أخيراً جداً أصدرت الأممالمتحدة تقريراً رسمياً حوى تفاصيلاً دقيقة ومهمة عن حقيقة الأوضاع المأساوية التي شهدتها دولة جنوب السودان ابتداءاً من ليلة 15 ديسمبر 2013 وما تبعها من أحداث فيما عرف بالصراع الجنوبي الجنوبي الدامي، بين الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت ونائبه السابق الدكتور رياك مشار. تقرير المنظمة الدولية الذي احتوى على حوالي 60 صفحة أولى إهتماماً خاصاً بحوادث الاعتداء على مقر البعثة الأممية (يوناميس) في كلٍ من مناطق "ربكونا" و"بور" والقتل ذي الطبيعة العنصرية الذي جرى للمدنيين. التقرير أفرد حيزاً معتبراً جداً للإنتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها حركة العدل والمساواة الدارفورية المتمردة في خضم النزاع الدموي والتي تمثلت في حالات القتل الوحشي الممنهج ضد قبائل النوير والاغتصابات التي تعرضت لها نساء قبائل النوير. فعلى سبيل المثال يشير التقرير في صفحة 48 وتحديداً في الفقرة 247 أن عناصر من حركة العدل والمساواة شاركت بعض عناصر الجيش الشعبي في عمليات اغتصاب نساء يتبعن لقبيلة النوير، بل إن التقرير وإمعاناً منه في تأكيد هذه الحقيقة وتوثيقها أكد وجود نساء حُبليات ويوجد في أحشائهن أطفالاً ينتمون إلى عناصر حركة العدل والمساواة وفقاً للفحوصات الطبية التي أجريت في هذا الصدد. على الصفحة رقم 50 يشير التقرير إلى وقوع حوادث اغتصاب أخرى من قبل عناصر حركة العدل والمساواة لنساء من قبيلة النوير يوم 20 ديسمبر 2013 ويؤكد التقرير إن الجريمة طالت حوالي 20 ضحية من النساء تعرضن لاغتصاب جماعي بمنطقة (ميادنديت) وأسفرت الحادثة عن موت هؤلاء الضحايا من النساء جراء شدة العنف الجنسي الذي استخدم ضدهن. ويضيف التقرير على ذات الصفحة إن 3 من الأطفال أيضاً -توفي أحدهم لشدة العنف- تعرضوا لعملية اغتصاب هم أيضاً في ذات المنطقة. التقرير يشير أيضاً إلى وقوع حوادث اغتصاب أخرى بمنطقة اللير بتاريخ 16/4/2014 بواسطة عناصر حركة العدل والمساواة. هكذا إذن، تمتلك الأممالمتحدة -وفقاً للتقرير- وثائق وأدلة قاطعة جرى الحصول عليها مباشرة من مسرح الجريمة وميادين القتال عقب وقت وجيز من وقوعها ضد عناصر حركة العدل والمساواة وهو بمثابة تأكيد لا يتطرق إليه الشك لتقارير متنوعة سابقة من منظمات طوعية ومصادر دبلوماسية مختلفة أوردت ذات هذه الحقائق ونشرت في العديد من وسائط الإعلام المحلية والدولية. ولئن كان من الغريب والمدهش حقاً أن يكتفي المجتمع الدولي بالصمت وهو يطلع على هذه الانتهاكات الجسيمة لحركة سودانية مسلحة اختارت أن تتحول بمحض إرادتها لكيان وحشي على استعداد للعمل في كل حقول الجرائم ضد الإنسانية بمقابل وبغير مقابل؛ فإن الأكثر غرابة أنه وفي ذات وقت ظهور هذا السجل الموثق أن يقوم الاتحاد الأوربي باستضافة مؤتمر للسلام يستضيف فيه عناصر الحركة وقادتها ضمن قادة الجبهة الثورية ويصافح بيدين باردتين سفكة الدماء وذئاب الجنوب الجدد! ويزداد الاستغراب حين ندرك أن الولاياتالمتحدة التي كانت تتابع عن كثب مجريات الصراع الجنوبي الجنوبي وترى وتشاهد ما تفعله حركة العدل والمساواة ولم تحرك لا في ذلك الوقت -منذ حوالي تسعة أشهر- ولا في الوقت الراهن ساكناً ولو لمجرد إدانة ما جرى. أما الأممالمتحدة التي كان لها فضل التوثيق ونشر التقرير المذهل، فهي لم تفعل أكثر من أن أحسنت تغليف التقرير بغلاف ناعم وجذاب ووضعت نسخه أنيقة منه في أضابيرها! ولا عجب فدهاليز المنظمة الدولية تحوي أماكن للتقارير الساخنة الملتهبة التي لا تنتظر، وأماكن أخرى قليلة الإضاءة للتقارير البادرة التي لا تصلح سوى للتاريخ والأعمال الروتينية المعتادة والتي يكتب عليها عادة: "للحفظ"!