس مصير النار لأنه كان يهمه قتل صاحبه كما حدث بذلك الرسول الكريم (صلي الله عليه وسلم)، إذن الخروج علي السلطان بعمل مسلح يوجب بالمفهوم السياسي اضطلاع الحكومة بمهمتها في حفظ الأمن والسلام لمواطنيها وهو ذات المفهوم الشرعي الذي يسعي للمحافظة علي مصلحة الجماعة ومنع الخروج عنها، بيد أن ذلك لا يعني أبداً لا بالمفاهيم السياسية ولا الأصولية غض الطرف عن المظالم الموجودة أصلاً (ولا يجرمنكم شنأن قوم ألا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى). ولو أن الحركات المتمردة اكتفت من الحرب بإشعال شعلتها الأولي للفت النظر وجذب الاهتمام بالقضايا الخدمية والتنموية ومسائل السلطة والثروة لكان ذلك مقبولاً باعتبار أنها وسيلة كما يعرفها أهل الفكر الإستراتيجي العسكري من أمثال كلا وزفتبر بأن الحرب استمرار للسياسة بطرق أخري لتحقيق أهدافها، مع تحفظنا الواضح علي منشأ أي حرب بين المسلمين حقناً للدماء ولأن الشئ الوحيد الجيد في الحرب هو انتهاؤها. لكن بعض الشر أهون من بعض فشتان ما بين الحرب التي هي مجرد وسيلة مرة لتحقيق مطالب حقيقية والحرب التي تتحقق إما إلي غاية أو وسيلة للاحتواء والمعاوقة للحيلولة دون تطور البلد ونمائه، وهذه هي الحالة التي وقعت في دارفور،(فالإقليم) يشكو التخلف التنموي شأنه شأن معظم أطراف البلاد، وكانت له قضية لكن حلها كانت أنسب له وسيلة الحوار واللسان وليس السيف والسنان، وحتي بعد اندلاع الحرب فوت حملة السلاح الكثير من الفرص لارتباط المشكلة بإطراف وأجندة خارجية دولتها في عامين فقط من بدايتها أكثر من تدويل قضية الجنوب في نصف قرن. والآن استوعب أهل دارفور الدرس جيداً لكن بعنت الدماء والفرقة والتخلف عن الركب، يكفي دارفور شرق السودان أنموذجاً في كيفية التحول السريع من الحرب المحدودة إلي السلام العاجل والتنمية المتصلة، لدرجة امتدت في أرضه مشروعات البني التحتية وتمددت الطرق الأسفلتية مثل الشرايين في الجسد، بينما لا تزال معوقات التمرد تعرقل العمل في بعض محاور طريق الإنقاذ الغربي (خاتم مني دارفور) وفارس أحلامها المدلل الذي ظلت تحلم به لعقود. حاشية: أخذت دارفور تبحث عن نفسها وبعقول عقلائها ومراجعات قبائلها لسجل المكاسب والخسائر من الحرب والتمرد، وها هي تبحث عن طريق الإياب بعد أن تمزق نسيجها الاجتماعي واتسع فتقه علي الراتق، علي طريقة المتنبي (طوفت في الآفاق حتي رضيت من الغنيمة بالإياب). نقلا عن صحيفة الرأي العام 26/12/2013م