عندما جلس رئيس جنوب السودان سلفاكير ونائبه المتمرد إريك مشار قبالة بعضهما بعضاً في العاصمة الإثيوبية الأسبوع الماضي كان عليهما التفكير ملياً في عواقب فشل اللقاء الذي سبقته تحذيرات واضحة من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من مغبة الاستمرار في الحرب، وعرقلة المسار السلمي لحل النزاع . فالولاياتالمتحدة تشعر بالحرج من المذابح المروعة التي ارتبطت بالحرب في جنوب السودان، باعتبارها الدولة الراعية لانفصال هذه الدولة، كما يشعر المجتمع الدولي بالقلق إزاء تحول الصراع إلى أزمة إقليمية تهدد السلام العالمي، بعد أن زجت أوغندا بقواتها إلى جانب سلفاكير وسط اتهامات بتورط سوداني مع المتمردين ووجود آلاف اللاجئين الفارين من الحرب على أراضي إثيوبيا وكينيا المجاورتين . لقد اتخذ الصراع بين الرئيس سلفاكير المنتمي إلى قبيلة الدينكا، ونائبه مشار المتحدر من قبيلة النوير طابعاً سياسياً في البداية، ولكنه تحول بسرعة إلى حرب أهلية طاحنة حصدت آلاف القتلى ووضعت البلاد على حافة الانهيار . وبقدر ما يملك زعيما القبيلتين مفاتيح الحرب، وهما تسببا في اندلاعها واستمرارها فإنهما معنيان مباشرة بوقف الحرب . وكان المطلوب من لقاء أديس أبابا قرارات وتعهدات واضحة لا تحتمل التأجيل والمماطلة، وبدأت الولاياتالمتحدة بالفعل فرض عقوبات على قائد الحرس الرئاسي لسلفاكير المسؤول عن مقتل المئات من عرقية النوير في جوبا، والجنرال قاديت الذي قتل العسكريين والمدنيين الدينكا في جونقلي، في خطوة تهدف لتوجيه رسالة إلى اللاعبين الكبار . والإشارة هنا تقول إن صبر المجتمع الدولي بدأ بالنفاد، وإنه لن يحتمل أي مناورات على المنبر الإثيوبي، وإن العقوبات الحالية لا تمثل إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، وإن الخطوات المقبلة قد تعني تشكيل محكمة جرائم حرب وتوجيه اتهامات ومذكرات اعتقال . وما لاشك فيه أن سلفاكير وخصمه مشار يدركان جيدًا أن اتفاق الهدنة الذي تم التوصل اليه في أديس أبابا لم يكن ثمرة مبادرة جنوبية لبناء الثقة أو نتيجة تقارب في المواقف، ولا كان اعترافاً بحجم الفظائع والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الطرفين، لكنه جاء بعدما أبرز وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عصا التهديد والوعيد في زيارته الأخيرة إلى جوبا . إن الخطوات المنتظرة من الطرفين في المرحلة القادمة تتمثل، علاوة على الالتزام بوقف العمليات الحربية واستهداف المدنيين، في الدخول في مفاوضات غير مشروطة لبناء السلام والاتفاق على تفاصيل الحكومة الانتقالية، وإشراك الأطراف الأخرى في العملية السياسية، خاصة "مجموعة السبع" التي تشكل جسرًا مناسباً للعبور من منطق الحرب الذي ساد طوال الأشهر الخمسة الماضية، إلى منطق السلام وبناء الاستقرار في الدولة الجديدة . المصدر: الخليج الاماراتية 15/5/2014م