يبدو أن الغموض الذي اكتنف زيارة المشير عبد الفتاح السيسي مطلع الشهر الماضي للخرطوم بسبب ما صاحبه من تعتيم علي أسباب الزيارة وأجندتها حينها وتوقيتها، يبدو أنه بدأ في الانقشاع رويداً رويداً، بسبب الخطوات العملية التي اتخذتها مصر في الأيام الماضية، والتي أضفت جواً من التفاؤل والارتياح في البلدين بعد حالة المد والجزر التي اعترت علاقة البلدين بعد الإطاحة بمرسي وتزامن طرق الإعلام المصري بصورة قاسية علي قضية حلايب والتي دائماً ما يصعد الحديث عنها بالتوتر بين البلدين الي قمته. منع المعارضة من إقامة مؤتمرها بالقاهرة ألا انه يبدو أن التوتر بين البلدين آخذ في الانحسار خاصة بعد الخطوة المصرية والتي منعت بموجبها قيام مؤتمر للمعارضة، الجبهة الوحدة الوطنية، بزعامة القيادي الاتحادي علي محمود حسنين، السبت الماضي في القاهرة، الذي كان مزعماً انعقاده لأربعة أيام تحت شعار "وحدة المعارضة لإسقاط النظام وعدم التحاور معه". وقد وجدت الخطوة، التي فاجأت الكثير من المراقبين، ترحيباً جدياً من السلطات في الخرطوم، حيث وصفها وزير الخارجية علي كرتي بالايجابية، مؤكداً انتقاء أي أسباب أو مبررات لعقد أنشطة معادية أو معارضة للسودان من الخارج، نؤكد علي حرص الخرطوم علي دعوة الجميع للمشاركة في مبادرة الحوار الوطني، ضامناً عدم استثناء أي جهة سياسية كانت أو حزبية، بما في ذلك الحركات المسلحة. بتقديم الضمانات الكافية لها، وأضاف كرتي بعد لقائه بالسفير المصري بالخرطوم، أن الموقف المصري يشكل سابقة ايجابية في منع المعارضين السودانيين الموجودين في القاهرة من إقامة أي نشاط سياسي معارض للسودان. وقد أكد السفير المصري بالخرطوم محمد شلتوت – حسب وكالة السودان للإنباء- أن الموقف من المعارضة السودانية موقف مبدئي للحكومة المصرية تجاه السودان. وقد اتبعت مصر خطوتها تلك، باتصال قام به الرئيس السيسي بنظرية السوداني المشير عمر البشير مطمئناً علي صحته وداعياً له لزيارة القاهرة في القريب العاجل. فتح المعابر بين البلدين وقد سبقت خطوة منع المعارضة السودانية من إقامة مؤتمراتها وندواتها علي أرض مصر خطوات أخريات، قبل أيام، صبت في صالح الانفراج المتوقع بين البلدين في المستقبل القريب، عندما أعلن وزير الصناعة المصري عن فتح معبر "قسطل – أشكيت" خلال أيام. وكان منير فخري عبد النور وزير الصناعة والتجارة، وبعد سلسلة من المباحثات أجراها، علي هامش اجتماعات اللجنة التجارية والصناعية المصرية – السودانية المشتركة، بالخرطوم الأربعاء الماضي، قد أكد علي أن فتح المعبر سيفتح آفاقاً أوسع للتعاون بين البلدين، فيما أكد نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن، أهمية تفعيل منظومة التكامل بين مصر والسودان، علي أساس المصلحة المشتركة لتحقيق آمال وتطلعات شعبي البلدين. حيث من المتوقع أن يصل التبادل التجاري بين البلدين الي ما يقارب ال3 مليارات دولار سنوياً. وتبدو هذه الخطوات متناغمة مع ما أقدمت عليه مصر، مؤخراً، من موقفها من المعارضة السودانية. خاصة وقد ارتبط تأخر فتح هذه المعابر بحالة الفتور، التي صبغت علاقة البلدين في الشهور الماضية. سد النهضة علي الخط لا يستبعد أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، الدكتور محمد عبد العظيم، في حديثه –ل (الخرطوم)- أمس- أن تطلب مصر من السودان مستقبلاً دوراً مسانداً لمواقفها في الإقليم خاصة، وأن الموقف المصري ما يزال لم يبرح مكانه من قضية سد النهضة، التي أربك موقف السودان، المؤيد لإنشاء السد الخطوات المصرية واضعف بصورة أو بأخرى من قوة دفعها، إذ تحتاج مثل هذه المواقف لشحذ الدعم الكافي لها، من قبل الجيران المشتركين في القضية. وأضاف عبد العظيم أن ما يربط مصر والسودان من مصالح لا يسمح لحكومتي البلدين، إلا وأن يسعيا في سبيل جعل العلاقة بينهما أكثر ايجابية، بعيدة عن التوتر البائن علي الأقل، حتي وأن لم تكن في أفضل حالاتها، مؤكداً أن ما قامت به الحكومة المصرية مؤخراً، مؤشر يدل علي أن الحكومة المصرية تؤثر النظر الي مصالحها ومصالح شعبها، تؤثر النظر عن توجهات الحكومة التي تحكم جنوب الوادي، الأيدلوجية والفكرية، وهو ما ستجد الحكومة السودانية نفسها مجبرة معه، علي رد مثل هذه الخطوات الايجابية، بمواقف أكثر ايجابية تجاه مصر، بغض النظر عن خلافاتها الأيدلوجية والفكرية مع الحكومة الحالية في القاهرة. وأضاف عبد العظيم أنه " وبما أن الحكومة تعلم بان الصادق المهدي، يستخذ من مصر مقراً لإقامته في الفترة القادمة، فلا استبعد أن تشهد الفترة المقبلة سعياً حثيثاً من الحكومة السودانية في سبيل تقريب وجهات النظر بينها والحكومة المصرية، في سبيل المحافظة علي هذا المستوي من التقارب، وعدم السماح بتدهوره . وأضاف أنه لا يستبعد أن تطلب الحكومة من نظيرتها المصرية ممارسة المزيد من الضغط علي المعارضة السودانية، لإلحاقها بالحوار الوطني. إلا أن ذلك يتطلب المزيد من ردات الفعل الايجابية لحكومة الخرطوم، تجاه أي خلافات لها مع القاهرة. امن الحدود حاضراً ويري خبراء ومحللون سياسيون أن مصر بهذه الخطوة التقاربية مع حكومة الخرطوم، ستطمئن أكثر علي حدودها الجنوبية وتضمن توفر تبادل المعلومات مع حكومة الخرطوم، بما يدور علي حدوها الجنوبية، خاصة مع تنامي ظهور الحركات العنيفة المختلفة مع حكومة السيسي، ويؤدي هذا الاطمئنان الي تقليل الجهد المصري، وتوحيده لمجابهة ما يحدث في حدودها مع ليبيا، ذات الحالة الأمنية المتردية، وبالتالي فان الخطوة المصرية يفهم منها أن الحكومة المصرية تري أن التقارب مع حكومة الخرطوم، أفيد لها من التعويل علي الذين يعارضونها. نقلا عن صحيفة الخرطوم 20/8/2014م