أقوي تأكيد علي قوة الحوار الداخلي الآن هو الحراك الكثيف للجبهة الثورية ومحاولاتها المتكررة للتشويش علي مسيرة الحوار باستهداف القيادات التقليدية ذات الصلة بالحكومة؟ حملة (علاقات عامة) وتصوير ونظمتها الجبهة الثورية خلال الفترة الماضية استخدمت فيها تكنيك (التشويش) علي مواقف الأحزاب الوطنية من قضية الحوار الوطني، ونجحت الي حد ما في تعكير صفو الأجواء السياسية في أعقاب توقيع (إعلان باريس) مع حزب الأمة. الإعلان كان هلامياً وقصد منه الفرقعة الإعلامية لا أكثر والدليل علي ذلك أنه فقد صلاحية استخدامه بمجرد التوقيع عليه ولم يعد له ذكر لا داخل السودان ولا بين أجندة واهتمامات السفارات الأجنبية. نسي الناس إعلان باريس واهتموا باعتقال مريم وحراك الأمام الصادق ما بين القاهرة التي قبلت له ظهر المجن في ما يبدو وابوظبي التي استقبلته علي استحياء وأديس أبابا التي سيزورها خلال الأيام المقبلة. لو فكرت الجبهة الثورية بإيجابية مع دعوة الحوار الوطني لكان أجدي لها من سياسة (التبويظ) التي تمارسها الآن، لو حزم المسلحون أمرهم وتوجهوا للحوار عبر المنابر المفتوحة لكان أفضل لهم من تسول اللقاءات وتصيد الصور التذكارية مع قيادات المعارضة في الداخل، ولو صمموا برنامج عمل لاستيعاب وجهة نظر هذه الأحزاب في مسيرة العمل المعارض لخرجوا بما يطمئنهم علي تماسك المعارضة في الداخل والخارج. لكنهم آثروا البقاء رهن الأجندة القديمة الداعية فقط لإسقاط النظام وبأي ثمن ومهما كانت النتائج. ولا أدري أين كانت فطنة عرمان وذكاؤه السياسي وهو يجتمع مع السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي برفقة التوم هجو ويصدر مطولاً يحمل اللقاء أكثر مما يحتمل. السيد محمد عثمان الميرغني برمزيته الدينية سيجد مشقة كبيرة في إقناع جماهير حزبه من طائفة الختمية والاتحاديين (حزب الوسط) بأي تحالف أو تنسيق يجمعه بالجبهة الثورية. كما أن التفاهمات الموقعة بين الميرغني والحكومة لن تمسح له بالمناورة بعيداً عن التزامات الخرطوم. ربما ظن السيد أن اللقاء فرصة للتواصل مع المسلحين من باب الغيرة السياسية خاصة أن السيد الصادق المهدي قد سبقه الي هناك، ولكنه يظل علي كل حال لقاء للتحية والمجاملة قصد عرمان أني سكب فيه كثيراً من (الشطة) حتي يدمع به أعين قيادات المؤتمر الوطني ويلهب ألسنتهم بتداوله. ولكن.. جاءت (مكالمة الميرغني) بغير ما تشتهي سفن ياسر عرمان، وقد صدق ما توقعه مراقبون كثر إذ أنه وقبل أن يصل زعيم الاتحاديين الي مقر عمله كان هاتفه يرن باتجاه الخرطوم طالباً الفريق طه عثمان مدير مكتب رئيس الجمهورية ليحيطه علماً بمجريات اللقاء ويستبق أية محاولات لاستغلال الموقف في إغاظة الحكومة والكيد للمؤتمر الوطني. من المؤسف أن تعتمد الجبهة الثورية وقيادات قطاع الشمال علي آلية التشويش لنسف الحوار الوطني وأن تتعامل بتكتيك (التبويظ) في قطع الطريق أمام القوي السياسية في الداخل وعبر أدوار صغيرة لا تتناسب مع ذكاء قيادات في خبرة عرمان وعقار والحلو، يبدو أن هذه القيادات فقدت البوصلة بالفعل، تري مع من سيكون اللقاء القادم وأين ذهب إعلان باريس ولماذا تبخر بيان لقاء الميرغني؟!!. نقلا عن صحيفة الرأي العام 27/8/2014م