يبدو أن تجزئة الحلول وتعدد المنابر بشأن حل قضية دارفور التي امتدت مشكلتها لأكثر من 10 سنوات قد فشلت في نظر المجتمع الدولي، وتشخص هذه الحالة من الفشل توصية محمد بن شمباس رئيس البعثة المشتركة بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي "يوناميد" بإدماج جهود الوساطة الخاصة بدارفور والسودان في آلية واحدة، معززة تحت قيادة رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوي ثامبو أمبيكي، ونوه بين شماس في تقرير قدمه لمجلس السلم والأمن الأفريقي بأديس أبابا إلي ربط قوي الدفع المتباينة للاتحاد الأفريقي وبعثة اليوناميد والمبعوث الخاص للسودانيين "الخرطوم وجوبا" وهيئة الإيقاد ودولة قطر والجامعة العربية في نسق واحد مترابط ومتناغم وممنهج للوساطة، ولم يكتف بن شمباس بالتوصية، وإنما دفع بمقترحات ليكفية دمج عملية سلام دارفور مع مبادرة الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس البشير. وقال بن شمباس إن الاعتقاد السائد بين الشركاء الإقليميين والدوليين، هو وقف الحرب من خلال وقف العدائيات بين الأطراف المتنازعة أو وقف دائم لإطلاق النار، ونبه أبن شمباس إلي أن عملية الحوار تحتاج إلي تغيير شامل ومفتوح وشفاف وحر، وأعلن أبن شمباس استعداد بعثته لدعم عملية الإدماج وتضمين الهموم الخاصة بدارفور الواردة في وثيقة الدوحة للسلام في دارفور داخل سياق الحوار الوطني. قناعة المجتمع الدولي بوحدة المنابر بشأن حل قضية دارفور، ومناداته بدمجها في الحوار الوطني تحت مظلة الآلية الأفريقية رفيعة المستوي برئاسة ثامبو أمبيكي تنبع من تجارب متعددة أرهقت الأسرة الدولية مادياً وكلفتها الكثير، فالأممالمتحدة تصرف علي دارفور ما يساوي 6/2 مليار دولار سنوياً، ومع هذا لم تنجح اتفاقية أبوجا الموقعة في صيف عام 2006 في التوصل لحل نهائي لقضية الإقليم فبرزت حركات مسلحة دارفورية تقاتل بشراسة، وفشلت جهود ليبيا في عهد الرئيس السابق معمر القذافي في حل الأزمة، ولحد ما نجحت أديس أبابا في جمع حركات دارفور الستة ودمجها في حركة واحدة باسم حركة التحرير والعدالة، بقيادة الدكتور التجاني السيسي، وقاد الأمر فيما بعد لاتفاق الدوحة، غير أن حركات دارفورية كحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناحي مني أركو مناوي وعبد الواحد محمد نور لم تدخل في التسوية السياسية في الدوحة. ووافقت ككتلة ضمن الجبهة الثورية علي حوار قومي شامل، وأعلن المتحدث الرسمي باسم البعثة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة (يوناميد) أشرف عيسي عن ترحيب دولة قطر بإدماج وثيقة الدوحة مع الحوار الوطني لتكون تحت قيادة الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي في "آلية معززة". وقال عيسي في مؤتمر صحفي أمس "الاثنين" إن الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي يتمتع بثقل سياسي هائل، ويمكنه تولي الوساطة في قضية دارفور والحوار الوطني بعد إدماجهما معاً مشيراً إلي أن بعثة يوناميد لاحظت أن بنود الوثيقة والحوار متشابهة ومتطابقة. وأكد عيسي أن جولات أمبيكي وبن شمباس إلي الدوحة أثمرت عن جهود كبيرة وإطلاع قطر علي عملية الإدماج موضحاً أن الحكومة القطرية رحبت بعملية إدماج الحوار مع وثيقة الدوحة. وقال عيسي إن القتال بين القوات الحكومية والحركات المسلحة انحسر بشكل كبير في دارفور، لكن المحلل السياسي حسن علي الساعوري يري في حديث ل"التغيير" أن المجتمع الدولي يريد أن ينقذ الحركات المسلحة بعد أن اعترتها حالة ضعف في الميدان، وتسبب نشاطها المسلح في ملل لأهل دارفور جراء الحرب التي استمرت لأكثر من 10 سنوات، وعاد الساعوري، وقال إن الحركات المسلحة الدارفورية ستكون أكثر ضرراً من دمج قضيتها التي قاتلت من أجلها في منبر الحوار الوطني ويشير الساعوري إلي أنه يمكن أن ينال بعض القيادات في الحركات مواقع في السلطة إذا ما قبلت الحركات المسلحة بدمج قضية الإقليم في منبر الحوار الوطني وتضيع مطالب التنمية، وتوقع أن ترفض بعض الحركات دمج قضية الإقليم في الحوار الوطني ويقطع الساعوري بأنه من مصلحة الحكومة توحيد المنابر ليصبح الحديث معها من قبل الآخرين عن السلطة والديمقراطية، غير أن المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر يقول في حديثه ل"التغيير" أن المجتمع الدولي يهدف من خلال دعوته لدمج جهود حل قضية دارفور في جهود أمبيكي ضمن عملية الحوار الوطني الشامل لخفض تكلفة المنابر، وصولاً إلي النتيجة نفسها، لجهة أن تعدد المنابر فيه تداخلات ليس لصالح عملية الحل. وينبه خاطر إلي أن السودان يعاني من المركزية القابضة والتنمية غير المتوازنة، وعدم المشاركة في السلطة، ويلفت إلي أن النظرية التي تم اعتمادها في الماضي بتقاسم السلطة في حال الاتفاقات علي السلام حلفت مشكلات وصلت إلي الحد الأدني من الانقسامات في الحركات المسلحة، ويقول خاطر إن المجتمع الدولي وصل لقناعة بعد دراسة أنه يمكن أن تحل قضايا السودان كلها في منبر واحد لخلق اللامركزية والمشاركة السياسية الواسعة، ويستبعد خاطر أن يلحق توحيد المنابر أي خطر بالحركات الدارفورية المسلحة، ويقول إن الذين اتفقوا في الدوحة وفي أبوجا هؤلاء جزء من مستقبل حل قضية دارفور، وكذلك المجموعات التي دمجت نفسها في وحدة الحركات المسلحة "الجبهة الثورية" هم أصلاً وافقوا علي الحوار الشامل انطلاقاً من إعلان باريس، ويري خاطر أن المركزية في السودان في طريقها لأن تكون جزءاً من تاريخ السودان. إذا نجح المجتمع الدولي في دمج منابر حل قضية دارفور في منبر الحل المبني علي الحوار الوطني الشامل الذي يقوده ثامبو أمبيكي، فإن المجتمع الدولي يكون قد أوصل السودانيون إلي المؤتمر الجامع الذي نادوا به كثيراً، وفي هذه الحالة يكون المجتمع الدولي قد ساعد السودانيون في التوصل إلي حلول يكون هو الشاهد عليها، والذي يرفض تنفيذ الحلول في ظل وجود الشاهد الدولي سيكون هو الضحية. نقلا عن صحيفة التغيير 16/9/2014م