الاسبوع الماضي فرغت الحكومتان السودانية والاثيوبية من تشكيل القوات المشتركة التى تم الاتفاق قبل أشهر على تكوينها لتكون بمثابة قوات حدودية مشتركة تعمل على تأمين الحدود البلدين. وهي تجربة ابتكرها السودان في ظل التحديات الامنية العديدة التى ظلت ماثلة فى حدوده مع جيرانه سواء بوجود متفلتين أو نشاط مسلح لعصابات أو حركات مسلحة، أو انشطة تهريب السلع والبضائع والتي لا يخفى على أحد مدى إلحاقها لضرار اقتصادية وتهديد الامن القومي بالمنطقة، كما أن التجربة أتت أكلها حين جرى تطبيقها بسلاسة بين السودان والجارة تشاد قبل نحو من 5 أعوام خلت، إذ من المعروف تاريخياً ان التجربة ابتكرت أول ما ابتكرت لدواعي معالجة الاشكالات الجارية على حدود السودان وتشاد والأنشطة المسلحة التى كانت تجري في سنوات مضت في الشريط الحدودي المطول المتاخم لإقليم دارفور المضطرب. وقد ساهمت جهود وزارة الدفاع السودانية في ذلك الحين في الوصول الى صيغة القوات المشتركة والتى تتلخص مهامها في مراقبة حدود الدولتين، ومنع أي نشاط مسلح أو وجود تشكيلات عصابية أو حركة سلاح من أي نوع، حيث يتم مسح المنطقة بقوات ذات تشكيل فاعل قادر على التصدي لأي موقف؛ والرئاسة تجري بطريقة دورية للطرفين. وكان واضحاً من التجربة أنها أثبتت فعاليتها ونجحت بالفعل في منع المهددات الأمنية، وأصبحت حدود الطرفين آمنة واضطرت الحركات المسلحة لنقلل انشطتها تماماً الى خارج المنطقة. وتشير متابعاتنا الى ان السودان سعى -من واقع نجاح هذه التجربة- لتعميمها مع جميع جيرانه من دول القارة، حيث بدأت محادثات مع دولة جنوب السودان وما تزال جارية وفق إتفاق أديس ابابا المعروف 27 سبتمبر 2012م الذي وقعه الرئيسان البشير وسلفا كير فيما عرف باتفاق التعاون المشترك بغرض نشر قوات مشتركة على طول الحدود بين الدولتين سعياً لمنع اية تهديدات أمنية لكل دولة، ولئن تعثر تنفيذ هذا النشر حتى الآن لأسباب لا يتسع المجال لطرحها، فإن وجاهة المقترح وأهميته يفرضان العودة في اقرب فرصة لتنفيذ هذه التجربة الرائدة ذات الاثر الباقي. السودان ايضاً أجرى مباحثات مبدئية ولكنها لم تصل الى نهاياتها لنشر قوات مشتركة مع الشقيقة مصر، والكل يذكر الزيارة المهمة التى قام بها وزير الدفاع السوداني الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين الى القاهرة قبل أشهر، وأجرى خلالها مباحثات مع وزير الدفاع المصري -حينه- المشير عبد الفتاح السيسي، إذ من المؤكد ان هذه المنقطة الاستراتيجية المهمة حظيت باهتمام الطرفين فى ظل رغبتهما الاكيدة في تأمين حدودهما المشتركة والمحافظة على علاقات حسن جوار فاعلة. ذات المقترح تقدم به السودان -أيضاً في وقت سابق- للقادة الليبيين، خاصة وأن الحدود المشتركة بينهما فى ظل التفاعلات الجارية الآن في الشقيقة ليبيا، وما يجري في اقليم دارفور يستلزمان ضبط هذه الحدود عبر آلية مشتركة فاعلة على غرار ما تم بين السودان ومصر والسودان واثيوبيا وما ينتظر ان يتم بين السودان ومصر؛ والسودان وجنوب السودان. ولا شك ان هذه التجربة تمثل عموداً فقرياً لقضية حفظ الامن في القارة الافريقية وإذا ما جرى تعميم التجربة بفاعلية أكثر بين جميع البلدان القارة فى ظل طول وعرض القارة فإن من المحتم ان تتراجع بدرجة كبيرة تعقيدات النزاعات الاهلية والخلافات الحدودية بين دول القارة، وإذا ما أبدى مجلس السلم الافريقي بعض الاهتمام بهذه التجربة وسعى لدعمها ونشرها وتطويرها بين الدول الافريقية فإن هذا ربما يساهم في ضبط وتنظيم الحركة في البلدان القارة الافريقية ويقلل من جهود مجلس السلم الافريقي الصعبة للسيطرة على نزاعات القارة التى لا تنتهي.