أعرف أننى انتمى إلى المدرسة القديمة التى كانت ومازالت تعتبر مصر والسودان بلدا واحدا وتلك هى مدرسة الحزب الوطنى «الوطنى» على حد تعبير أستاذنا المرحوم فتحى رضوان لكى يمايز بين الحزب الوطنى الأصلى والحزب الوطنى الجديد الذى ذهب مع الريح . وأنا أكتب هذا المقال اليوم بعد افتتاح ميناء «قسطل» على الحدود بين مصر والسودان وبالقرب من مجرى النهر الخالد الذى هو حياة البلدين ومصدر كل خير فيهما .وأحمد الله على الأخبار الأخيرة التى بدأت تتردد عن أن مصر والسودان بدأت مواقفهما فى قضية «سد النهضة» تتقارب بما لا يضر السودان ومصر ولا يضر أيضاً أثيوبيا .وقد أسعدنى سعادة غامرة ما حدثنى عنه قريب لى حضر بحكم منصبه افتتاح «ميناء قسطل» وما رواه من أن الإخوة السودانيين كانوا فرحين ومرحين ومستبشرين خيراً بالميناء الجديد حتى أن عددا من النسوة السودانيات خرجن عند المعبر حاملات «مقاطف» بها «بلح رطب» كن يوزعنه على الحاضرين . هل هناك شئ مفرح ومبهج أكثر من هذا المنظر الرائع . اتصل بى من فترة قريب أحد الإخوة السودانيين مقترحا أن ننشئ جمعية أو منظمة لمصر والسودان واقترح أن تكون برئاستى فقلت له إننى سعيد جدا بالفكرة على أنى أفضل أن يكون رئيسها من الإخوة السودانيين . وكعادتنا نحن العرب لم تحدث متابعة للأمر لا من جانبى ولا من جانب الأخ السودانى الذى اتصل بى. إن مصر لا يمكن أن تستغنى عن السودان فى يوم من الأيام وكذلك السودان لا يستطيع أن يعيش بعيداً عن جزئه الشمالى . وحتى السودان لم يبق على حاله بل إنه تمزق إلى جزءين: شمال السودان والسودان الجنوبى وأصبحت للسودان عاصمتان الخرطوم فى الشمال وجوبا فى الجنوب . ولكن غباء الأنظمة يؤدى إلى كوارث حقيقية. من قال ان تطبيق الشريعة الإسلامية يكون سبباً للانفصال ومن قال إن هذا الذى حدث هو فعلاً تطبيق للشريعة الإسلامية. هذا نوع من التفكير اللاعقلانى. واذكر أننى كتبت مقالاً بعد عودتى من «جوبا» قلت فيه إن السودان وبالذات جنوبه يعيش أيام فرح بالاستقلال عن الشمال ولكن قلت يومها إن الاتراح تطل برأسها من الباب وإن مشاكل السودان نتيجة هذا الانفصال ونتيجة ما يحدث فى بعض مناطقه «دارفور وغيرها» يهدد وحدة هذا البلد الحبيب العزيز. وبمناسبة الحديث عن أن السودان ومصر شعب واحد أذكر أنه قبل ثورة 1952 بعدة سنوات رشح مواطن سودانى نفسه فى دائرة عابدين لعضوية مجلس النواب آنذاك. والتفت حوله الجماهير بحماس غير معقول. وكان شباب الحزب الوطنى القديم وأنا واحد من صغارهم آنذاك يدعمون هذا الأخ السودانى الذى لم يكن من أصحاب الملايين لكى نقول إنه اشترى الناس بأمواله ولكنه كان يحب مصر ويحب السودان ويؤمن بوحدة وادى النيل لهذا كله التفت حوله جماهير الدائرة . ولكن فى بلادنا على الأقل فى ذلك الوقت لم تكن إرادة الجماهير هى الفيصل وإنما كانت إرادة السلطات هى الحكم . وعلى ذلك لم يمكّن هذا المواطن السودانى المصرى من عضوية البرلمان . مع كل ايمانى بوحدة القطرين السودان ومصر فإننى لست من دعاة الطفرة أو القفز على الواقع فى مثل هذه الأمور. أرى أن ينضج الأمر على نار هادئة. اعلام يزكيه. وجمعيات مشتركة تقوم والاعلام المقروء والمرئى والمسموع فى كل من البلدين عليه دور مهم فى تهيئة الاذهان وفى توضيح مدى أهمية الوحدة لكل من القطرين كذلك فإن التجمعات السياسية عليها دور غير منكور فى هذا الأمر . وهذا ينطبق على البلدين فى نفس الوقت. ولابد للحق أن يرى النور يوما من الأيام إذا صدقت إرادة الشعوب. المصدر: الأهرام المصية 18/9/2014م