طبيعي في أجواء الحوار المنداحة هذه الأيام أن يتوقع المرء أن الإقدام على أي خطوة سيكون له ردود فعل متباينة.. مؤيدة أو معارضة.. وإلا لن يصبح حواراً. ولكن فرقاً كبيراً بين أن تكون مؤمناً فعلاً بالعملية التفاوضية وتحاور وتناور بداخلها أو أن تكون ضدها بوضوح وتسعي لنسفها من أساسها. متى ما استبان موقف الجهة التي تتبني أياً من تلك المواقف يصبح الحوار معها موضعياً وخاصة إذا ما كانت تملك بدائل للحوار. ولكن يبدو لي أن الأحزاب كلها تريد أن يلبي الحزب الحاكم شروطها وإلا ستمتنع عن الجلوس في أي مائدة حوار يدعو لها. إذا كان النظام أو الحزب الحاكم على استعداد لتقبل شروط المعارضة وتنفيذها كان بإمكانه أن يعلن التخلي عن السلطة وإسنادها لآخرين يديرونها لحين إجراء الانتخابات، إلا أن الحزب الحاكم منذ البداية دعا لحوار وطني وهو ممسك بالسلطة وليست لديه رغبة في التنازل عنها بل هو من سيقود الحوار بنفسه. الذين قبلوا مبدأ الحوار قبلوه على هذا الأساس. (2) استغربت لبيانين صدرا كرد فعل بعد لقاء الرئيس مع الأحزاب الأسبوع الماضي بقاعة الصداقة، البيان الأول لياسر عرمان والثاني لمبارك الفاضل. السيد ياسر عرمان يذيل البيان باسمه وهو يتحدث باسم الجبهة الثورية، أي أن مكونات الجبهة الثورية قد تم سرقة لسانها. الملاحظة الثانية في بيان السيد ياسر هي (ولذا كان من ضمن القضايا الإجرائية الهامة الإتفاق على معايير المشاركة وكيفية إتخاذ القرار ومن يحق لق المشاركة في إتخاذ القرار وإلا فإن أجهزة أمن المؤتمر الوطني ستتحكم في العملية الدستورية والسياسية عبر اللافتات المختلفة وسوق عكاظ السياسي). كنت أود أن يطرح السيد ياسر عرمان في بيانه المعايير التي تتيح للأحزاب المشاركة في الحوار من وجهة نظره مترافقة معها الكيفية التي يري بها طريقة اتخاذ القرار. للأسف لم يفعل لأن الكلام المرسل على عواهنه سهل ولكن التصورات الموضوعية صعبة. المؤتمر الوطني اختار كل الأحزاب المسجلة أو المخطرة كمعيار وحيد للدعوة للحوار ولم يفرض حتى الآن آلية لاتخاذ القرار وتركها لاتفاق الأحزاب. صاح .. خطأ هو معيار فماهو المعيار الآخر لدي السيد ياسر؟. يقول السيد ياسر في بيانه (أو بيان الجبهة الثورية لا أعرف) من المشير البشير بل تحتاج لخطوات تخاطب قضايا ملايين النازحين واللاجئين إلغاء القوانين المقيدة للحريات والاتفاق علي آلية مستقلة انتقالية وهي القضايا التي يتجنبها المؤتمر الوطني). السؤال علي أي أسس سيقوم المؤتمر الوطني بتلك الخطوات بدون اتفاق مع أهل الشأن؟ وإذا كان سيقوم بكل تلك الخطوات دن حوار فما جدوى الحوار أصلاً؟.. هل ستقبل الأحزاب بأن ينفرد الحزب الحاكم بمخاطبة كل تلك القضايا وحدة؟.. أنظر لهذا الزهايمر السياسي والفكري فتارة علي المؤتمر الوطني إلا يتخذ خطوات أحادية وتارة عليه أن يتخذ خطوات حاسمة.. تارة تصبح المطالب شروطاً ونتائج الحوار ينبغي أن تنفذ قبل أن تبدأ عملية الحوار نفسها!!. لا أدري ماذا سيفعل السيد ياسر عرمان والجبهة الثورية إذا ما تمكنوا من هزيمة المؤتمر الوطني ودخلوا الخرطوم علي صهوة دبابتهم. (3) البيان الآخر يخص السيد مبارك الفاضل بدأ لي بعد قراءة البيان أن مقدرات السيد مبارك السياسية والفكرية قد أصابها وهن بائن، ومهاراته في المناورة السياسية الذكية قد تبددت. أنظر أيها القارئ للسيد مبارك وقد ألم به الزهايمر السياسي حين يقول (لذا يجب علي الإنقاذ احترام الدستور وذلك بإلغاء القوانين المتعارضة معه وفي مقدمتها قانون الأمن الوطني وقانون النظام العام). يعلم سيد مبارك أنه حين كان يغرد في القصر كانت تلك القوانين ماثلة فلم نسمع له رأيا ضدها فلماذا الآن؟.. لنقل إن هذه صحوة ضمير متأخرة جداً ولكن سيد مبارك يعلم أن هذه القوانين لا تتعارض مع الدستور غالباً ما تنص علي عبارة (وفقاً للقانون). وهي الثغرة التي تسللت منها القوانين الاستثنائية. بناء علي ذلك فان تعديل القوانين المقيدة للحريات تتطلب تعديل الدستور نفسه وتعديل الدستور هو أحد قضايا الحوار الآن. فكيف يا تري يطالب مبارك ورهطه الحزب الحاكم تعديل الدستور لوحده وهم ينادون بمؤتمر دستوري؟.. بدا لي أن هذه المعارضة (مزهمرة ومدسترة).. ربنا يشفيها ويعافينا. نقلا عن صحيفة الرأي العام 14/4/2014م