أمر مريب حقاً وملفت للإنتباه أن يتحاشى المرشح الرئاسي للحركة الشعبية ياسر سعيد عرمان طوال حملته الانتخابية وجولاته وأحاديثه المطولة الحديث – ولو على استحياء – عن الجنوب السوداني، وكأن الجنوب السوداني بالنسبة له أصبح دولة مجاورة!! ولعل أكثر ما يفضح مسلك عرمان هذا – وما أكثر ما يفضح الشاب الطامح – أنه يسوّق نفسه في حملته الانتخابية _كداعية أوحد للوحدة)، وزعم عرمان فيما زعم أنه الوحيد القادر على انشاء وحدة مضمونة للسودان عبر مشروع السودان الجديد. ولسنا بالطبع في حالة اعتراض على (سودان عرمان الجديد) فهو حر في الحلم والطموح ومن حقه – دستورياً وقانونياً وسياسياً – أن يبذل الوعود والبرامج بل وحتى الأحلام كيف يشاء ولكن ألا يبدو تجاهله لمشاكل الجنوب مثيراً للريبة؟ فالجنوب السوداني يعيش فساداً مالياً ضارياً أسطع مثال له اهدار ما يجاوز ال(7) مليار دولار هدراً. لماذا لم يتحل عرمان بالشفافية التي يتحلى بها بشأن قضايا الشمال للحديث عن وجود فساد فعلي في الجنوب وأن من بين احدى أهم برامجه القضاء على الفساد في الجنوب؟ كما أن الجنوب السوداني يشهد صراعات قبلية دامية سببها تدخل الجيش الشعبي ونشره للسلاح عبر البيع فلماذا لم يتعرض عرمان وهو (رئيس السودان الموحّد الجديد المقبل) لهذه المآسي الجارية في الجنوب؟ الجنوب السوداني تنتشر فيه الآن جرائم اغتصاب واسعة النطاق وثقّ بعضها صحفاً محلية مثل صحيفة سيتزين، وهي جرائم بشعة للغاية واستحدثها الجيش الشعبي مؤخراً ولم يشهدها الجنوب في أحلك أيام الحرب، فلماذا إجتهد عرمان في تجاهلها في حين أنه ملأ آذاننا بالصراخ لمجرد وجود قانون لحماية أمن المجتمع والنظام العام وارتداء الملابس الفاضحة وهل كان عرمان (يصمت ويلزم الصمت) لو أن جندياً واحداً فقط في القوات المسلحة السودانية ارتكب جريمة كهذه؟ بل يلاحظ أن عرمان لم يتعرض ولن ننتظر منه أن يتعرض لقضايا الفقر في الجنوب وغياب الخدمات والفشل الماحق الذي وقعت فيه حكومة الجنوب كونها قضت سنوات خمس في السلطة ولم تنشئ ولا مشروعاً تنموياً أو خدمياً واحداً؟ ان معنى هذا واحد من أمرين : إما أن عرمان يعتقد أن الجنوب السوداني (عال العال) وكل شئ فيه جيّد ولا حاجة لوضع برنامج له وهذا أمر غير صحيح ولا يصدقه حتى غير عاقل، واما أن عرمان يعتقد أن الجنوب ماض نحو انشاء دولة مستقلة لا محالة قائمة وفي هذه الحالة فإن وعوده بالسودان الجديد الموحد لا تقع مطلقاً في خانة الصدق مع النفس!! وفي الحالتين فإن عرمان يناقض نفسه، ويحاول أن يخادع الناخبين، ويستخف بعقولهم!!