ظلت الدراما المصرية هي آلة التنفيس الأساسية التي يتم عبرها إزالة الاحتقان الكبرى التي يعيشها الشعب المصري، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى. القضية الفلسطينية ظلت هي أيضاً حاضرة بقوة فيما تنتجه الآلة الإعلامية المصرية، فكان (رأفت الهجان) و(إعدام ميت) و(الطريق إلى إيلات) و(مهمة في تل أبيب) وأخيراً السفارة في العمارة. كأجرأ عمل يقوم بإذن الحكومة والرقابة. كانت رؤية الحكومة واضحة في الفلم في الدفاع عن اتفاقية السلام (كامب ديفيد) وحماية السفارة والمصالح الإسرائيلية والتي يمثلها الضابط الأمني الكبير، والتي تقول : "نحن عارفين انو الناس مش راضية بس يهمنا مصلحة الدولة العليا". وفي المقابل كان موقف المواطن المغلوب على أمره (شريف خيري) – عادل أمام – موقف مخزي حيث كان همه فقط أن يؤمن مصالحه السفلى. ليصور الفلم لنا أن هذه هي اهتمامات واحتياجات المواطن وتقوم الدولة بتوفيرها له، ولكن دون أن يزعجها ويعكر صفوها وهي تحقق المصلحة العليا. مصر قدرها التاريخي جعلها دولة المواجهة الأولى، وهذا هو قدر الكبار، ولكن اذا قاموا بدورهم كاملاً، فكانت حرب 48 ثم أعقبها الهجوم الثلاثي في 56 ثم كانت النكسة في 67 ولاءات الخرطوم الثلاث، ثم الانتصار الكبير في العاشر من رمضان 73. ثم كانت كامب ديفيد، ومنها نصبت مصر نفسها حامية لظهر إسرائيل، فقاطعها العرب، واعترضت جموع الشعب المصري على هذا الدور غير المشرف لمصر، ودفع الرئيس السادات حياته ثمناً لهذا الموقف على يد خالد الاسلامبولي من جماعة الجهاد الإسلامي. ثم لم تستطع الحكومة كسب هذه المعركة سياسياً، مما أدى بالحكومة إلى أن تكون أكثر تابعية للغرب وخاصة الولاياتالمتحدة حامية إسرائيل الأولى في المنطقة. هذه التابعية المذلة للغرب كانت من إحدى أسباب ثورة 25 يناير المصرية. وهذا الموقف جعل الجماعات الإسلامية تتنامى، مما جعل الحكومة تعالج أمر علاقاتها بإسرائيل عبر الدراما وكذلك أمر الجماعات الإسلامية، بالإضافة للاعتقالات والمحاكمات. في الجانب الآخر في فلسطين نمت الجماعات الرافضة الرافضة للتطبيع بالشروط المذلة للسلام مع إسرائيل، وكان نتاجها اكتساح حركة حماس لانتخابات قطاع غزة في منتصف 2006 ومنذ ذلك التاريخ بدأت إسرائيل في محاصرة القطاع، وشن عدد من العمليات الجوية والبحرية والبرية، استخدمت فيها أحدث الأسلحة شملت (طائرات الاباتشي وطائرات 16F وطائرات 15F والأسلحة الفسفورية ودبابة المير كافا وناقلات الجند والبوارج الحربية وغيرها)، وظلت المقاومة صامدة رغم قلة العتاد والسلاح وفي ظل انعدام المواد التموينية وانقطاع الكهرباء والغاز، وفقدان المستشفيات لأهم مقومات العلاج. المتنفس الوحيد لحماس كان هو فوز الأخوان المسلمين في الانتخابات المصرية، وصعود محمد مرسي للرئاسة، حيث قاموا بفتح معبر رفح لعلاج الجرحى وللحالات والمعالجات الإنسانية، حيث كان يعبر المعبر حوالي 40 ألف شهرياً، وبعد انقلاب السيسي في 3 يوليو 2013 عبر المعبر من يوليو وحتى ديسمبر حوالي 9550 فقط حسب تقرير للBBC. ثم قفل نهائياً، وبعد المعارك الأخيرة عبر حوالي 15 فقط وكلهم يحملون جوازات أجنبية، أي لم يعبر فلسطيني واحد. في هذه الأثناء ظهر ما يسمى (المبادرة المصرية)، والتي في الحقيقة هي مبادرة إسرائيلية بامتياز، فقد ذكرت تقارير نشرتها صحيفة (هاآريتس) الإسرائيلية أن إسرائيل شاركت في صياغة المبادرة المصرية، فهي لكل من يقرأها تحقق شروط إسرائيل فقط. وطبعاً كان مصيرها الرفض القاطع من حماس والمقاومة، ووضعت حماس شروطها العشرة على الطاولة، ودارت المعارك وما زال الشهداء يتساقطون وكذلك القتلى من العدو الإسرائيلي والذي ركز على استهداف المدنيين من الشيوخ والأطفال والنساء. في هذه الأثناء يتحرك الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن لا ليفك الحصار عن مواطنيه في غزة ولكن ليفك الحصار عن المبادرة المصرية والتي ولدت ميتة كأول عمل فاشل لحكومة السيسي، مما جعل الناس يتذكرون كيف كانت تتم الطبخات بنار هادئة في زمن مبارك وعمر سليمان، وكيف كانت القيادة في عهد ياسر عرفات، بعد أن تحول أبو مازن لسفير في الخارجية المصرية. ولعلنا نحتاج أن نناضل ونقاوم ولو بأضعف الإيمان أن نهتف ونغني مع الفنان شعبان عبد الرحيم(شعبولا) : "أنا بكره إسرائيل وبقولها لو إن شاء الله أموت قتيل أو أخش المعتقل" وإيه........... نقلاً عن صحيفة الخرطوم 24/7/2014م