عملياً فإن الجبهة الثورية فى مجملها ليست سوى قطاع الشمال زائداً حركات دارفور المسلحة الثلاث، فإن كان الأمر كذلك فإن البيان الأخير الذي أصدرته الجبهة الثورية بشأن موقفها من قضايا الحوار الوطني يثير التساؤل حول من وقف وراء هذا البيان؟ البيان كما هو معروف رفض الحوار ما لم تنتقل الحكومة من الشمولية الى التحول الديمقراطي ومن الحرب الى السلام وتهيئة المناخ المواتي للحريات والممارسة السياسية. وسبب هذا السؤال -الذي ربما لم يستوقف أحد- أن القوى المكونة للثورية هي قوى مسلحة فى المقام الاول وليست احزاب سياسية؛ بل هي نشأت من الأساس كقوى وفصائل مسلحة ولم تكن أحزاباً سياسية كانت تعمل فى مناخ سياسي ديمقراطي وحملت السلاح حينما ضاقت بها مساحة الملعب ولجأت للحرب، لهذا يظل الامر مثيراً للاستغراب والتساؤلات عما إذا كانت هذه القوى المسلحة تمتلك فى قاموسها -فى الوقت الراهن- شيء مثل الشمولية والديمقراطية والحريات. الجبهة الثورية فى وثيقة دستورية شهيرة صدرت عنها قبل أشهر طوال كانت قد قررت انشاء نواة للجيش السوداني من الفصائل العسكرية التى تتكون منها! ودعت الوثيقة الى حل كافة اجهزة الدولة بما فيها الجيش السوداني، وهي الوثيقة التي لا زالت موجودة ولم يتم إلغاؤها أو تعديلها. الوثيقة ليس فيها أدنى اشارة الى التحول الديمقراطي والحريات العامة وأقصى ما نصّت عليه فى هذا الصدد أنها جعلت من اللهجات العامية لكل قبائل السودان لغة رسمية للدولة! ما عدا ذلك فإن كل شيء شمولي قح لا ذكر فيه لبرلمان أو انتخابات عامة أو دوائر جغرافية أو حريات عامة. ترى من تصدى لمهمة كتابة هذا البيان السياسي الرشيق لهذه المجموعة المسلحة التى لا تخلو من غلظة؟ هذا جانب، الجانب الثاني أن قطاع الشمال وهو المكون الرئيس للجبهة الثورية وعرابها وصاحب (حق المؤلف) فى إنشائها وتسميتها هو الآن وفى هذه اللحظات ومن الناحية العملية فى (حالة حوار) مع الحكومة السودانية وقد انعقدت عدة جولات تفاوض بين الطرفين بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا لم يشترط فيها القطاع مطلقاً الانتقال من الشمولية الى الديمقراطية ولم يطالب بإلغاء القوانين المقيدة للحريات ولم يتحدث عن وقف الحرب. قطاع الشمال لم يضع ذات الشروط التى صدر بها بيان الثورية الاخير. الحركات الدارفورية المسلحة الثلاث، رحب جزء منها مثل حركة جبريل ابراهيم بالحوار ولم تشترط صراحة شروطاً بل إن الكثيرين يعتبرون إن العدل والمساواة بزعامة جبريل باتت قريبة للغاية من الحوار؛ إذن ما تبقى من الثورية بعد خصم قطاع الشمال زائداً حركة جبريل؟ ما تبقى هو حركتيّ مناوي وعبد الواحد، فهل يمكن القول إن هاتين الحركتين هما اللتين أصدرتا بيان الثورية؟ بمعنى أن قادة الثورية -إرضاءاً ومجاملة لهاتين الحركتين- أصدروا بيانهم هذا؟ وهل من الممكن ان تتحكم حركتان فى مسيرة جبهة مسلحة بحيث تديرها بهذه الطريقة؟ هذه التساؤلات ضرورية للغاية وذلك أن المسميات السياسية التى ظلت تظهر فى الساحة السياسية السودانية ثبت أنها ليست مطابقة تماماً للمواصفات. من السهل جداً ان يصدر بيان تحت مسمى من المسميات ويقيم الدنيا ولا يقعدها وهو فى حقيقته لا قيمة له ولا يمثل أحداً خاصة وأن مسمى مثل مسمى الجبهة الثورية -من الناحية الفعلية- عديم الجدوى لأن قطاع الشمال فى خاتمة المطاف له رؤاه الخاصة المتقاطعة تماماً مع الحركات الدارفورية؛ كما أن منابر حل أي قضية مختلفة ولا مجال لدمجها وفوق كل ذلك فإن كل العمل العسكري الميداني للجبهة الثورية وطوال السنوات الماضية وحتى الآن لم يفضي الى شيء ذي بال بإمكان الثورية أن تساوم به إذا أتيح لها الجلوس الى مائدة الحوار.